جسدان متلاحمان في محراب الصمت؛ يؤّم نبضهما ضوء وألحان تناجي الرب أن برضاه سيندلع الصوت ويشتعل الحلم.
وعلى وقع الموسيقى يتبدى جسدا الممثلان في حالة تشابك تام يأخذ بالتنافر شيئاً فشيئاً؛ فالأيدي تدنو وتمتد والأقدام العارية تتباعد ببطء فينزاح ستار الخطى لتنكشف معالم عالمين منفردين يخلقهما «السيد والعبد».
وفي فضاء الخشبة يبرع الممثلان عبر التماهي والتباعد الجسدي في طرح حالات مفعمة بالتشويق؛ تتصادم فيها الأوهام بالحقائق والخير بالشر والخوف بالألم؛ في سياق جدلية فلسفية تتساءل عن مدى امتلاك الانسان حرية القرار والهوية والكلمة، وتنقل ما يجري من صراع وأزمات نفسية داخلية لكل سيد وعبد.
وبجانب التمثيلات الحركية الجسدية والايمائية التي أتقن الفنانان صالح الدرازي وأحمد سعيد تجسيدها ثمة مؤازرة حوارية ذات معانٍ مكثفة انطوت على تجليات عميقة للسيادة والعبودية التي يشهدها الانسان ويعايش انعكاساتها بما تحويه من تناقضات وتحديات اجتماعية. كما نقلت الدواعي والمعايير الأخلاقية التي تجعله يشرعن الجيد أو السيئ من أفعاله، وصورّت مآل مصيره إلى الموت كحقيقة وجودية راسخة.
وكما لو كان يغزل من ذاكرة التاريخ مسرحاً، شيّد مخرج العمل خالد الرويعي من حوارية «السيد والعبد» التي تحمل المسرحية مسماها، إحياءً إبداعياً لنص بابلي شعري غير مكتمل من العصر الأكادي عبر إعادة سرده بشكل متشابك ومغاير في قالب اخراجي فريد متكئ على تجسيدات ايمائية جسدية وتصويرية وأساليب مسرحية معاصرة في ضوء الاشتغال المسرحي وفقاً لمدارس تمثيلية مختلفة كمدرستي ستانسلافسكي وتشيخوف.
وبشأن فكرة العمل يقول الرويعي: «المسرحية تحمل السيد والعبد؛ هذه الحوارية يعتقد أنها أقدم حوارية كُتبت في التاريخ وهي تعطي شكلها في الحوار المسرحي لذلك هي شكلّت بهويتها السردية أو الحوارية بُعدا حديثا في الكتابة كونها تنتمي إلى كتاب المراسلة، وهذا تحديداً ما دفعني الى اختيار النص الموجود لدّي منذ أكثر من 15 عاما؛ إذ كنت أحاول التفكير في شكل إخراجه وها قد واتتني فرصة الاشتغال عليه؛ فجدليته مرعبة بالنسبة لي فكيف نتحول إلى عبيد وسادة بإرادتنا؟».
ويوضحّ الرويعي أن العمل يقوم على جدلية تاريخية منذ نشوء الخليقة، أما في العصر الحالي تأخذ مسألة السيادة والعبودية أبعادا مختلفة «فما عادت الفكرة متمثلة في هويات الأشخاص بشأن من هو السيد والعبد؛ فكلاهما قد يتجسدان في دواخلنا، وفي السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبقية. والعمل يذهب نحو الاتجاهات التي تعكس أيضاً خوف السيد من فقدان عبده ما دام لن يفعل شيئاً يجعله يمارس سلطته عليه، ومخاوف العبد من أن يفقد سيده والرؤية».
مؤدي دور السيد، الفنان صالح الدرازي يلفت إلى أن «دوري في العمل جسد أوجها متعددة للسيادة وطرح تساؤلات عديدة حولها، وتم تعزيزه بأساليب تمثيلية جديدة تعتمد على تشكيل الجسد وتحريكه بشكل غير اعتيادي؛ ما شكل تحديا جديدا بالنسبة لي لكنه كان ممتعاً كوني أجرب أساليب مسرحية معاصرة لأول مرة».
وتنوعت الحالات التي أداها الفنان أحمد سعيد في سياق دوره كعبد «إذ كنت أحاول قدر الإمكان تجسيد أكثر حالات العبودية التي مرّت في التاريخ وتطورت عبر الزمن؛ كالعبودية للأفكار والأشخاص والرغبات. وكنت أحاول إبراز العبد في كل أشكاله وبأكثر من طريقة عبر حركات جسدية إيمائية وحوار مع السيد بما يعزز المعنى المراد إيصاله ويعكس في جوهره الحديث بين الانسان والرغبات والمجتمع والوجود».
والعمل من إخراج وسينوغرافيا خالد الرويعي، وتمثيل صالح الدرازي وأحمد سعيد.
ويضم فريق عمل الإخراج والسينوغرافيا باسل حسين وسعاد عوض الله، فيما يتكون فريق الإنتاج من حسين مرزوق وعلي أبو ديب بإشراف حسين الرفاعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك