إن الحق سبحانه وتعالى قد ختم الرسالات السماوية برسالة الإسلام، فقال تعالى: (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا..) المائدة / 3.
وبعث خاتم رسله، وصفوة خلقه ليختم به موكب الأنبياء، قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) الأحزاب /40.
إذًا، فالإسلام خاتم الرسالات السماوية، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وباعتباره صلى الله عليه وسلم كذلك فهو شهيد على أمته التي هي وحدها شهيدة على الأمم جميعها، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..) البقرة / 143.
هذه الوسطية هي التي أهلت أمة العرب ليكونوا شهداء على الناس بإسلامهم، وبميزان العدل الذي جعله الله تعالى حكمًا عدلًا بين الناس.
إن من كرامة الأمة الإسلامية على الله تعالى أن جعل الشهيد عليها، وعن بلاغها منهج الله تعالى إلى الأمم، وأن يكون رسول الإسلام، وخاتم النبيين هو الذي يشهد عليها، وهذه منزلة لم تبلغها أمة من الأمم، ورغم أن هذا تشريف لها لكنه وفي الوقت نفسه تكليف عظيم وثقيل، وأن عليها وقبل أن تدعو غيرها إلى الإصلاح أن تصلح نفسها، وتحاذر أن تقع فيما تنهى الناس عنه من المعاصي والذنوب، وأن عليها أن تستقيم على الصراط المستقيم قبل أن تدعو الناس إلى ذلك.. يقول الشاعر العربي:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
هذه من أدبيات العرب، بل هي من أخلاقيات الإسلام لأن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هربوا، والناس ينظرون إلى أحوال دعاة الإصلاح، فإن وافقت أفعالهم أقوالهم كان ذلك أدعى إلى اتباعهم، والتأسي بهم، وإن رأوا أفعالهم لا تطابق أقوالهم نفروا منهم ويمموا وجوههم إلى غيرهم.
إذًا، فمسؤولية الأمة الإسلامية عظيمة وشاقة، وليحذر دعاة الإسلام ومن يحملون لواء الدعوة إلى الله تعالى أن يكونوا مسلمين في الظاهر منافقين في الباطن، وليحذروا من أن يكونوا من الذين يقولون ما لا يفعلون، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3)) الصف.
إن موقف الأمة الإسلامية يوم القيامة لموقف عظيم، وأن مسؤوليتها التي حَمَّلها إياها على درجة عظيمة من الأهمية، والخطر الجليل، لقد جمعهم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأشهدهم على أنفسهم، وأشهد الله تعالى علًيهم حين قال: اللهم قد بلغت اللهم فاشهد! وبمقتضى هذه الشهادة التي أقروها على أنفسهم سوف يشهد عليهم يوم القيامة، وأن ذمته قد برئت صلوات ربي وسلامه عليه، وأن المسؤولية في البلاغ والشهادة قد انتقلت منه إلى أمته، وسوف يجتمع بهم يوم القيامة بعد أن ثبتت لهم الشهادة على الأمم الذين جاءوا من قبلهم، ولقد جاء في الحديث أن الله تعالى يستدعي نبي الله نوح ويسأله: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم! فيسأل الله تعالى قوم نوح: هل بلغكم نوح؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيطلب الله من نوح شهداء على بلاغه لقومه، فيقول: محمد وأمته، فيشهدوا، ثم يتلو الرسول (صلى الله عليه وسلم) قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..) البقرة/ 143.
هذا هو مقام أمة الإسلام في الدنيا والآخرة.. وهذه هي منزلتها بين الأمم.. إن ذلك تكليف عظيم قبل أن يكون تشريفًا عظيمًا، ومسؤولية كبرى تتقطع دونها الأعناق، وتضيق بها الصدور وتحاول الأمة التنصل من هذه المسؤولية العظمى ولكن لا مجال لذلك، ولا فكاك من ذلك.
إن الأمة الإسلامية لعلى خطر عظيم في أن يختم الله تعالى على أفواههم وتتحرر الجوارح من سيطرة الإنسان عليها، يقول تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) يس / 65.
في يوم القيامة تستعيد الجوارح إرادتها الحرة، وتنطلق ألسنة الحال والمقال، يقول تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) النور / 24.
ومن عدل الله تعالى ورحمته أنه سبحانه لن يعاقب عباده على الأفعال المجبرين عليها، فحين يكون الإنسان مجبرًا على فعل معصية، هذا الإجبار يرفع عنه الإثم، فقد رفع عن الأمة الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ (في المحلى لابن حزم / الحديث صحيح).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك