العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نظام الملالي في إيران.. ومخاطر دولة المليشيات العابرة للحدود!

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ٠٦ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

ربما‭ ‬مهدت‭ ‬الهدنة‭ ‬الحالية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬نووي‭ ‬ثنائي‭ ‬يكون‭ ‬نواة‭ ‬لاتفاق‭ ‬نووي‭ ‬شامل،‭ ‬لن‭ ‬تمانع‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءا‭ ‬منه‭. ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تبد‭ ‬انزعاجها‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬الصين‭ ‬بلعب‭ ‬دور‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مشكلات‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬زادها‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬تعقيدا‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬التوتر‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬المليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مناسبة‭ ‬لفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬الموصدة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬مريحا‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تنازلات‭ ‬أو‭ ‬شروط‭ ‬مسبقة‭.‬

لم‭ ‬يلعب‭ ‬الأمريكان‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬إيجابي‭ ‬لمصلحة‭ ‬حلفائهم‭ ‬العرب‭. ‬لم‭ ‬يقفوا‭ ‬معهم‭ ‬بقوة‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬تُخفي‭ ‬نواياها‭ ‬العدوانية‭ ‬ضدهم‭. ‬كان‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬دائما‭ ‬مائعا‭ ‬وضبابيا‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالسياسات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬استطاعت‭ ‬إيران‭ ‬فعلا‭ ‬حل‭ ‬مشكلاتها‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فإنها‭ ‬ستتمكن‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬حرج‭ ‬وتدفعها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬عليها‭.‬

ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬الانفراج‭ ‬لن‭ ‬يحل‭ ‬مشكلات‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬عضوي‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬نظامها‭ ‬القائمة‭ ‬أصلا‭ ‬على‭ ‬أزمة،‭ ‬مصدرها‭ ‬انفصال‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬شؤونه‭.‬

إيران‭ ‬دولة‭ ‬دينية‭. ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭. ‬في‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭ ‬كشفت‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬اللحاق‭ ‬بمطالب‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنية،‭ ‬بل‭ ‬وعن‭ ‬رفضها‭ ‬تلبية‭ ‬تلك‭ ‬المطالب‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬جزء‭ ‬منها‭.‬

‭ ‬ظهر‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬غطاء‭ ‬الرأس‭ ‬النسائي‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬احتجاجات،‭ ‬مارس‭ ‬النظام‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬قمعها‭. ‬سيحتال‭ ‬النظام‭ ‬كعادته‭ ‬على‭ ‬مناصريه‭ ‬حين‭ ‬يقنعهم‭ ‬بأنه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القمع‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬شريعة‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬انتفاضات‭ ‬الإيرانيين‭ ‬السابقة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تملك‭ ‬أسباب‭ ‬تجددها‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬لاحقة‭. ‬فالمصالحة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬النظام‭ ‬فهي‭ ‬تتطلب‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬ليست‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬مستعدة‭ ‬لتقديمها‭.‬

إيران‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬لأمريكا‭ ‬وإسرائيل‮»‬‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬الشعار‭ ‬الجذاب‭ ‬جاذبا‭ ‬للإيرانيين‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬شعروا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬دولتهم‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬إرادتهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬حرّ‭ ‬لا‭ ‬تنحرف‭ ‬تجربته‭ ‬المستقلة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الحروب،‭ ‬وما‭ ‬‮«‬مبدأ‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬ستنزلق‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ضحايا‭ ‬لحروب‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬ضد‭ ‬العالم‭.‬

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬وإيران‭ ‬تعيش‭ ‬حربا،‭ ‬كانت‭ ‬حرب‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬الجزء‭ ‬المعلن‭ ‬منها‭ ‬أما‭ ‬الأجزاء‭ ‬الأخرى‭ ‬فقد‭ ‬دفعت‭ ‬الشعوب‭ ‬الإيرانية‭ ‬ضرائبها‭ ‬الباهظة‭.‬

دولة‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬المليشيات‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭. ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الفرد‭ ‬الإيراني‭ ‬يخسره‭ ‬من‭ ‬مائدته‭ ‬اليومية‭ ‬كان‭ ‬يذهب‭ ‬لتمويل‭ ‬مقاتلي‭ ‬عصابات‭ ‬مسلحة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬منه‭ ‬الإيرانيون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬المقنّعة؟‭ ‬إذا‭ ‬قيل‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬الحاج‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬صار‭ ‬شخصا‭ ‬مرهوب‭ ‬الجانب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬فهل‭ ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬سببا‭ ‬لسروره؟

مما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬صورتها‭ ‬الخارجية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي‭ ‬وهو‭ ‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الصقور‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬مراحل‭ ‬النظام‭ ‬قسوة،‭ ‬ولكنها‭ ‬صورة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تبشر‭ ‬بخير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬النظام‭ ‬لن‭ ‬ترى‭ ‬الشعوب‭ ‬الإيرانية‭ ‬أثرا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬فالانفصال‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬يمسك‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬بخناقها‭ ‬وشعوب‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬حياتها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مدنية‭ ‬سيظل‭ ‬قائما‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يدير‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬ملفاته‭ ‬الخارجية‭.‬

ولكن‭ ‬صداعا‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬المنطقة‭ ‬بسبب‭ ‬السياسات‭ ‬الإيرانية‭ ‬لا‭ ‬تنفع‭ ‬معه‭ ‬المهدئات‭. ‬نحن‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬دولة‭ ‬استعمارية‭ ‬وضعت‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬فهل‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬يدها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تُجبر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بالقوة؟

تلك‭ ‬هي‭ ‬مشكلة‭ ‬إيران‭ ‬ومشكلة‭ ‬العالم‭ ‬معها‭. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تُحلّ‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬فإن‭ ‬محاولات‭ ‬إقامة‭ ‬علاقة‭ ‬طبيعية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ستكون‭ ‬اختبارا‭ ‬صعبا،‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬تفكيكها‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تستهل‭ ‬علاقتها‭ ‬الجديدة‭ ‬بإيران‭ ‬بما‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوب‭ ‬إيران‭ ‬فإنها‭ ‬كمَن‭ ‬يُعدّ‭ ‬حطبا‭ ‬لحروب‭ ‬قادمة‭.‬

‭ ‬{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا