العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لبنان وأزمة انتخاب رئيس جديد

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ١٦ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

ليس‭ ‬ضروريا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬رئيس‭ ‬للجمهورية‭ ‬اللبنانية‭. ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬رئيس‭. ‬يسمي‭ ‬اللبنانيون‭ ‬ضيف‭ ‬قصر‭ ‬بعبدا‭ ‬رئيسا‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭. ‬قائمة‭ ‬رؤساء‭ ‬لبنان‭ ‬طويلة‭. ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بشير‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬عُين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬وقُتل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يباشر‭ ‬وظيفته‭. ‬وبينهم‭ ‬أيضا‭ ‬العميد‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬قاد‭ ‬حربه‭ ‬الشخصية‭ ‬استرسالا‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬وانتهى‭ ‬لاجئا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعاده‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬رئيسا‭.‬

قد‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬اللبنانيون‭ ‬متى‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬دوامة‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬ليدخلوا‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬رئيس‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مجهولا‭. ‬فاللعبة‭ ‬البرلمانية‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تنتهي‭ ‬بالفشل‭. ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الخبر‭ ‬السار‭.‬

يعرف‭ ‬اللبنانيون‭ ‬أن‭ ‬الملف‭ ‬سيكون‭ ‬جاهزا‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬وما‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الأزلي‭ ‬نبيه‭ ‬بري‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬رفع‭ ‬أيديهم‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تُستعمل‭ ‬للتصفيق‭ ‬انتصارا‭ ‬للأمة‭ ‬التي‭ ‬يعرفون‭ ‬أنها‭ ‬تغط‭ ‬في‭ ‬النوم‭. ‬فالخبر‭ ‬السعيد‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأخبار‭ ‬مدعاة‭ ‬للضجر‭ ‬والملل‭. ‬الموضوع‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬برئيس‭ ‬حالي‭ ‬بل‭ ‬بكل‭ ‬رئيس‭ ‬سيجري‭ ‬اعتقاله‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬بعبدا‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬مسألة‭ ‬الرئاسة‭ ‬عقدة‭ ‬يقضي‭ ‬اللبنانيون‭ ‬نهاراتهم‭ ‬ولياليهم‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬ألغازها‭ ‬واكتشاف‭ ‬شفراتها‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عون‭ ‬هو‭ ‬الأسوأ‭ ‬بين‭ ‬الرؤساء‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬رمزا‭ ‬لهيمنة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الدولة‭. ‬فالرجل‭ ‬الذي‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬السورية‭ ‬رضي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مندوبا‭ ‬للهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قبوله‭ ‬بمنصب‭ ‬أراد‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬قهر‭ ‬الجميع‭.‬

كان‭ ‬وجود‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬بعبدا‭ ‬درسا‭ ‬في‭ ‬اليأس‭ ‬تعلم‭ ‬منه‭ ‬اللبنانيون‭ ‬الكثير‭. ‬لقد‭ ‬تعلموا‭ ‬ألا‭ ‬يُهزموا‭ ‬في‭ ‬الصغائر‭ ‬وهم‭ ‬يكابدون‭ ‬آثار‭ ‬هزيمتهم‭. ‬

أما‭ ‬سياسيو‭ ‬لبنان‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يلتفتون‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الدرس‭. ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬فعلوا‭ ‬لاعتزلوا‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬وذهب‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬مكللا‭ ‬بهالة‭ ‬الوطنية‭. ‬يوهم‭ ‬سياسيو‭ ‬لبنان‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬إمكانهم‭ ‬أن‭ ‬يمارسوا‭ ‬لعبتهم‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المقتدر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجوا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بانفجار‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬وسرقة‭ ‬أموال‭ ‬المودعين‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬اللبنانية‭.‬

هناك‭ ‬أحزاب‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬يعتقد‭ ‬زعماؤها‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مناورات‭ ‬الخروج‭ ‬بحل‭ ‬مقبول‭ ‬من‭ ‬متاهة‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬سيمكنون‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الزجاجة‭ ‬التي‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬قاعها‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭. ‬الكل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬لبنان‭ ‬ليس‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬وليست‭ ‬مفلسة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬دولة‭ ‬غرقت‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬كبير‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬إنقاذها‭.‬

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬الرئيس‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قائدا‭ ‬لمركب‭ ‬غريق‭ ‬تسربت‭ ‬المياه‭ ‬إليه‭ ‬عبر‭ ‬ثقوب‭ ‬لم‭ ‬يحفرها‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وحده‭. ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬استحقاق‭ ‬تاريخي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬عام‭ ‬1975‭ ‬ولم‭ ‬تعالج‭ ‬إلا‭ ‬بطريقة‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬الترقيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسكنات‭ ‬والمهدئات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تمنع‭ ‬الانهيار‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬يوم‭ ‬قررت‭ ‬المقاومة‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مليشيا‭ ‬مسلحة‭ ‬برعاية‭ ‬إيرانية‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬قرار‭ ‬الحرب‭ ‬بيدها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬عام‭ ‬2006‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬اللبنانية‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬وقوع‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعلم‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬وقوعها‭.‬

يفكر‭ ‬بعض‭ ‬اللبنانيين‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬هدف‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬لا‭ ‬يميل‭ ‬إليه‭ ‬الحزب‭. ‬فكرة‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفكاهة‭. ‬فذلك‭ ‬الرئيس‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬إلا‭ ‬لأسباب‭ ‬كيدية‭ ‬وهو‭ ‬سيكون‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وكيلها‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬واقعا‭.‬

كان‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يطالب‭ ‬بنزع‭ ‬سلاح‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬وطني‭ ‬خالص‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬رئيس‭ ‬لبنان‭ ‬دمية‭ ‬بيد‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حال‭ ‬الرئيس‭ ‬عون‭.‬

عاش‭ ‬لبنان‭ ‬سلسلة‭ ‬مدمرة‭ ‬من‭ ‬الانهيارات،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬إمكانه‭ ‬بسببها‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬قيمة‭ ‬لمنصب‭ ‬رئيس‭ ‬جمهوريته،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬دستوري‭ ‬داخلي‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رمزي‭ ‬خارجي‭.‬

‭ ‬فالخراب‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الحياة‭ ‬سلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬قوة‭ ‬تأثيرها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬أصبح‭ ‬اللبنانيون‭ ‬يائسين‭ ‬من‭ ‬لبنانهم؟‭ ‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا