حيث إن المملكة العربية السعودية تعد قوة مالية مؤثرة إقليميا وعالميا ومركزا مهما من المراكز المالية والمصرفية في العالم، فإنها ومن خلال البنك المركزي السعودي تبذل جهودا متواصلة لملاحقة التطورات العالمية في مجالات المال والاستثمار وما يرتبط بهما من تكنولوجيا جديدة ، فوجدت في التكنولوجيا المالية منافع وخيارات تفوق ما أشيع عن مخاطرها في المرحلة الأولى لانطلاقها، وأدركت أن ابتكارات التكنولوجيا المالية سوف تصبح أكثر انتشارًا في المعاملات اليومية، وسيتم اعتمادها من قبل الأطر التنظيمية المالية العالمية والإقليمية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية، والبنوك المركزية وكبريات المصارف في دول العالم . ومما ساعد على تبلور هذا الإدراك المبكر أن المملكة العربية السعودية كانت سباقة في ملاحقة واعتماد التكنولوجيا المصرفية، فقد تم إدخال أحدث نظم التقنية المصرفية في أعمال المصارف السعودية، مثل إنشاء نظام المقاصة الآلية للشيكات في عام 1986، والشبكة السعودية للمدفوعات في عام 1990، وربطت الشبكة السعودية مع الشبكات العالمية مثل فيزا وماستركارد في عام 1994، والنظام السعودي للتحويلات المالية السريعة (سريع) في عام 1997، كما تقوم المصارف بتقديم خدماتها المصرفية باستخدام أحدث التقنيات التي كانت متاحة مثل الهاتف المصرفي وشبكة الإنترنت. ولدعم واحتضان التكنولوجيا المالية بعامة والتكنولوجيا المالية الإسلامية خاصة، شهدت المملكة تطورات سريعة ومدروسة بعناية في مجال اعتماد التكنولوجيا المالية في ضوء رؤية المملكة 2030م، بدءا من إطلاق البنك المركزي السعودي مبادرة «فنتك السعودية» في شهر أبريل 2018، كإحدى مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي الهادفة إلى تحويل المملكة إلى مركز للتكنولوجيا المالية، في إطار قطاع خدمات مالية متنوع وفعال لدعم تنمية الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر دخله، وتحفيز المدخرات، والتمويل، والاستثمار. وبعد مرور عام على ذلك (في أبريل 2019) تم تأسيس مركز فنتك السعودية في مركز الملك عبد الله المالي، ليباشر مهامه في دعم واحتضان وتوطين شركات ومبادرات التكنولوجيا المالية في المملكة تحقيقا للشمول المالي عبر إيجاد قنوات فعالة ومريحة للوصول إلى الخدمات المالية، وتوسيع المعاملات المالية الرقمية، وجذب أصحاب المصلحة المحليين والدوليين للإسهام في تطوير الخدمات المالية، وتمكين المستثمرين داخل المملكة وخارجها من الاستثمار في إنشاء شركات التكنولوجيا المالية، والإسهام في توليد فرص العمل وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية، وتوفير الدعم والمساندة لشركات التكنولوجيا المالية في كل مراحل تطورها، سعياً إلى تعزيز منظومة التكنولوجيا المالية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة وتسريع وتيرة نموها بهدف تحويل المملكة إلى وجهة للابتكار المالي والمصرفي، سيما وأن التكنولوجيا المالية أصبحت واحدة من الأعمدة الرئيسة في بيئة ريادة الأعمال والابتكار، وتأسيس فهم شامل للتكنولوجيا المالية على مستوى المملكة، باعتبارها أحدث المستجدات في القطاع المالي والمصرفي، مع الحرص على انسجامها وتوافقها مع متطلبات بيئة الأعمال المالية والمصرفية الإسلامية، ودعم تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في التكنولوجيا المالية، وإنشاء منتجات وخدمات «فنتك» لدعم مشاريع الأعمال في جميع أنحاء البلاد، واتباع أساليب تضمن توظيف التكنولوجيا المالية لصالح المجتمع والاقتصاد، مع مراعاة حماية المستهلكين والنظام المالي القائم. ومما عزز ذلك التوجه ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية، حيث تقدر نسبة البالغين من العمر (30) سنة فأدنى بنحو (70%) من السكان، كما أن المملكة تحتل مرتبة متقدمة عالميا في ملكية سكانها للهواتف المحمولة. وقد نظمت المملكة العديد من المؤتمرات والندوات المالية والمصرفية للتعريف بمتطلبات توطين التكنولوجيا المالية في البلاد، ومن أبرزها «مؤتمر القطاع المالي» الذي عقد خلال الفترة (24-25 ) أبريل 2019م في الرياض، وتناول محاور رئيسة في مجال التحول الرقمي في القطاع المالي وبمشاركة أبرز الشخصيات المؤثرة في الصناعة المالية المحلية والإقليمية والدولية من القطاعين العام والخاص، إلى جانب الشركات الدولية، وشركات الاستشارات المالية العالمية، ووكالات التصنيف العالمية، ونخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات التمويل والاستثمار والصيرفة والتأمين. كما شهدت الفترة الماضية تقدمًا كبيرا في إقرار اللوائح التنظيمية والتشريعية، وتأهيل البنية التحتية المالية والمصرفية، وإصدار دليل قطاع التقنية المالية، وبوابة التوظيف لدعم شركات التقنية المالية، كما تم إطلاق أداة تقييم المسار التشريعي لشركات التقنية المالية لتوضيح القواعد التنظيمية في مجال التكنولوجيا المالية، ومبادرة فنتك السعودية لدعم أبحاث التقنية المالية، والتي تهدف إلى دعم الابتكار القائم على البيانات في هذا المجال، الأمر الذي يسر نمو وتسارع الاستثمارات في شركات التكنولوجيا المالية. وقد لعب البنك المركزي السعودي (ساما)، وهيئة سوق المال دورا رياديا مميزا في دعم وتطوير وتوطين صناعة التكنولوجيا المالية في المملكة، وصولا إلى تعزيز موقعها المالي والمصرفي الإقليمي والعالمي، وتسهيل إمكانية حصول المستهلكين على قدر مرتفع ومميز ومتنوع من العديد من الخدمات في مجال المدفوعات والإقراض والتأمين والادخار والاستثمار وإدارة الثروات وغيرها، بسرعة وأمان وتكلفة أقل.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك