بقلم دكتور غريب جمعة
أخلاقه و شمائله:
ترحيبه بضيفه وإكرامه له:
أذكر أنني حين ذهبت إلى زيارته أول مرة في منزله بمصر الجديدة طرقت الباب فلما فتح لي شاهدت بشاشة فطرية لا تكلف فيها ولا تصنع وابتسامة هادئة تملأ نفسك أُنسا وكلمات طيبة تشعرك كأن الرجل يعرفك منذ سنين!!
ودار الحديث بيننا في أمور كثيرة فلمست في حديثه حضور البديهة وحسن البصيرة وصفاء الذهن وسرعة الخاطر، تناقشه فتجد نقاء السريرة وسداد الرأي، وهو يبدي رأيه بكل صراحة من دون قلب للأوضاع أو تغيير للحقائق مع احترامه لرأي محدثه وإن خالفه تمام المخالفة.
وتسأله فتجد سعة الاطلاع وبعد النظر وغزارة العلم وتوقد العقل وفصل الخطاب.
ولما هممت بالانصراف أصر على أن ينزل معي إلى محطة المترو لأنه يقيم في منطقة نائية بالقاهرة ولم يكن العمران كما هو عليه الآن ولا يصح أن يتركني أنتظر بمفردي على محطة المترو.
ثم تكررت الزيارة بعد ذلك ولما يسر الله له اقتناء سيارة أصر على أن يوصلني بسيارته إلى مسكني بالجيزة وظل هذا دأبه حتى أقسمت عليه في إحدى المرات أن يوصلني إلى موقف الدراسة فقط حيث أصبحت المواصلات منها إلى الجيزة متعددة ومتوفرة واستجاب رحمه الله لذلك أمام إصراري عليه.
وهنا سؤال يطرح نفسه: كم من الناس يصنع ذلك مع ضيفه؟
تواضعه:
على الرغم من علمه وفضله فهو متواضع أشد التواضع ولكنه في غير منقصة بل تواضع في حكمة وفي موضعه فربما خفض جناحه لذي خلق كريم لا يقيم له أصحاب الجاه وزنا أكثر مما يخفضه لصاحب جاه أو مقام رفيع، وله في هذا التواضع أصول يمثل فيها شمم العلماء وعزة المؤمنين.
ومن الناس من إذا جلست معه قليلا من الوقت انطلق كالسهم يحدثك في شيء من الفخر والمباهاة بما عنده مما يتفاخر به الناس على اختلاف مشاربهم.
أما هذا الرجل فحرام أن تسمع منه كلمة يَشْتَمُ منها رائحة التفاخر والمباهاة ولو من طريق بعيد.
فعلى الرغم من أنه شريف حسيني كما مر بك لم أعرف ذلك عنه إلا بعد عشرين عاما!! من صداقته عندما أخبرني به أحد العلماء الذين يعرفونه قبلي بفترة طويلة ولما حدثته عن ذلك ابتسم في هدوء ووداعة وقال: «إن الله سيحاسبنا على أعمالنا وليس على أحسابنا وأنسابنا ووالدي يحتفظ بسلسلة هذا النسب ولا يغيب عن بالك قوله تعالى: (فَإذَا نُفِخَ في الصورِ فلا أنسَابَ بَيْنَهُمْ يومئذ وَلَا يتساءلون» (المؤمنون: 101)».
ازدراؤه لمظاهر العظمة الكاذبة:
كان رحمه الله لا يعبأ بمظاهر العظمة الكاذبة والأبهة الزائفة مهما كان شأن أصحابها الذين تهوى إليها أفئدتهم لغفلتهم عن حقيقة الدنيا وإفلاسهم التام مما يرفع أقدارهم في أعين الناس بالحق وكأن لسان حاله يقول: (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتْقَاكُمْ) (الحجرات : 13).
وفاؤه بالوعد ورعايته للعهد:
أصبح الوفاء بالوعد وصيانته من الإخلاف وحسن رعاية العهد من الأخلاق الضائعة بين الناس في هذه الأيام - إلا من رحم ربي - وكم يتجرع الناس المرارة تلو المرارة والحسرة بعد الحسرة من جراء ذلك.
وأشهد الله أن هذا الرجل كان مثالا نادرا للوفاء بالوعد وحسن رعاية العهد حق رعايته مهما كلفه ذلك من وقت أو مال أو مشقة والعجب أنه يفعل ذلك وهو راض غاية الرضا.
إصفاء الود لأصدقائه ووفاؤه لهم:
كان رحمه الله يسأل عن أصدقائه ويتفقد أحوالهم ويبذل أقصى ما يستطيع من جاهه ووقته وماله لقضاء حوائجهم وتفريج كربهم وتيسير أمرهم ما دام يستطيع ذلك، فإن سمع كلمة شكر رد عليها بأن الشكر الحقيقي يجب أن يكون لله الذي أعان على ذلك ويسر سبله.
ولولا ضيق المجال لضربت أكثر من مثل ولكني أكتفي بذكر ما حدث معي شخصيا.. حينما مرت بي ضائقة مالية شديدة وأنا أعمل بجدة حيث أنهى صاحب العمل عقدي فجأة لأنني وقفت منه موقفا - أرجو أن يكون لله - وهكذا وجدت نفسي بين عشية وضحاها في الشارع بلا عمل ومعي أسرتي ولا نجد ريالا واحدا في الشهر وقد مكثت على ذلك فترة ليست بالقصيرة ذقت فيها مرارة الحاجة أشكالا وألوانا ثم فرج الله الكرب وجعل بعد عسر يسرا.
ولا أستطيع أن أصف شعور الرجل نحوي خلال هذه المحنة وإنما أترك كتابه الكريم الذي جعلته آخر المقال يصف ذلك.
(وإلى حلقة قادمة إن شاء الله)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك