العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

وعلَّم آدم.. والاستحقاق

الجمعة ١٦ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

إنباء‭ ‬آدم‭ ‬الملائكة‭ ‬بالأسماء‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬التعليم،‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق،‭ ‬ما‭ ‬يستلزم‭ ‬اعتبار‭ ‬العلم‭ ‬لازمة‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬الاستخلاف،‭ ‬والاستخلاف‭ ‬شرطه‭ ‬اللازم‭ ‬الحرية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬العلم،‭ ‬والعلم‭ ‬والأخلاق‭ ‬ثمرة‭ ‬لنفخ‭ ‬الروح،‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬نفخة‭ ‬الروح‭ ‬هي‭ ‬العلم‭ ‬والأخلاق‭ ‬حصراً،‭ (‬قال‭ ‬إني‭ ‬جاعل‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬خليفة‭) ‬والفعل‭ ‬‮«‬جعل‮»‬‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الصيرورة‭ ‬المؤهلة‭ ‬للاستخلاف،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭.‬

الحرية‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬القيم‭ ‬وأهمها‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الله،‭ ‬وكل‭ ‬المتون‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬فهمت‭ ‬الحرية‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬الفهم،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬خالج‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دخن‭ ‬وغلبة‭ ‬الأهواء‭ ‬عبر‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية،‭ ‬لكن‭ ‬نظرة‭ ‬إلى‭ ‬النبع‭ ‬الصافي،‭ ‬إلى‭ ‬الفهم‭ ‬النبوي‭ ‬للقرآن‭ ‬تكفي‭ ‬لبعث‭ ‬الطمأنينة‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬لمفهوم‭ ‬الحرية،‭ ‬فنظرة‭ ‬فاحصة‭ ‬لصحيفة‭ ‬المدينة‭ ‬كوثيقة‭ ‬أولى‭ ‬مُنظمة‭ ‬لدولة‭ ‬فتية،‭ ‬تجدها‭ ‬قائمة‭ ‬ومرتكزة‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الدولة‭ ‬الناشئة‭ ‬تؤسس‭ ‬لمجتمع‭ ‬مدني‭ ‬متعايش‭ ‬بين‭ ‬قاطنيه،‭ ‬وتعد‭ ‬تلك‭ ‬الوثيقة‭ ‬مرجعية‭ ‬غير‭ ‬منتهية‭ ‬الصالحية‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬يومنا،‭ ‬فهي‭ ‬صادرة‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬نبوي‭ ‬لنصوص‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬التي‭ ‬عالجت‭ ‬الحرية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬لفظ‭ ‬الحرية‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬عليه‭ ‬القرآن،‭ ‬

ودرجت‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬المدينة‭ ‬الفتية‭ ‬في‭ ‬حركتها‭ ‬بكل‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬حجة‭ ‬الوداع‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بخطبة‭ ‬الجبل،‭ ‬نجدها‭ ‬خطبة‭ ‬دستورية‭ ‬بامتياز،‭ ‬متكاملة‭ ‬مع‭ ‬الصحيفة،‭ ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬يسترعي‭ ‬الانتباه‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬الجبل‭ ‬هو‭ ‬صيغة‭ ‬الخطاب‭ ‬النبوي‭ ‬‮«‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الناس‮»‬‭.‬

من‭ ‬خطبة‭ ‬الوداع‭ ‬يمكن‭ ‬صياغة‭ ‬بنود‭ ‬دستورية‭ ‬بالمفهوم‭ ‬العصري،‭ ‬فقوله‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: ‬‮«‬كلكم‭ ‬لآدم‭ ‬وآدم‭ ‬من‭ ‬تراب‮»‬‭ ‬تأكيد‭ ‬للمواطنة‭ ‬بين‭ ‬القاطنين‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬وهي‭ ‬مواطنة‭ ‬متكافئة‭ ‬لا‭ ‬تفاضل‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬تمايز،‭ ‬وقوله‭ ‬عليه‭ ‬أزكى‭ ‬السلام‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مآثر‭ ‬الجاهلية‭ ‬موضوعة‮»‬‭ ‬لإفراغ‭ ‬النفوس‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أُسس‭ ‬التعامل‭ ‬الجاهلي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬العرق‭.‬

‮«‬إن‭ ‬دماءكم‭ ‬وأموالكم‭ ‬عليكم‭ ‬حرام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلقوا‭ ‬ربكم‭ ‬كحرمة‭ ‬يومكم‭ ‬هذا،‭ ‬في‭ ‬شهركم‭ ‬هذا،‭ ‬في‭ ‬بلدكم‭ ‬هذا،‭ ‬ألا‭ ‬هل‭ ‬بلغت،‭ ‬اللهم‭ ‬فاشهد‮»‬‭. ‬توكيد‭ ‬صارم‭ ‬جازم‭ ‬على‭ ‬حرمة‭ ‬النفس‭ ‬والأموال،‭ ‬ولا‭ ‬يخلو‭ ‬دستور‭ ‬من‭ ‬دساتير‭ ‬الدول‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البنود‭ ‬الزواجر،‭ ‬وقوله‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: ‬‮«‬فمن‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬أمانة‭ ‬فليؤدها‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬ائتمنه‭ ‬عليها‭. ‬وإن‭ ‬ربا‭ ‬الجاهلية‭ ‬موضوع‭ ‬وإن‭ ‬مآثر‭ ‬الجاهلية‭ ‬موضوعة‮»‬‭ ‬بنود‭ ‬دستورية‭ ‬رصينة‭ ‬تحفظ‭ ‬الحقوق،‭ ‬وتفعيلها‭ ‬يسد‭ ‬الثغرات‭ ‬على‭ ‬التدابر‭ ‬والتناحر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستشري‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬ولم‭ ‬ينس‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬خطبته‭ ‬الأخيرة‭ ‬تلك،‭ ‬فقد‭ ‬حظيت‭ ‬بحيز‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭.‬

ولافت‭ ‬للانتباه‭ ‬الحرص‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬التلاحم‭ ‬والوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وسلامة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأكيده‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬على‭ ‬الأخوة‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬أيها‭ ‬الناس‭ ‬إنما‭ ‬المؤمنون‭ ‬إخوة،‭ ‬ولا‭ ‬يحل‭ ‬لامرئ‭ ‬مال‭ ‬أخيه‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬نفس‭ ‬منه،‭ ‬فلا‭ ‬ترجعن‭ ‬بعدي‭ ‬كفاراً‭ ‬يضرب‭ ‬بعضكم‭ ‬رقاب‭ ‬بعض‭...‬‮»‬‭ ‬واليوم‭ ‬الدول‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬بدساتيرها،‭ ‬وماكينة‭ ‬الإعلام‭ ‬لا‭ ‬تني‭ ‬عن‭ ‬الحث‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع،‭ ‬ونبذ‭ ‬عوامل‭ ‬الفرقة‭ ‬والاختلاف،‭ ‬التي‭ ‬مآلها‭ ‬الحتمي‭ ‬ذهاب‭ ‬الريح،‭ ‬والهوان‭ ‬والذلة‭.‬

خطبة‭ ‬الوداع‭ ‬كفلت‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للتعايش‭ ‬الدستوري‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬المعتقدات‭ ‬وتباين‭ ‬القوميات،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬ترجمة‭ ‬عميقة‭ ‬لدلالات‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬النبي‭ ‬المتلقي‭ ‬تعاليم‭ ‬ربه‭ ‬والجدير‭ ‬بفهمها،‭ ‬وإنزالها‭ ‬سلوكاً‭ ‬معاشاً‭ ‬كي‭ ‬ينعم‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعاليم‭ ‬علوية‭ ‬المصدر،‭ ‬فسورة‭ ‬الممتحنة‭ ‬ضبطت‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التأويل‭ ‬الأساس‭ ‬المتين‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬عنا،‭ ‬ضبطاً‭ ‬حاسماً،‭ ‬ففي‭ ‬الآيتين‭ ‬الثامنة‭ ‬والتاسعة‭ ‬من‭ ‬الممتحنة‭ ‬يقول‭ ‬الله‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭: (‬لا‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ولم‭ ‬يخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬أن‭ ‬تبروهم‭ ‬وتقسطوا‭ ‬إليهم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬المقسطين،‭ ‬إنما‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬قاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وأخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬وظاهروا‭ ‬على‭ ‬إخراجكم‭ ‬أن‭ ‬تولهم‭ ‬ومن‭ ‬يتولهم‭ ‬فأولئك‭ ‬هم‭ ‬الظالمون‭) ‬الشروط‭ ‬واضحة‭ ‬ومحددة‭ ‬بثلاثة‭: ‬لم‭ ‬يقاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬ولم‭ ‬يخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم،‭ ‬ولم‭ ‬يظاهروا‭ ‬على‭ ‬إخراجكم،‭ ‬وما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فلهم‭ ‬البر‭ ‬والقسط‭.‬

بتلك‭ ‬الأسس‭ ‬العامة‭ ‬والمبادئ‭ ‬الكلية‭ ‬للحريات‭ ‬ختم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬حياته،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬ما‭ ‬عليه،‭ ‬وترك‭ ‬التفاصيل‭ ‬مفتوحة‭ ‬للأجيال‭ ‬المتعاقبة‭ ‬ليمارسوا‭ ‬الحرية‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬نظام‭ ‬الحكم،‭ ‬وصيانة‭ ‬الحقوق،‭ ‬واحترام‭ ‬حق‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الاختيار‭ ‬الحر‭ ‬لكل‭ ‬جوانب‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا