العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالفتاح بركة عضو هيئة كبار العلماء وصداقة خمسين عاما!!.. الحلقة الثانية

الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭ ‬دكتور‭ ‬غريب‭ ‬جمعة

أخلاقه‭ ‬و‭ ‬شمائله‭:‬

ترحيبه‭ ‬بضيفه‭ ‬وإكرامه‭ ‬له‭:‬

أذكر‭ ‬أنني‭ ‬حين‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬زيارته‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬بمصر‭ ‬الجديدة‭ ‬طرقت‭ ‬الباب‭ ‬فلما‭ ‬فتح‭ ‬لي‭ ‬شاهدت‭ ‬بشاشة‭ ‬فطرية‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬تصنع‭ ‬وابتسامة‭ ‬هادئة‭ ‬تملأ‭ ‬نفسك‭ ‬أُنسا‭ ‬وكلمات‭ ‬طيبة‭ ‬تشعرك‭ ‬كأن‭ ‬الرجل‭ ‬يعرفك‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭!!‬

ودار‭ ‬الحديث‭ ‬بيننا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬فلمست‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬حضور‭ ‬البديهة‭ ‬وحسن‭ ‬البصيرة‭ ‬وصفاء‭ ‬الذهن‭ ‬وسرعة‭ ‬الخاطر،‭ ‬تناقشه‭ ‬فتجد‭ ‬نقاء‭ ‬السريرة‭ ‬وسداد‭ ‬الرأي،‭ ‬وهو‭ ‬يبدي‭ ‬رأيه‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قلب‭ ‬للأوضاع‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬للحقائق‭ ‬مع‭ ‬احترامه‭ ‬لرأي‭ ‬محدثه‭ ‬وإن‭ ‬خالفه‭ ‬تمام‭ ‬المخالفة‭.‬

وتسأله‭ ‬فتجد‭ ‬سعة‭ ‬الاطلاع‭ ‬وبعد‭ ‬النظر‭ ‬وغزارة‭ ‬العلم‭ ‬وتوقد‭ ‬العقل‭ ‬وفصل‭ ‬الخطاب‭.‬

ولما‭ ‬هممت‭ ‬بالانصراف‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬المترو‭ ‬لأنه‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬نائية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬العمران‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬ولا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬يتركني‭ ‬أنتظر‭ ‬بمفردي‭ ‬على‭ ‬محطة‭ ‬المترو‭.‬

ثم‭ ‬تكررت‭ ‬الزيارة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ولما‭ ‬يسر‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬اقتناء‭ ‬سيارة‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يوصلني‭ ‬بسيارته‭ ‬إلى‭ ‬مسكني‭ ‬بالجيزة‭ ‬وظل‭ ‬هذا‭ ‬دأبه‭ ‬حتى‭ ‬أقسمت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬أن‭ ‬يوصلني‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬الدراسة‭ ‬فقط‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬المواصلات‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الجيزة‭ ‬متعددة‭ ‬ومتوفرة‭ ‬واستجاب‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬لذلك‭ ‬أمام‭ ‬إصراري‭ ‬عليه‭.‬

وهنا‭ ‬سؤال‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭: ‬كم‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يصنع‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬ضيفه؟

تواضعه‭:‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬علمه‭ ‬وفضله‭ ‬فهو‭ ‬متواضع‭ ‬أشد‭ ‬التواضع‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬منقصة‭ ‬بل‭ ‬تواضع‭ ‬في‭ ‬حكمة‭ ‬وفي‭ ‬موضعه‭ ‬فربما‭ ‬خفض‭ ‬جناحه‭ ‬لذي‭ ‬خلق‭ ‬كريم‭ ‬لا‭ ‬يقيم‭ ‬له‭ ‬أصحاب‭ ‬الجاه‭ ‬وزنا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يخفضه‭ ‬لصاحب‭ ‬جاه‭ ‬أو‭ ‬مقام‭ ‬رفيع،‭ ‬وله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التواضع‭ ‬أصول‭ ‬يمثل‭ ‬فيها‭ ‬شمم‭ ‬العلماء‭ ‬وعزة‭ ‬المؤمنين‭.‬

ومن‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬إذا‭ ‬جلست‭ ‬معه‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬انطلق‭ ‬كالسهم‭ ‬يحدثك‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الفخر‭ ‬والمباهاة‭ ‬بما‭ ‬عنده‭ ‬مما‭ ‬يتفاخر‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مشاربهم‭.‬

أما‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬فحرام‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬منه‭ ‬كلمة‭ ‬يَشْتَمُ‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬التفاخر‭ ‬والمباهاة‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬بعيد‭.‬

فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬شريف‭ ‬حسيني‭ ‬كما‭ ‬مر‭ ‬بك‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬ذلك‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭!! ‬من‭ ‬صداقته‭ ‬عندما‭ ‬أخبرني‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬يعرفونه‭ ‬قبلي‭ ‬بفترة‭ ‬طويلة‭ ‬ولما‭ ‬حدثته‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬ابتسم‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬ووداعة‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬سيحاسبنا‭ ‬على‭ ‬أعمالنا‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬أحسابنا‭ ‬وأنسابنا‭ ‬ووالدي‭ ‬يحتفظ‭ ‬بسلسلة‭ ‬هذا‭ ‬النسب‭ ‬ولا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬بالك‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬فَإذَا‭ ‬نُفِخَ‭ ‬في‭ ‬الصورِ‭ ‬فلا‭ ‬أنسَابَ‭ ‬بَيْنَهُمْ‭ ‬يومئذ‭ ‬وَلَا‭ ‬يتساءلون‮»‬‭ (‬المؤمنون‭: ‬101‭)‬‮»‬‭.‬

ازدراؤه‭ ‬لمظاهر‭ ‬العظمة‭ ‬الكاذبة‭:‬

كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يعبأ‭ ‬بمظاهر‭ ‬العظمة‭ ‬الكاذبة‭ ‬والأبهة‭ ‬الزائفة‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬شأن‭ ‬أصحابها‭ ‬الذين‭ ‬تهوى‭ ‬إليها‭ ‬أفئدتهم‭ ‬لغفلتهم‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الدنيا‭ ‬وإفلاسهم‭ ‬التام‭ ‬مما‭ ‬يرفع‭ ‬أقدارهم‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭ ‬بالحق‭ ‬وكأن‭ ‬لسان‭ ‬حاله‭ ‬يقول‭: (‬إنَّ‭ ‬أكْرَمَكُمْ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أتْقَاكُمْ‭) (‬الحجرات‭ : ‬13‭).‬

وفاؤه‭ ‬بالوعد‭ ‬ورعايته‭ ‬للعهد‭:‬

أصبح‭ ‬الوفاء‭ ‬بالوعد‭ ‬وصيانته‭ ‬من‭ ‬الإخلاف‭ ‬وحسن‭ ‬رعاية‭ ‬العهد‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬الضائعة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ - ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ - ‬وكم‭ ‬يتجرع‭ ‬الناس‭ ‬المرارة‭ ‬تلو‭ ‬المرارة‭ ‬والحسرة‭ ‬بعد‭ ‬الحسرة‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬ذلك‭.‬

وأشهد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬مثالا‭ ‬نادرا‭ ‬للوفاء‭ ‬بالوعد‭ ‬وحسن‭ ‬رعاية‭ ‬العهد‭ ‬حق‭ ‬رعايته‭ ‬مهما‭ ‬كلفه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬أو‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬مشقة‭ ‬والعجب‭ ‬أنه‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬راض‭ ‬غاية‭ ‬الرضا‭.‬

إصفاء‭ ‬الود‭ ‬لأصدقائه‭ ‬ووفاؤه‭ ‬لهم‭:‬

كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬أصدقائه‭ ‬ويتفقد‭ ‬أحوالهم‭ ‬ويبذل‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬جاهه‭ ‬ووقته‭ ‬وماله‭ ‬لقضاء‭ ‬حوائجهم‭ ‬وتفريج‭ ‬كربهم‭ ‬وتيسير‭ ‬أمرهم‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يستطيع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬سمع‭ ‬كلمة‭ ‬شكر‭ ‬رد‭ ‬عليها‭ ‬بأن‭ ‬الشكر‭ ‬الحقيقي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬أعان‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ويسر‭ ‬سبله‭.‬

ولولا‭ ‬ضيق‭ ‬المجال‭ ‬لضربت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬ولكني‭ ‬أكتفي‭ ‬بذكر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬معي‭ ‬شخصيا‭.. ‬حينما‭ ‬مرت‭ ‬بي‭ ‬ضائقة‭ ‬مالية‭ ‬شديدة‭ ‬وأنا‭ ‬أعمل‭ ‬بجدة‭ ‬حيث‭ ‬أنهى‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬عقدي‭ ‬فجأة‭ ‬لأنني‭ ‬وقفت‭ ‬منه‭ ‬موقفا‭ - ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لله‭ - ‬وهكذا‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬ومعي‭ ‬أسرتي‭ ‬ولا‭ ‬نجد‭ ‬ريالا‭ ‬واحدا‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬وقد‭ ‬مكثت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬بالقصيرة‭ ‬ذقت‭ ‬فيها‭ ‬مرارة‭ ‬الحاجة‭ ‬أشكالا‭ ‬وألوانا‭ ‬ثم‭ ‬فرج‭ ‬الله‭ ‬الكرب‭ ‬وجعل‭ ‬بعد‭ ‬عسر‭ ‬يسرا‭.‬

ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أصف‭ ‬شعور‭ ‬الرجل‭ ‬نحوي‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬وإنما‭ ‬أترك‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬جعلته‭ ‬آخر‭ ‬المقال‭ ‬يصف‭ ‬ذلك‭.‬

‭(‬وإلى‭ ‬حلقة‭ ‬قادمة‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭)‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا