العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

«المنبر الديني».. والانحراف من جديد

منذ‭ ‬فترة‭.. ‬والجميع‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬أشخاص‭ ‬يستغلون‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إشاعة‭ ‬التحريض‭ ‬والتأجيج‭ ‬والعنف‭.. ‬عودة‭ ‬تلك‭ ‬الخطابات‭ ‬وتزامنا‭ ‬مع‭ ‬مناسبات‭ ‬دينية‭ ‬وتطورات‭ ‬سياسية‭ ‬إقليمية،‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الوطن‭.. ‬هؤلاء‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بنا‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭.. ‬ويمهدون‭ ‬للفوضى‭ ‬وتجاوز‭ ‬القانون،‭ ‬الذي‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تطبيقه‭ ‬عليهم،‭ ‬بعد‭ ‬التوجيه‭ ‬والتنبيه‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬بأنهم‭ ‬أبطال‭ ‬وزعماء‭.. ‬ولكنهم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬بتاتا‭.‬

المؤسف‭ ‬له،‭ ‬أنه‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التحذير‭ ‬واتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تحفظ‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬المجتمع‭ ‬حيال‭ ‬تلك‭ ‬المنابر،‭ ‬وصون‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وعدم‭ ‬تعريض‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬التصدُّع،‭ ‬تخرج‭ ‬أصوات‭ ‬ومنصات،‭ ‬ومواقع‭ ‬وشخصيات،‭ ‬تتباكى‭ ‬على‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬والحريات،‭ ‬فيما‭ ‬يبقى‭ ‬الجميع‭ ‬صامتا‭ ‬متفرجا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬التجاوزات‭ ‬السابقة،‭ ‬والاستغلال‭ ‬الفاحش،‭ ‬ويتناسون‭ ‬كل‭ ‬التوجيهات‭ ‬والتنبيهات‭ ‬التي‭ ‬صدرت،‭ ‬قبل‭ ‬تنفيذ‭ ‬القانون‭ ‬الحاسم‭ ‬والحازم‭ ‬حيال‭ ‬المتجاوزين‭.‬

الدولة‭ ‬أحرص‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬والقانون،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬رسالته‭ ‬النبيلة،‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬البعض‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬سياسية‭ ‬لآراء‭ ‬شخصية،‭ ‬ويبتعد‭ ‬فيها‭ ‬الخطيب‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬السماحة‭ ‬والفضائل،‭ ‬والأخلاق‭ ‬والعبادات،‭ ‬والتربية‭ ‬الأسرية‭ ‬والحقوق،‭ ‬ويقف‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬عصماء‭ ‬‮«‬عرمرمية‮»‬،‭ ‬يسعد‭ ‬بهتافات‭ ‬وتصفيق‭ ‬الحضور،‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬هايد‭ ‬بارك‮»‬،‭ ‬لإطلاق‭ ‬الشعارات‭ ‬والتحريض،‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬الصدامات،‭ ‬وتحدى‭ ‬القانون‭ ‬والتجاوزات‭.‬

الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬بعدم‭ ‬تسييسه‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬والمنبر‭ ‬الديني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬رسالته‭ ‬النبيلة‭ ‬بإعلاء‭ ‬سماحة‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭ ‬وتوحيد‭ ‬صفوف‭ ‬المسلمين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬وجوب‭ ‬صون‭ ‬قدسية‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬عليه،‭ ‬فالمنبر‭ ‬الديني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتأزيم،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬متماسك‭ ‬وواعي،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نسمح‭ ‬بتمكين‭ ‬صوت‭ ‬ونهج‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يشق‭ ‬الصف‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬البلاد،‭ ‬ولا‭ ‬نقبل‭ ‬بخطابات‭ ‬تثير‭ ‬العواطف‭ ‬والبلبلة،‭ ‬وتسعى‭ ‬لفرقة‭ ‬المجتمع‭ ‬ومكوناته‭.‬

لقد‭ ‬مررنا‭ ‬بتجربة‭ ‬مؤسفة‭ ‬في‭ ‬انحراف‭ ‬المنابر‭ ‬الدينية،‭ ‬وأمامنا‭ ‬دول‭ ‬ومجتمعات‭ ‬مارس‭ ‬فيها‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬أسوأ‭ ‬الأدوار،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬الضياع‭ ‬والشتات‭ ‬وشبه‭ ‬الانهيار،‭ ‬وتحولت‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬كانتونات‭ ‬فئوية،‭ ‬وضاع‭ ‬الأمل‭ ‬والمستقبل‭ ‬فيها‭. ‬

نحترم‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬ويحترم‭ ‬حدوده‭ ‬ومسؤولياته‭ ‬دون‭ ‬تجاوز‭ ‬وعنتريات‭.. ‬نحترمه‭ ‬ونقدر‭ ‬مكانته‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬خطابه‭ ‬وطنيا‭ ‬وإسلاميا‭ ‬وإنسانيا‭.. ‬نحترمه‭ ‬حينما‭ ‬يحترم‭ ‬العقول‭ ‬والقانون،‭ ‬ويدعو‭ ‬للوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬واحترام‭ ‬القانون‭ ‬والإنسان‭.. ‬أما‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬تصرف‭ ‬يخالف‭ ‬القانون‭ ‬والمجتمع‭ ‬ويهدد‭ ‬الحياة،‭ ‬فهو‭ ‬خطاب‭ ‬لا‭ ‬يُحترم،‭ ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولا‭ ‬الإنسانية‭.‬

نحن‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬والأمن‭ ‬والحريات‭ ‬المسؤولة،‭ ‬ولسنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬المنابر‭ ‬الدينية‮»‬،‭ ‬لكي‭ ‬يمارس‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬دورا‭ ‬ليس‭ ‬دورهم،‭ ‬ويقومون‭ ‬بأفعال‭ ‬لا‭ ‬تنفع‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولدينا‭ ‬بيانات‭ ‬عديدة‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ووزارة‭ ‬العدل،‭ ‬وإدارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬المعنية‭ ‬بدور‭ ‬العبادة،‭ ‬وجميعها‭ ‬تؤكد‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الاعتصام‭ ‬بحبل‭ ‬الله،‭ ‬وعدم‭ ‬تفريق‭ ‬الأمة‭ ‬وتمزيقها،‭ ‬وتجنيب‭ ‬المجتمع‭ ‬المزالق‭ ‬الطائفية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أغراض‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬فئوية‭.. ‬وعودة‭ ‬الانحراف‭ ‬في‭ ‬المنبر‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬جديد‭.. ‬أمر‭ ‬مرفوض‭ ‬بتاتا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا