د. محمد عطا مدني
القمر هو التابع الوحيد للأرض، وقطره يصل إلى ربع قطر الأرض، كما أنه يُعد ثاني قمر من ناحية الكثافة بعد قمر المشترى (آيوIo). كما يتسم القمر بحركته التزامنية مع كوكب الأرض، عارضاً دائماً وجها واحدا تجاهها، كما يُلاحظ أن القمر هو أكثر جسمٍ لامعٍ في السماء ليلاً، وكانت دورته المنتظمة حول الأرض، قد جعلت له تأثيراً ثقافياً مهما عند الحضارات القديمة، فيما يخص التقويم، والفنون المختلفة والأساطير القديمة المتمثلة في آلهة القمر، وغيرها من المعبودات.
وهنالك عدة فرضيات تتحدث عن نشأة القمر، ومنها أن جسمًا صخريًا بحجم المريخ اصطدم بالأرض مشكلًا حلقة من الحطام الصخري تحيط بها، وتدريجيا تجمع هذا الحطام ليشكل جسمًا صخريًا يدور حول الأرض. وهنالك فرضية أخرى تقول إن القمر قد انفصل عن الأرض نتيجة قوة الطرد المركزية الناتجة عن دوران الأرض حول محورها. ونظرية ثالثة تتحدث عن تشكل القمر والأرض معا في وقت واحد. وما زال البحث عن أصل نشأة القمر مستمرا حتى الآن.
ومن الحوادث المهمة التي حدثت للقمر، حادثة انشقاقه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء خبره القرآني بسورة القمر في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمْرُ وَإنْ يَرَوا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِر) (القمر:1 ـ2). وقد جاء في الصحيح عن أنس بن مالك، أن أهل مكة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يُريهم آية، فأراهم القمر شِقيْن حتى رأوْا غار حراء بينهما. وروى الإمام أحمد عن ابن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سَحَرَنا محمد.
فقالوا: إن كان سَحَرَنَا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. فاسألوا أهل الآفاق وأهل الأسفار، هل رأوا ذلك فلما سألوهم قالوا: نعم رأينا. ولقد كان كفار قريش يظنون أن كل معجزة من النبي صلى الله عليه وسلم يصنعها بنفسه، وليس الله هو الذي يأتي بها، فأرادوا أن يتحدوه فطلبوا منه آية سماوية. واتفقوا على انشقاق القمر، وتواعدوا معه على ليلة، فلما جاء الميعاد قال صلى الله عليه وسلم: انظروا، فنظروا جميعًا فرأَوْا أن القمر انشق شقتين، ونزلَتْ كلُّ واحدة وحدها.
ولقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة، واستدل بعضهم بهذه الآية على أن انشقاق القمر قد وقع فعلا في الماضي كمعجزة مادية خارقة من معجزات محمد عليه الصلاة والسلام، وذلك استجابة لطلب المشركين، ويجمع بعض المفسرين حديثاً على أن هذه الآية تعبر عن الأحداث الكونية في المستقبل، أي أنه في يوم القيامة سوف ينشق القمر، لأن لفظ الماضي في الآيات القرآنية، يعبر أحيانا عن المستقبل كمثال قول المولى جل وعلا: (أتى أمر الله فَلَا تستعجلوه) (النحل 1)
وكانت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) قد نشرت صورا توضح انشقاقات في سطح القمر، وأثارت جدلًا خلال عام 2010م على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد توقعت بعض البحوث الحديثة أن نظام دوران الأرض حول نفسها، ودوران القمر حولها. سيتطور مؤديا إلى انشقاق القمر، واعتبر البعض أن هذا الحدث سيكون من علامات الساعة. وبالعودة إلى وكالة ناسا، وجد أن الصور قد تم نشرها بالفعل في 19 أغسطس 2010، وقد التقطت من خلال مسبار الفضاء (Lunar Orbiter) الذي أطلق من الأرض في 19 يونيو 2009، ودخل في مدار القمر بعد أربعة أيام فقط. وبحسب ما ورد عن وكالة ناسا، فإن الصور التي تم تداولها عبارة عن تمزق في قشرة القمر، وذلك يرجع إلى تقلص كتلته بسبب برودة جوفه.
ويشرح علماء الفلك عملية انشقاق القمر بسبب تغير نظام دوران القمر حول الأرض. فالمعروف أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، بينما القمر تابع للأرض، ولهذا فإن الأرض والقمر يمثلان معا نظاما شبه معزول، وهناك تأثير متبادل بينهما، ودرجة تحركهما الزاوي (أي الدوراني) مقدار ثابت، فلو أبطأت الأرض في دورانها، أسرع القمر في دورانه والعكس صحيح، لأن مجموع كمية التحرك الدوراني في أي نظام معزول مقدار ثابت طبقا للقوانين الأساسية في الطبيعة. والمقصود بكمية التحرك الزاوي لأي جسم، هي كمية التحرك المناظرة لدوران الجسم حول محوره، وقد أثبت العلماء أن الأرض سوف تبطئ في سرعة دورانها حول نفسها في المستقبل، بسبب حركات المد والجزر في المحيطات.
فعندما تدور الأرض حول نفسها كل يوم، فإن جاذبية القمر تسحب ماء المحيطات الموجود على أقرب جانب من الأرض نحو القمر، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع المياه، مسببا بطء حركة الأرض، وزيادة ساعات يومها. وهنا يضطر القمر إلى أن يسرع في دورانه حول نفسه، وفى دورانه حول الأرض، ليعوض ما ينقص في حركة الأرض. وهذا التسارع في دوران القمر في المستقبل سوف يؤدى إلى ارتباك كتلته، وبالتالي انشقاقه. ويمكن إدراك ذلك بطريقتين: أولهما زيادة سرعة دوران القمر حول نفسه في المستقبل والتي سوف تؤدي إلى تغلب القوة الطاردة المركزية على أجزاء القمر المتماسكة، فينشق القمر، ويتفتت كما يتفتت الشيء عندما يدور بسرعة في الخلاط الكهربائي. وثانيهما: زيادة سرعة دوران القمر حول الأرض سوف تؤدي إلى ابتعاد القمر عن الأرض، ثم اقترابه منها تدريجيا، وخاصة بعدما يصل يوم الأرض إلى حوالي 43 ساعة، وذلك في غضون 5 إلى 10 بليون سنة من الآن، حيث سيقترب القمر من الأرض اقترابا يجعل الفرق في تأثير جذب الأرض على الجزأين: القريب والبعيد من القمر، كافيا لشق القمر شيئا فشيئا. وعندما يحدث هذا فإن بقايا القمر تصبح على شكل حلقة من الجسيمات حول الأرض، شبيهة بدرجة كبيرة بحلقات زحل.
والآن وقد عرفنا بالمنطق العلمي المتسق مع الحضارة الحديثة، أن القمر سينشق بالتأكيد في المستقبل فقد تسأل كيف يمكن للعلماء تحديد موعد ولو تقريبي لانشقاق القمر؟ علما بأن انشقاق القمر مرتبط كما ورد في القرآن الكريم باقتراب الساعة (اقتربت الساعة وانشق القمر). كما أن علم الساعة وتحديد يوم القيامة أمر من الغيبيات التي يحتفظ بها الله سبحانه وتعالى لنفسه، بدليل قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة) (لقمان33).
وللرد على هذا السؤال، فإننا نلاحظ من سياق هذه الآية الكريمة، تقررها بأن الله عنده علم الساعة، وقد يتعرض الإنسان بواسطة العلم لهذه الأمور الغيبية، وقد يتمكن في حدود ضيقة (إذا ما سمح الله له بشيء من العلم الإلهي وهذا جائز)، أن يعرف علامات الساعة، وبهذا فإن من الجائز أن يسمح لنا الله بمعرفة موعد انشقاق القمر دون تأكيد مطلق بهذا الموعد. وحتى لو عرفنا موعد انشقاق القمر فإن هذا سيكون دليلا على اقتراب الساعة وليس قيامها..!
كما أن العلم لا يستبعد تدخل عوامل أخرى غير المد والجزر ما يؤثر في سرعة دوران الأرض حول نفسها، ما يؤخر أو يقدم موعد انشقاق القمر، وهذا يتفق مع الآية الكريمة التالية التي تشير إلى قيام الساعة فجأة، وبالتالي فإن علامات الساعة سوف تحدث دون تأكيد مطلق بموعد حدوثها: (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) (الزخرف 66).
ها هو القرآن الكريم يجزم بحقيقة انشقاق القمر يوم القيامة، كما يشير العلم الحديث، وأن الكفار شاهدوا المشهد رأى العين قبل أن يحدث، وذلك بمعجزة إلهية، تثبت صدق رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولهذا فإن القرآن الكريم، سوف يظل المعجزة التي تحير العقول والأفهام، في كل العصور والأزمان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك