العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

حقائق لا تدركها أمريكا

المراقبون‭ ‬وصفوا‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مؤخرا‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬بلنكين‭ ‬للسعودية‭ ‬واستمرت‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬آخر‭ ‬محاولة‭ ‬أمريكية‭ ‬لاستعادة‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬السعودية‮»‬‭.‬

وهناك‭ ‬شبه‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الزيارة‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تريده‭ ‬أمريكا‭ ‬ولا‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الأحوال‭ ‬خطوة‭ ‬صغيرة‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬طويل‭ ‬يمتد‭ ‬أميالا‭. ‬وقد‭ ‬انشغل‭ ‬كثيرون‭ ‬بحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬السعودي‭ ‬عموما‭ ‬لم‭ ‬يعط‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا‭ ‬للزيارة‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬اعتبارها‭ ‬حدثا‭ ‬فارقا‭ ‬أو‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬استثنائية‭. ‬وإجمالا‭ ‬لم‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬الزيارة‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬عملي‭ ‬محدد‭ ‬ملموس‭ ‬باستثناء‭ ‬التصريحات‭ ‬والبيانات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭.‬

السؤال‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬تفشل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬الأمريكية؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تنجح‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬عموما‭ ‬إلى‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬تريده؟

الجواب‭ ‬ببساطة؛‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬حقائق‭ ‬أصبحت‭ ‬تحكم‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬مازالوا‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬إدراكها‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تدركها‭ ‬أمريكا‭ ‬أن‭ ‬جدار‭ ‬الثقة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬حلفائها‭ ‬الخليجيين‭ ‬وأولهم‭ ‬السعودية‭ ‬قد‭ ‬انهار‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الغضب‭ ‬والاستياء‭ ‬الخليجي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬ومن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬بالذات‭ ‬كبير‭ ‬جدا،‭ ‬وهناك‭ ‬جرح‭ ‬عميق‭ ‬سببته‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬التئامه‭.‬

القضية‭ ‬هنا‭ ‬بالمناسبة‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬خلافا‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬حول‭ ‬سياسات‭ ‬ومواقف،‭ ‬ولكن‭ ‬القضية‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬ذهبت‭ ‬بعيدا‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬إساءاتها‭ ‬لقادة‭ ‬خليجيين‭ ‬وفي‭ ‬تهديداتها‭ ‬السافرة‭ ‬المستفزة‭ ‬وفي‭ ‬تدخلاتها‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬داخلية‭ ‬خليجية‭. ‬هذه‭ ‬أمور‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬نسيانها‭ ‬أو‭ ‬تجاوزها‭ ‬ببساطة‭.‬

ثاني‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدركها‭ ‬أمريكا‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬أبدا‭ ‬كما‭ ‬كان‭. ‬هناك‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التعايش‭ ‬معه‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬هي‭ ‬القوة‭ ‬المهيمنة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‭.‬

والزمن‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تتصرف‭ ‬فيه‭ ‬بمنطق‭ ‬أن‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬ما‭ ‬تشاء،‭ ‬أو‭ ‬تطلب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬ركابها‭ ‬وأن‭ ‬تتبع‭ ‬سياساتها‭ ‬ومواقفها‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أمريكا‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬السعودية‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬تنويع‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الدولية‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬شراكة‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬عظمى‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬استراتيجي‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التوجه‭ ‬لاتباع‭ ‬سياسات‭ ‬واتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬حيادية‭ ‬مستقلة‭ ‬إزاء‭ ‬التطورات‭ ‬والقضايا‭ ‬العالمية‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬الخليجية‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬استراتيجي‭.‬

التطورات‭ ‬العالمية‭ ‬وتحولات‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬تعزز‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الخليجي‭ ‬العربي‭.‬

ثالث‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬أنه‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بمقدور‭ ‬أمريكا‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولا‭ ‬نهائيا‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تحدد‭ ‬للسعودية‭ ‬ولدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخدمها‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولا‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬المصالح‭ ‬الخليجية‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬عسكريا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭.. ‬وهكذا‭.‬

ورابع‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق،‭ ‬أنه‭ ‬انتهى‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬أمريكا‭ ‬تتصور‭ ‬أن‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬أساليب‭ ‬الضغط‭ ‬أو‭ ‬الابتزاز‭ ‬كي‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬السعودية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬توجها‭ ‬أو‭ ‬سياسة‭ ‬أو‭ ‬تصرفا‭ ‬معينا‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬ولا‭ ‬مقبولا‭ ‬مثلا‭ ‬أي‭ ‬محالات‭ ‬ابتزاز‭ ‬باسم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولا‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬دفع‭ ‬السعودية‭ ‬دفعا‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬بلنكين‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬الأخيرة‭.‬

اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تدرك‭ ‬فيه‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحالية‭ ‬أو‭ ‬القادمة‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬وتتصرف‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬سوف‭ ‬تستقيم‭ ‬العلاقات‭ ‬وتسير‭ ‬في‭ ‬مسارها‭ ‬الطبيعي‭ ‬الجديد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا