العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دور مصادر الطاقة المتجددة في تحولات الطاقة بالشرق الأوسط

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الأربعاء ٠٥ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

نظرًا إلى أن الاعتراف بتأثير انبعاثات الكربون على البيئة العالمية أصبح في صدارة السياسات الدولية بشكل متزايد؛ فقد تم الدفع نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة؛ لتحل محل المنتجات الكربونية، مثل النفط والغاز الطبيعي، وخاصة أن الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يتعلق بضمان الوصول إلى طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، وهو أمر رأت المنظمة، أنه يتطلب دعمًا مستمرًا للسياسات، وتعبئة ضخمة لرأس المال، لضمان طاقة نظيفة ومتجددة، لا سيما في البلدان النامية.

وفي ضوء هذه الديناميكيات، أصبح إنتاج واستخدام الطاقات المتجددة -التي تشمل الطاقة المائية، وطاقة الرياح، والشمس، وطاقة الكتلة الحيوية من مواد نباتية؛ شائع الاستخدام، في الاقتصادات المتقدمة. ووفقًا لـوزارة الطاقة الأمريكية، فإن الطاقة المتجددة توفر حاليًا ما يزيد على 20% من احتياجات الكهرباء في أمريكا، بينما بلغت نسبة حصتها لتوليد الكهرباء بالمملكة المتحدة 41.4% عام 2022، مع تحقيق توليد الطاقة من الرياح والشمس، مستويات قياسية. ووفقًا لوزارة أمن الطاقة البريطانية، فإن إنتاج النفط والفحم وصل إلى مستويات منخفضة، حيث انخفض استخدامها بنسبة 30% في عام 2019.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، يعد إنتاج الطاقة المتجددة في مرتبة متدنية، عن بقية العالم. وأشار جافين ماجواير، من وكالة رويترز، إلى أن المنطقة تحظى إلى حد بعيد بأقل نصيب من الطاقة النظيفة في مزيج إنتاج الكهرباء الخاص بها، مستشهدا ببيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، (إيرينا)، والتي تُظهر أن قدرة إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، تمثل حاليًا 1% فقط من الحصة العالمية، وهو أقل بكثير من 48% من آسيا، و21% من أوروبا، و15%  في أمريكا الشمالية.

ومع ذلك، هناك تحول كبير في المنطقة تجاه الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. ومع بلوغ معدل نمو إنتاجها في الشرق الأوسط إلى 12.8%  في عام 2022 -مما يعني أن المنطقة هي الأسرع نموًا في هذا الصدد- انضمت العديد من دولها إلى الجهود العالمية لخفض مستويات الانبعاثات من خلال تقديم مبادرات وأهداف خاصة بها؛ لتحقيق صافي انبعاثات صفرية خلال نصف القرن القادم. وتتبوأ دول مجلس التعاون الخليجي، الريادة في هذا الصدد، مع قيام كل من السعودية، والإمارات، بتوسيع إنتاجهما من طاقتي الشمس والرياح، والطاقة الكهرومائية، والهيدروجين من أجل الاستعداد للمرحلة التالية في سوق الطاقة العالمي.

وكجزء مما أطلق عليه ماجواير، الدفعة المتجددة في المنطقة، أشارت كيت دوريان، من معهد دول الخليج العربي، إلى دور طاقتي الشمس، والرياح، في السياسات المستقبلية في ظل أن الموارد الطبيعية غير المستغلة إلى حد كبير، تُعتبر رهانات قوية لبلدان المنطقة؛ لتسخيرها بنجاح، ليس فقط لتأمين احتياجاتها الخاصة باستهلاك الطاقة، ولكن أيضًا لتظل رائدة العالم في أبحاث وتنمية وإنتاج، وتصدير الطاقة.

وعلى الرغم من أن منتجات الطاقة التقليدية، لا تزال أساس سوق الطاقة العالمي، مع تسجيل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، استخدام أكثر من 100 مليون برميل نفط من قبل الاقتصاد العالمي يوميا؛ فقد أشار فاتح بيرول، من وكالة الطاقة الدولية، إلى أن التحول إلى اقتصاد الطاقة النظيفة، آخذ في الازدياد، حيث من المقرر الوصول إلى ذروة الطلب العالمي على النفط، ثم خفضها قبل نهاية هذا العقد.

وبشكل عام، شكلت الطاقات المتجددة، 83% من إجمالي توسع السعة في سوق الطاقة العالمي عام 2022، كما ارتفعت حصتها من إجمالي طاقة التوليد إلى 40.2% في 2022. وفي إشارة إلى هذا التحول، سجلت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة لعام 2022، تشكيل الطاقة الكهرومائية، وطاقتي الشمس، والرياح 37% و31% و27% من توليد الطاقة المتجددة على التوالي.

وفيما يتعلق بقدرة إنتاجها في عام 2022، تصدرت طاقتا الشمس والرياح هذا المجال. وأشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إلى زيادة بنسبة 22% في الطاقة الشمسية، وبنسبة 9% في طاقة الرياح العام الماضي. وفي تحليلها، أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إلى أن الاتجاه التصاعدي، لمصادر الطاقة النظيفة؛ يُظهر النمو السريع والمتزايد في استخدامها، فضلاً عن انخفاض التوسع في الطاقة التقليدية.

وبالنسبة إلى دول الخليج، وفيما تظل صادرات النفط والغاز الطبيعي هي حجر الأساس لتجارتها مع بقية العالم -يشير إلى ذلك استعداد السعودية، لإنتاج وتصدير 9 ملايين برميل من النفط يوميًا حتى بعد خفض حصص إنتاجها في أوبك بلس لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط- فإن مصادر الطاقة المتجددة مع ذلك، تظل مبدأ أساسيا، لهدف التحول الاقتصادي.

وتأكيدًا لهذا التحليل، أشارت دوريان، إلى أن الرياض، قد حددت أهدافًا طموحة لتوليد الطاقة النظيفة؛ حيث تخطط لاستثمار 270 مليار دولار في قطاع الطاقة بحلول عام 2030؛ لتعزيز الإنتاج المتجدد لها، بالإضافة إلى تحديث محطات الطاقة، وشبكات التوزيع، والوصول إلى هدف إنتاج 50%  من الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول 2030، فضلاً عن تطوير محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز العالي الكفاءة، ومصادر الطاقة المتجددة، بحيث تكون حصة الاعتماد على أي منهما حوالي 50% بحلول عام 2030. وللمساعدة في تحقيق هذا الهدف، سيتم إنشاء مزرعة رياح بقدرة 8000 ميجاوات في ينبع، لتكمل نظيرتها الموجودة في دومة الجندل، التي بدأت عملياتها الإنتاجية في أواخر عام 2021.

أما بالنسبة إلى باقي دول مجلس التعاون، فقد أشارت الباحثة، إلى أن الإمارات، لديها حتى الآن مزيج من الطاقة الأكثر تنوعًا، من خلال الاعتماد على مصادر الغاز الطبيعي، والطاقة الشمسية، وإنتاج الطاقة النووية، الأمر الذي ترتب عليه انخفاض استهلاك الغاز إلى أدنى مستوى له منذ 11 عامًا في عام 2022. وتأكيدًا على هذا، علق وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان الجابر، أن بلاده تعمل عن كثب نحو تحول الطاقة.

وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على نطاق أوسع، أشارت دوريان، إلى أن قمة كوب27، في مصر عام 2022، تضمنت سلسلة من الالتزامات والبرامج الجديدة من قبل الدول الإقليمية؛ بهدف خفض الانبعاثات، وتعزيز إنتاج الطاقة المتجددة. وأوضحت ملك الطيب، من معهد الشرق الأوسط، أهمية التعاون المتقدم دوليًا في تعزيز خطط العمل المناخية، وسد الفجوة القائمة في تنفيذ الحلول المستدامة، وأضافت دوريان، أيضًا أنه من المتوقع التوصل لمزيد من الالتزامات المناخية في العام الحالي.

ومع تركيز تحليلها على إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، من الشمس، والرياح، نظرًا إلى الموقع الجغرافي والقرب من خط الاستواء – وهو ما يعني بالتالي تزايد عدد ساعات النهار والقرب من الشمس- لاحظت دوريان، أن المنطقة تتمتع بإمكانات هائلة من الطاقة الشمسية. وبالاتفاق مع هذا الرأي، أشار حميد بوران، من جامعة ولفرهامبتون، إلى أهمية استفادة المنطقة من الأجواء المشمسة والصافية، والمساحات المفتوحة الشاسعة لمزارع الطاقة الشمسية واسعة النطاق.

وفي الوقت نفسه، أشارت دوريان، إلى كيف أضافت بعض البلدان طاقة الرياح الى خطط إنتاج الطاقة المتجددة الخاصة بها، مؤكدة أيضًا أن طاقة الرياح هي أنظف وأرخص مصدر للطاقة عالميًا، لاسيما مع تصميم توربينات جديدة أكثر كفاءة في جمع وتوليد الطاقة من بدائلها السابقة. وتمتلك تلك الطاقة ميزة على الطاقة الشمسية من حيث إنها لا تزال قادرة على العمل حتى بعد غروب الشمس.

وبالنظر إلى أن مزارع الرياح تتطلب مساحات شاسعة من الأرض، وسرعات رياح كافية، بشكل خاص، أشارت إلى وجود عدد من البلدان في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لديها مناطق ذات ظروف مناسبة، لتركيب التوربينات. وعلى وجه الخصوص، أشارت إلى خليج السويس في مصر، وساحل المحيط الأطلسي، وبعض الأجزاء الشرقية من المغرب، والصحراء الشمالية الغربية للسعودية، وجنوبي سلطنة عمان في الخليج.

وعلى الرغم من أن الديناميكيات الجغرافية، وإمكانيات الاستخدام الناجح لطاقتي الشمس والرياح، مواتية، فإن إنتاج مصادر الطاقة المتجددة، يتم بشكل متقطع، وليس منتظما، حاليًا في الشرق الأوسط. وبينت دوريان، أن بلدان المنطقة يجب عليها زيادة توليدها للطاقة من هذه المصادر النظيفة والمتاحة، حتى تتمكن من الوصول إلى أهدافها الطموحة من الانبعاثات الصافية الصفرية، وكذلك قد تحل تلك الطاقة محل الغاز الطبيعي في أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية، وخاصة أن المنطقة تمتلك مزايا لوجستية كبرى على الولايات المتحدة، وأوروبا، في هذا الصدد.

ونظرًا لأن تحقيق سياسة الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتطلب توفير ثلثي إمدادات الطاقة العالمية، بواسطة مصادر الطاقة المتجددة، بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين؛ فإن تبني المزيد من الاعتماد على طاقتي الشمس والرياح في الشرق الأوسط، سيكون جزءًا ضروريًا، للتأكد من أن هذا السيناريو قد يصبح حقيقة على أرض الواقع.

على العموم، يتضح من تحليل دوريان، أن دول الخليج، بدأت بالفعل رحلتها لتحقيق هذه الغاية، حيث تقود السعودية، والإمارات، الجهود في هذا الصدد، رغم أن المنطقة لا يزال أمامها بعض الوقت قبل أن تتمكن من مضاهاة النواتج الخاصة بالطاقة المتجددة المتناسبة في كل من أوروبا، وأمريكا الشمالية. ومع انعقاد قمة كوب28، بالإمارات في نوفمبر 2023، ومع التركيز بشكل كبير على دول المنطقة لإعادة تأكيد التزاماتها بالتحول العالمي للطاقة، هناك احتمال قوي بأن تعلن هذه الدول مبادرات جديدة لتسريع استخدامها للطاقة النظيفة من الشمس والرياح.

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا