العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاطر الدمار تهدد أوروبا

بقلم: الكسندر نازاروف*

الاثنين ١٩ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

لم‭ ‬يعد‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬البشرية‭ ‬تمر‭ ‬الآن‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أكبر‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭.‬

وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدورية‭ ‬العالمية،‭ ‬لدينا‭ ‬أزمة‭ ‬موارد‭ ‬متنامية،‭ ‬وأزمة‭ ‬تغيير‭ ‬الدولة‭ ‬المهيمنة،‭ ‬وأزمة‭ ‬تغيير‭ ‬الحضارة‭ ‬المهيمنة،‭ ‬وربما‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬انتقال‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الديموغرافي‭ ‬إلى‭ ‬الانخفاض‭ ‬الديموغرافي‭.‬

تمر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬الديموغرافية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستقضي‭ ‬عليها‭. ‬حيث‭ ‬يؤدي‭ ‬فقدان‭ ‬الأغلبية‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لهيمنتها‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬صراع‭ ‬سياسي‭ ‬أنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬جيلنا‭. ‬وباستمرار‭ ‬التوجهات‭ ‬الحالية،‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬يبدو‭ ‬حاليا،‭ ‬بينما‭ ‬معدل‭ ‬المواليد‭ ‬بين‭ ‬السكان‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منخفض،‭ ‬وتضاءلت‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬تيارا‭ ‬ضعيفا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬التدفق‭ ‬القوي‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فالعبارة‭ ‬الرئيسية‭ ‬هنا‭ ‬هي‭: ‬باستمرار‭ ‬التوجهات‭ ‬الحالية‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طريقة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الآن،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬المشكلة‭ ‬الديموغرافية‭ ‬لمدة‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭. ‬وللقيام‭ ‬بذلك،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬خلق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬يهرع‭ ‬فيها‭ ‬عشرات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الأوروبي‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭. ‬أي‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬بانهيار‭ ‬لحضارتها‭.‬

تلك‭ ‬مهمة‭ ‬جيوسياسية،‭ ‬تاريخية،‭ ‬ولا‭ ‬تقل‭ ‬كونية‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬انهيار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتتطلب‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الصرامة‭ ‬والاستهتار‭ ‬واللامبالاة‭ ‬تجاه‭ ‬المعاناة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتي‭ ‬تمكن‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬نسيانها‭. ‬فقد‭ ‬تعوَّد‭ ‬العالم،‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القدرة‭ ‬أو‭ ‬إدراك‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحجم‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬مصير‭ ‬قارات‭ ‬بأكملها،‭ ‬بوصفها‭ ‬نظريات‭ ‬مؤامرة‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ففي‭ ‬الأزمنة‭ ‬الأقل‭ ‬رفاهة،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬رسم‭ ‬علامات‭ ‬الدهشة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬بتدمير‭ ‬الحضارات‭.‬

لقد‭ ‬بدأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬التحرك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭. ‬فحرمان‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الروسية‭ ‬الرخيصة،‭ ‬وإقرار‭ ‬‮«‬قانون‭ ‬مكافحة‭ ‬التضخم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الصناعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وإثارة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬بل‭ ‬وإثارة‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬محددة‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تنشب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬كلها‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

لكن‭ ‬دعونا‭ ‬نتناول‭ ‬النقطة‭ ‬الأخيرة‭: ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.‬

نشرت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬روسيا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬مقالا بقلم‭ ‬السياسي‭ ‬والخبير‭ ‬الروسي‭ ‬المرموق‭ ‬سيرغي‭ ‬كاراغانوف،‭ ‬كتب‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬انتصار‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لن‭ ‬يوقف‭ ‬حرب‭ ‬الغرب‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬عدوان‭ ‬الغرب‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬وبسبب‭ ‬أزمته‭ ‬الداخلية،‭ ‬سيزداد،‭ ‬وسينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬بالإبادة‭ ‬النووية‭ ‬للبشرية،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬إيقاظ‭ ‬الشعور‭ ‬بالخوف‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خفض‭ ‬عتبة‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وقائيا‭. ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬فشل‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬غريزة‭ ‬البقاء،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬‮«‬ضرب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‮»‬‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬المتواضع،‭ ‬هو‭ ‬هاجس‭ ‬جيوسياسي‭ ‬بأن‭ ‬بقاءها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬وتطورها‭ ‬الناجح‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الراهنة‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مضمونا‭ ‬طالما‭ ‬كان‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬أعلى‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬روسيا‭.‬

لن‭ ‬أحلل‭ ‬بالتفصيل‭ ‬أسباب‭ ‬الازدهار‭ ‬الأوروبي‭ (‬سرقة‭ ‬المستعمرات‭)‬،‭ ‬لكنني‭ ‬سأشير‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬ينتهي،‭ ‬لكن‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬سيظل‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬نظيره‭ ‬الروسي‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬نسبيا،‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬كافية‭ ‬لإثارة‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭.‬

ففكرة‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬تعد‭ ‬مثالية‭ ‬للغاية،‭ ‬ولا‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬الواقع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬هي‭ ‬عامل‭ ‬قوي‭ ‬يؤثر،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أمور‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المجاورة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وروسيا‭.‬

في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع،‭ ‬هناك‭ ‬سذج‭ ‬يريدون‭ ‬ويؤمنون‭ ‬بإمكانية‭ ‬الثراء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عمل‭ ‬شاق،‭ ‬وأن‭ ‬الحلول‭ ‬البسيطة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬المشكلات‭ ‬المعقدة‭. ‬لقد‭ ‬مرت‭ ‬روسيا‭ ‬نفسها‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬السذاجة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحقبة‭ ‬السوفيتية،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬بفترة‭ ‬التسعينيات‭ ‬الرهيبة،‭ ‬نضج‭ ‬المجتمع‭ ‬الروسي،‭ ‬لكن‭ ‬المجتمع‭ ‬الأوكراني‭ ‬لم‭ ‬ينضج‭ ‬بعد‭. ‬علينا‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬انتخبوا‭ ‬مهرجا‭ ‬رئيسا‭ ‬لهم‭. ‬هو‭ ‬مهرج‭ ‬قام‭ ‬ببساطة‭ ‬بدور‭ ‬رئيس‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬كوميدي،‭ ‬يحل‭ ‬المشكلات‭ ‬المعقدة‭ ‬بحلول‭ ‬بسيطة‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هي‭ ‬جزئيا‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬روسية‭ ‬داخلية،‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬إغراء‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬بصورة‭ ‬زائفة‭ ‬لحياة‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭. ‬ونصف‭ ‬الجنود‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬هم‭ ‬مواطنون‭ ‬أوكرانيون‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬روسية،‭ ‬نشأوا‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬متحرش‭ ‬الأطفال‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يغريهم‭ ‬بالحلوى‭ ‬سيمنحهم‭ ‬السعادة،‭ ‬عكس‭ ‬الأب‭ ‬الروسي‭ ‬الصارم،‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬منع‭ ‬دخول‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬إلى‭ ‬سيارة‭ ‬متحرش‭ ‬الأطفال‭ ‬الأوروبي‭ ‬ويجبرهم‭ ‬على‭ ‬الدراسة‭ ‬والعمل،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الاحتفال‭ ‬والسهرات،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبرونه‭ ‬لذلك‭ ‬عدوا‭ ‬وطاغية‭. ‬الأوكرانيون‭ ‬ليسوا‭ ‬مجموعة‭ ‬عرقية،‭ ‬إنما‭ ‬خيار‭ ‬سياسي،‭ ‬هم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬مختلفة‭ ‬اختاروا‭ ‬الإيمان‭ ‬بالمعجزة‭ ‬والثروة‭ ‬التي‭ ‬ستحدث‭ ‬بعد‭ ‬انفصال‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عن‭ ‬روسيا،‭ ‬وتسليم‭ ‬نفسها‭ ‬لأيدي‭ ‬الغرب‭. ‬بالطبع،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الوهم‭ ‬بعينه،‭ ‬لأن‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬السيادة‭ ‬يجعل‭ ‬الشعوب‭ ‬تعيش‭ ‬أسوأ‭ ‬لا‭ ‬أفضل‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا،‭ ‬تكمن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬مناسب‭ ‬أيضا‭ ‬للشباب‭ ‬الروسي،‭ ‬ممن‭ ‬نشأوا‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬بوتين‭ ‬المرفهة،‭ ‬والذين‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تطعيمهم‭ ‬بفترة‭ ‬التسعينيات‭ ‬القاسية‭. ‬وكلما‭ ‬زادت‭ ‬الثروة،‭ ‬زادت‭ ‬المطالب،‭ ‬وانخفضت‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭.‬

في‭ ‬غضون‭ ‬5‭ ‬أو‭ ‬10‭ ‬أو‭ ‬20‭ ‬عاما،‭ ‬ومع‭ ‬هيمنة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬والصورة‭ ‬الجميلة‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬قد‭ ‬يكرر‭ ‬الوضع‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬روسيا‭. ‬وسوف‭ ‬يتكرر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬حينما‭ ‬دمرنا‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬ثم‭ ‬ندمنا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يجدي‭ ‬فيه‭ ‬الندم‭.‬

يزداد‭ ‬الوضع‭ ‬صعوبة‭ ‬لأنه‭ ‬بعد‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬سنحصل‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬استهلكها‭ ‬الغرب‭ ‬ودمرها‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬بالوكالة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭. ‬وستكون‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬الجديدة،‭ ‬أو‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬روسيا،‭ ‬إذا‭ ‬بقي‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬القديمة‭ ‬لعقود‭. ‬سيتعين‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬القديمة‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تنفق‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬دخلها‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬أوكرانيا‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬القيام‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬المواجهة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬الجماعي،‭ ‬والذي‭ ‬سيستمر‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وإثارة‭ ‬عدوان‭ ‬تابعيه‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الواقعي‭ ‬توقع‭ ‬أي‭ ‬نتيجة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وفي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬اليوم‭. ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬سينبري‭ ‬الجزء‭ ‬الساذج‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أمانع‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬بولندا،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اضطررت‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬السيادة‭...‬‮»‬‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ستواجه‭ ‬قيادة‭ ‬البلاد‭ ‬معضلة‭ ‬المجتمع‭ ‬المفتوح‭ ‬والمتطور‭ ‬مع‭ ‬مخاطر‭ ‬الثورة‭ ‬الملونة‭ ‬والتدمير‭ ‬اللاحق‭ ‬للبلاد‭ ‬أو‭ ‬الانغلاق‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬مع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬والخسارة‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬هي‭ ‬الضربة‭ ‬القاضية‭ ‬بالفعل‭.‬

فالعالم‭ ‬الذي‭ ‬يتبع‭ ‬فيه‭ ‬السياسيون‭ ‬بصرامة‭ ‬المصالح‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬لبلدانهم‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬مثالي‭. ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬السياسيين‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬بشر،‭ ‬فهم‭ ‬يرتكبون‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وإرادة‭ ‬التاريخ‭ ‬ليست‭ ‬واضحة‭ ‬تماما‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭. ‬لقد‭ ‬بدأ‭ ‬بوتين‭ ‬نفسه،‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬توحيد‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الدبابات‭ ‬والسفن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬السابقة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬بوتين‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬عندما‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الصدام‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يضرب‭ ‬أولا،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬السياسيين‭ ‬خطط‭ ‬أو‭ ‬أوهام،‭ ‬لكننا‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إخضاع‭ ‬تصرفات‭ ‬السياسيين‭ ‬لإرادتها‭ ‬ومنطقها‭.‬

أتفق‭ ‬تماما‭ ‬مع كاراغانوف في‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تخفيض‭ ‬سريع‭ ‬وحاسم‭ ‬وعملي‭ ‬لعتبة‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬لن‭ ‬نحقق‭ ‬تحييد‭ ‬الغرب‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬سأذهب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬فالحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬الرفاهية‭ ‬والازدهار‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬عبء‭ ‬استعادة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬روسيا‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬تهديدا‭ ‬لتطور‭ ‬روسيا‭ ‬وازدهارها‭ ‬عن‭ ‬تهديد‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬خاركوف‭. ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬تخرج‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬الحالية‭ ‬أكثر‭ ‬ثراء‭ ‬وازدهارا‭ ‬من‭ ‬روسيا‭. ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسية‭ ‬لروسيا‭.‬

وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬اقترحها كاراغانوف لاستعادة‭ ‬الشعور‭ ‬بالخوف‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضربات‭ ‬على‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬تتماشى‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬الأهداف‭ ‬الموضحة‭ ‬أعلاه‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬لنا‭ ‬تعويضات‭ ‬عن‭ ‬عدوانها‭ ‬بمقدار‭ ‬عشرات‭ ‬الأضعاف‭ ‬مما‭ ‬أنفقته‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنفقه‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬حيث‭ ‬يعد‭ ‬الانخفاض‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬بأوروبا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬توفا‭ ‬بسيبيريا‭ ‬الفقيرة‭ ‬شرطا‭ ‬مسبقا‭ ‬جيدا‭ ‬للتنمية‭ ‬وزيادة‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬سيبيريا‭.‬

ومن‭ ‬سخرية‭ ‬الأمور‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التاريخية،‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬المصالح‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وروسيا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأوروبا‭ ‬تتطابق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬فرص‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬أضعه‭ ‬في‭ ‬العنوان‭ ‬مرتفعة‭ ‬للغاية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬السياسيين‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لديهم‭ ‬خطط‭ ‬أخرى‭.‬

 

*محلل‭ ‬سياسي‭ ‬روسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا