مر على القصاب (الجزار – اللحام) فقال بأعلى صوته إلى اللقاء في عيد الأضحى بإذن الله.
سمع صوتا من إحدى البائعات في السوق: هلموا إلى البروتين الخالي من الكولسترول والفشل الكلوي والأنسجة المعقدة الممرضة.
ذهب المسكين إلى البائعة وقال لها: ما هذا الكلام العجيب قالت: أنا عندي اللحوم الصحية، غذاء الملوك وبروتين الفقراء والمساكين.
قال لها: من أين تأتين بهذا البروتين العجيب؟
قالت: من التراب والرمال في الصحراء.
قال لها: وكيف يتحول التراب وتتحول الرمال إلى بروتين مغذ ولذيذ وصحي كما تقولين؟
قالت له: ألم تقرأ قول الله تعالى: (وقدر فيها أقواتها)، هل يعقل أن يخلقنا الله تعالى ولا يخلق لنا ما يكفينا في معايشنا؟
قال لها: زيديني وعلميني فأنت بائعة رائعة.
قالت: أما سمعت قول رسول الله: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»، قال لها: ولكني سمعت من يشكك في هذا الحديث. قالت: يا بني هذا حديث صحيح وارد في البخاري ومسلم أصح الكتب في السنة النبوية المطهرة.
قال: وما المن؟!
قالت: المن كل ما حصده الإنسان وجمعه من دون حرث، أو ري، وخدمة وحراسة.
قال: كيف ذلك؟!
قالت: ألم تقرأ قول الله تعالى: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رزقناكم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كانوا أنفسهم يظلمون) البقرة (٥٧).
قال: عرفنا معنى المن فما هي الكمأة؟!
قالت له: الكمأة نوع من المن الذي نحصل عليه دون نصب وتعب من الصحراء عقب هطول الأمطار نجمعه وأنت تراه أمامي، عندي أصناف من (٥-٥٠) دينارا للكيلوجرام الواحد.
قال لها: إذًا الكمأة نبات ينبت في الصحراء؟!
قالت: كان يظن ذلك قديما ولذلك وضعوه مع المملكة النباتية لمئات السنين، أما الآن فهو يوضع في مملكة الفطريات المستقلة.
والكمأة من أغلى المنتجات الصحراوية، وكملة كمأة تعني الشيء المستتر، وقد عرفت الكمأة منذ عهد قدماء المصريين واليونانيين والأفارقة والأوروبيين والهنود الحمر والآسيويين والخليجيين.
قال لها: نحن نحتاج إلى لحوم الأغنام والبقر والماعز.
قالت له: ألم تسمع عن تحذير الأطباء من أكل اللحوم الحمراء المأخوذة من الغنم والبقر والماعز؟
نحن ندلك على ما يعطيك المطلوب من البروتين وخاصة الأحماض الأمينية الأساسية التي يعجز جسم الإنسان عن إنتاجها بنفسه ونمرض إن لم نتناولها مع غذائنا.
قال لها: هل عندك أدلة علمية بحثية على ذلك؟!
قالت له: بتحليل بعض العينات من الكمأة الناتجة من الصحراء في المملكة العربية السعودية وجد أنها تحتوي (٢٧.٢%) من وزنها بروتين و (٧.٤%) دهن، (١٣%) ألياف، (٥.٤%) رماد، وهي تحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية، وتحتوي على حمض الأسكوربيك الفيتاميني، والريبوفيلافين والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والزنك والنحاس والحديد والمنجنيز، وهي مصدر جيد للحديد والزنك وفيتامين B1 و B2 والنياسين.
قال لها: إنها كنز غذائي ثمين فعلا!!
قالت له: من هنا كانت الكمأة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من المنِّ الذي منَّ الله تعالى به على عباده دون زرع وسقي وفلاحة، وقد ثبت علميا أنها تحتوي وتنتج المضادات الحيوية القاتلة للجراثيم، لذلك كان ماؤها شفاء للعين كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم. وللمزيد من المعلومات في هذا المجال عليكم بكتاب الكمأة تأليف أحمد عاشور أحمد، وفهيم عبدالكريم بن خيَّال.
قال: علينا أن نذهب إلى قسم الكائنات الحية الدقيقة في كلية العلوم أو كلية الزراعة لنسألهم عن المزيد من المعلومات العلمية عن الكمأة.
قال أساتذة الفطريات في كليتي العلوم والزراعة إن الكمأة أحد أجناس الفطريات الزقية التي تنتج الجراثيم الخاصة بها في أكياس أو زقوق داخل أجسام ثمرية دورقية الشكل، أو كأسية الشكل، أو كروية أو حشوية أو عارية، والفطريات الزقية شعبة من مملكة الفطريات.
وأين توجد جراثيم الفطريات التي تعطي الفطر عقب نزول المطر؟!
قالوا: توجد الجراثيم الزقية داخل ثمرة الكمأة (أو الفقع)، وهذه الجراثيم تتحرر من الثمار الزقية والزقوق وتظل كامنة في الرمال دون إنبات إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى بنزول المطر وحدوث البرق ونزول بعض المركبات النيتروجينية المثبتة بالشرارة البرقية ثم تبدأ بذور وحبوب بعض النباتات الزهرية الحولية الكامنة في التربة في الإنبات والنمو، فتفرز بعض هذه النباتات بعض المستخلصات الجذرية في التربة المحيطة بها لتنبه هذه المستخلصات جراثيم الكمأة فتنبت وتعطي خيوط الفطر التي تتزاوج وتعطي في النهاية الأجسام الثمرية التي تنمو وتتضخم تحت سطح الرمال لتعطي الكمأة التي نجمعها ونأكلها ونتلذذ بأكلها.
وكما جاء في المرجع: (أحمد عاشور وفهيم خيال)
يكون الفطر المكون للكمأة مع بعض النباتات الزهرية المتكافلة معه علاقة تبادل منفعة معجزة في تركيب يسمى الميكوريزا حيث يقوم النبات الزهري بإمداد الفطر بالمواد الغذائية الناتجة من عملية البناء الضوئي كالمواد الكربوهيدراتية والدهنية.
ويقوم الفطر بخدمة النبات بتوسيع شبكة امتصاص جذرية وبذلك يساعد الفطر النبات على امتصاص الماء والمواد المعدنية من التربة التي فتتها الفطر بأحماضه القوية. كما يحلل الفطر المواد السامة في التربة ويحمي النبات الزهري المتكافل معه من ضررها، ولذلك يجود فطر الكمأة في المحيط الجذري والبيئة المحيطة بتلك النباتات الزهرية، لأن هذه النباتات الزهرية تفرز عصارة محفزة لإنبات جراثيم الفطر وتساعدها على التغذية والنمو والتكاثر.
وبذلك يكون الخالق سبحانه وتعالى قد سخر هذه الفطريات والنباتات لخدمة الإنسان والحيوان وباقي الكائنات الحية، حيث يتم إنتاج كميات من الكمأة تُقدر بالأطنان في الصحراء القاحلة والموحشة.
كما سخر الله تعالى النباتات الزهرية المتكافلة مع الفطر لإمداده بالمواد الغذائية، وسخر الفطر لخدمة النبات الزهري وسخرهما والصحراء معهما لخدمة الإنسان، والكمأة من الكائنات الحية الموجودة تحت الثرى والتي قال تعالى فيها وفي غيرها: (له مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَمَا بينهما وَمَا تحت الثرى) طه (٦).
وقال تعالى: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا موسى* قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شيء خلقه ثُمَّ هَدَى) طه (٤٩-٥٠).
فأين هي العشوائية والمصادفة في كل هذا التقدير والتدبير في الخلق؟!!
ذهبنا إلى المختصين في التغذية والتدبير المنزلي لسؤالهم عن الكمأة فقالوا:
تؤكل الكمأة بعد تقطيعها وتحميرها في زيت الزيتون أو الزبدة أو تؤكل مسلوقة أو تضاف إلى الأطعمة، وتصنع منها الحلويات الصحية، وتضاف إلى الألبان والآيسكريم.
وتجفف الكمأة ويصنع منها العديد من الأكلات الصحية والشهية لذيذة الطعم.
ومن الكمأة أنواع وأجناس وأصناف مثل: القشدي، والقرمزي، والكريمي والأبيض الفاتح كبير الحجم والصغير والمتوسط ومنها ما يزن (٢.٥) كيلوجرام، وقد عثر أحد السوريين على كمأة واحدة عام (١٩٩٧م) كمأة تزن كيلوجراما وبيعت يومها بـ (٩٨٠) ليرة سورية في مزاد علني، ونشرت جريدة أخبار الخليج في البحرين يوم ٣/١٢/٢٠٠٧م أن ثمرة وزنها كيلو ونصف جرام من فطر الكمأة بيعت مقابل (٣٣٠) ألف دولار في مزاد علني، وسبحان القائل: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَسِيَ مِن فوقها وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) فصلت (٩-١٠).
فهل بعد ذلك نهمل هذه النعم ونبكي على أنفسنا لأننا لا نأكل اللحم إلا يوما واحدا في العام؟!
للتفصيل انظر المرجع السابق، وكتاب معجزات حيوية علمية ميسرة، نظمي خليل أبوالعطا موسى، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة (٢٠٠٩م) حيث تفاصيل ميسرة ومشوقة.
والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك