يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حقائق لا تدركها أمريكا
المراقبون وصفوا الزيارة التي قام بها مؤخرا وزير الخارجية الأمريكي بلنكين للسعودية واستمرت ثلاثة أيام بأنها «آخر محاولة أمريكية لاستعادة التحالف مع السعودية».
وهناك شبه إجماع على أن الزيارة لم تحقق النجاح الذي كانت تريده أمريكا ولا الأهداف التي سعت إلى تحقيقها من ورائها، وهي في أفضل الأحوال خطوة صغيرة جدا على طريق طويل يمتد أميالا. وقد انشغل كثيرون بحقيقة أن الإعلام السعودي عموما لم يعط اهتماما كبيرا للزيارة في إشارة إلى عدم اعتبارها حدثا فارقا أو له أهمية استثنائية. وإجمالا لم ينتج عن الزيارة أي شيء عملي محدد ملموس باستثناء التصريحات والبيانات العامة التي صدرت.
السؤال هو: لماذا تفشل هذه الجهود الأمريكية؟ لماذا لا تنجح أمريكا في إعادة العلاقات مع السعودية ودول الخليج العربية عموما إلى المسار الذي تريده؟
الجواب ببساطة؛ لأن هناك حقائق أصبحت تحكم العلاقات الخليجية الأمريكية اليوم من الواضح أن المسؤولين الأمريكيين مازالوا عاجزين عن إدراكها.
أول هذه الحقائق التي لا تدركها أمريكا أن جدار الثقة بينها وبين حلفائها الخليجيين وأولهم السعودية قد انهار منذ وقت طويل. ليس هذا فحسب، بل يجب أن تدرك أن الغضب والاستياء الخليجي العام من أمريكا ومن إدارة بايدن بالذات كبير جدا، وهناك جرح عميق سببته هذه الإدارة ليس من السهل التئامه.
القضية هنا بالمناسبة ليست فقط خلافا مع أمريكا حول سياسات ومواقف، ولكن القضية أن إدارة بايدن ذهبت بعيدا جدا في إساءاتها لقادة خليجيين وفي تهديداتها السافرة المستفزة وفي تدخلاتها في شؤون داخلية خليجية. هذه أمور من الصعب جدا نسيانها أو تجاوزها ببساطة.
ثاني الحقائق التي يجب أن تدركها أمريكا أن الوضع السابق في العلاقات مع السعودية ودول الخليج العربية لن يعود أبدا كما كان. هناك واقع جديد لا بد من التعايش معه.
يجب أن تدرك أمريكا في هذا السياق أن الزمن الذي كانت فيه هي القوة المهيمنة الوحيدة في المنطقة قد انتهى إلى غير رجعة.
والزمن الذي كانت تتصرف فيه بمنطق أن بمقدورها أن تفرض ما تشاء، أو تطلب فيه من دول الخليج العربية أن تسير في ركابها وأن تتبع سياساتها ومواقفها قد انتهى إلى غير رجعة.
بعبارة أخرى يجب أن تدرك أمريكا أن قرار السعودية وباقي دول الخليج العربية تنويع علاقاتها الاستراتيجية الدولية وإقامة علاقات شراكة مع قوى عظمى مثل الصين أو روسيا هو قرار استراتيجي لا رجعة فيه. كما أن التوجه لاتباع سياسات واتخاذ مواقف حيادية مستقلة إزاء التطورات والقضايا العالمية بما يخدم المصلحة الخليجية العربية هو قرار استراتيجي.
التطورات العالمية وتحولات النظام العالمي تعزز هذا التوجه الاستراتيجي الخليجي العربي.
ثالث هذه الحقائق أنه بناء على ما سبق فإنه لم يعد بمقدور أمريكا ولم يعد مقبولا نهائيا أن تحاول هي أن تحدد للسعودية ولدول الخليج العربية ما الذي يخدم مصالحها أو ما الذي لا يخدمها.
لم يعد مقبولا مثلا أن تقول أن العلاقات مع الصين أو روسيا أو أي قوة أخرى لا تخدم المصالح الخليجية أو أنه ليس من مصلحة دول الخليج التعاون مع الصين عسكريا أو في أي مجال.. وهكذا.
ورابع هذه الحقائق، أنه انتهى العصر الذي كانت أمريكا تتصور أن بمقدورها أن تمارس أساليب الضغط أو الابتزاز كي تفرض على السعودية أو أي من دول الخليج العربية توجها أو سياسة أو تصرفا معينا.
لم يعد ممكنا ولا مقبولا مثلا أي محالات ابتزاز باسم حقوق الإنسان. ولم يعد مقبولا مثلا أن تحاول دفع السعودية دفعا للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي كما فعل بلنكين في زيارته الأخيرة.
اليوم الذي تدرك فيه الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة هذه الحقائق وتتصرف على أساسها في تعاملها مع دول الخليج العربية سوف تستقيم العلاقات وتسير في مسارها الطبيعي الجديد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك