تجلَّت موهبة الفنان التشكيلي البحريني منذ الألفيَّة الثالثة قبل الميلاد، فخلَّدها التاريخ على جُدران المعابد والمقابر والأختام لتنقل إلى الأجيال القادمة رسالة الحضارة الماضية، وتظلُّ شاهِدًا أمينًا على ثراء هذه الأرض بالأرواح المُبدِعة منذ عهدٍ قديم جيلاً بعد جيل وصولاً إلى الموهوبين البحرينيين من فناني العصر الحاضِر، ولأن المعارض الفنية من أهم جسور التواصُل بين لوحات الفنَّان التشكيلي وبين المُتلقين؛ افتتح «أبعاد جاليري للفنون التشكيلية» المعرض الجماعي المُشترك لنُخبة من الفنانين التشكيليين البحرينيين برعاية النائب زينب عبدالأمير يوم الأربعاء الرابع عشر من يونيو2013م.
سلَّط المعرض الضوء على لقطات حياة المُجتمع البحريني وتأمُّلات إنسان هذا المُجتمع في الماضي والحاضِر، ولقطاتٍ أخرى تصوِّر هموم الإنسان ومشاعره واهتماماته بوجهٍ عام بلوحاتٍ شارك في رسمها كل من الفنانين: عبدالشهيد خمدن، محمود عبدالصاحب البقلاوة، إبراهيم الغانم، سيد صلاح الموسوي، فاطمة دهنيم، افتخار محمد، شهناز القصاب، جابر سهراب، إبراهيم أكبر، عبدالجليل الحايكي، موسى رمضان، خليفة شويطر، اسماعيل نيروز، صالح الماحوزي، كوثر الماحوزي.
النائب زينب عبدالأمير عبَّرت عن إعجابها بهذا المعرض قائلة: «هذا المعرض هو نافذة للاطلاع على إبداعات نخبة ذات رؤية فنية فريدة من فناني المملكة، المعرض عبارة عن لقطات تأريخية جميلة للبحرين متوشحة بالهوية البحرينية الأصيلة، ومن المُلاحَظ أن الطابع البحريني ينضح في كل لوحة بلمسات الفنانين»، وأضافَت: «الفن من أهم وسائل الارتقاء بالشعوب، وتُقاس الحضارات بتقدم الفنون، والبحرين تمتلك ثروة فنية تستحق الاهتمام، لا سيما أن تاريخ الحركة الفنية يمتد على مدى تاريخ طويل من الإبداع. وعِرفانًا لما تُقدمه أيدي الفنانين والمُثقفين في البحرين من جهود تستحق وقفة تقدير تأتي رعايتنا هذا المعرض.
لكل لوحة ولكل فنان قصة في هذا المعرض المُتميز، وما بين الماضي والحاضِر يوجد معرض أبعاد تشكيلية ليُقرِّب الأبعاد.. في البحرين الفن يفتقد ما يستحقه من التفات وتقدير، ولأن الحركة الفنية في البحرين تحتاج دعم الفنان؛ فإن اهتمامنا بهذا المعرض هو رسالة للاهتمام بالفن البحريني».
تنوعت المدارس الفنية التي تنتمي لها اللوحات بين الواقعية والانطباعية والتجريدية، وتعددت القضايا التي تُناقشها فكان وراء كل قصة حكاية ووراء كل حكاية مشاعر وطنية أو هموم إنسانية أو لحظة عشق لإحدى تفاصيل الجمال في التاريخ أو البيئة أو المُجتمع.. الفنان عبدالشهيد خمدن الذي بدأ ولعه بفن الخط العربي منذ أن كان في العاشرة من عمره قبل أن يتطور اهتمامه نحو الرسم فيدخُل عالمه؛ بدا حضور الحروف العربية الأنيقة واضحًا في لوحتيه «حروفيات1» و«حروفيات2» المرسومتين بتقنية الطباعة على كانفاس، كما كانت «المرأة» عُنصرًا ظاهرًا في العملين التشكيليين اللذين أشار إلى المعنى الكامن وراء مضمونيهما بقوله: «إن الإنسان في العصر الحاضِر يعيش تحت وطأة ضغوط ينوء بها كاهله، والمرأة باعتبارها نصف المُجتمع شريكة الرجُل في تلك المُعاناة التي تواجهها بمشاعر خاصة مُرهفة وتسبح في مواجهة تيارات كل تلك الصراعات ببسالة، هذا ما حاولتُ التعبير عن شيء منه في لوحة حروفيات1، أما حروفيات2 فهي تصوِّر همًا خاصًا بتطلعات وأحلام وطموح المرأة التي تمتاز بالرومانسية ورهافة المشاعر من جهة؛ وبين الحاجة إلى القوة والدعم والمُساندة من جهةٍ أُخرى».
تاريخ البحرين قبل آلاف السنين كان حاضرًا أيضًا من خلال لوحَتي «دلمونيات1» و«دلمونيات2» للفنان محمود عبدالصاحب البقلاوة، فالفنان المُهتم بالبحث التاريخي العميق في خبايا الحضارة الدلمونية كان مُهتمًا باستدعاء تلك الحُقبة الزمنية فيما صوَّرته اللوحتان من أختام ورموز وشخوص دِلمونية لعل أبرزها شخصية «صاحب القداسة» الذي عرَّفت به المعابَد، وشخصية الثور الدلموني المُقدَّس.
أما الفنانة فاطمة سلمان دهنيم فهي قد استخدمت تقنية الطباشير الناعمة في رسم لوحتيها «منظر طبيعي1» و«منظر طبيعي2»، وأعرَبَت عن سعادتها لقدرتها على نقل تلك المناظر الطبيعية الحقيقية إلى عالم سحر الألوان وتخليدها عبر اللوحات.. عند سؤالها عن بداياتها مع الرسم أجابت: «لا أذكر على وجه التحديد! لكن والدي أخبراني أن المُعلِّمة لفتت انتباههما إلى رسومي منذ أن كنتُ طفلةً صغيرة في الروضة، كل ما أعرفهُ أنني وجدتُ نفسي أرسم باستمرار، وكلما صادفتُ تقنية جديدة تعلمتها، وكلما عرفتُ أن هناك ألوانا جديدة استخدمتها، إنني غارقة في هذا العالم وأسبح فيه بسعادة!».
الفنان إبراهيم الغانم قدم جانبًا من الطبيعة المحلية الآسرة في لوحاته، الفنان سيد صلاح الموسوي قدم نماذج من الحياة في مدينة المنامة كما تراها بصيرته، البحرين قديمًا كانت حاضرة في لوحات الفنان عبدالجليل الحايكي والفنان إبراهيم أكبر والفنان صالح الماحوزي والفنانة شهناز القصاب، الفنانون افتخار محمد وكوثر الماحوزي وإسماعيل نوروز وخليفة شويطر امتازت لوحاتهم بالإبداع والدقة وإبراز الجمال في الشخوص البشرية وغير البشرية التي تضمنتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك