العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دور الوالدين في تعزيز القيم

بقلم: د. سعد الله المحمدي

الجمعة ٠٧ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

اتّصل‭ ‬بي‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائي‭ ‬من‭ ‬دولةٍ‭ ‬أوروبية‭ ‬ليقول‭: ‬إنّ‭ ‬ابنه‭ ‬ذا‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬أخبره‭: ‬أنّ‭ ‬أحد‭ ‬زملائه‭ ‬الأطفال‭ ‬بالدراسة‭ ‬أقنعتُه‭ ‬أمّه‭ -‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬كعارضة‭ ‬أزياء‭- ‬بأنّه‭ ‬بنتٌ‭ ‬وليس‭ ‬ولدا،‭ ‬ويرغبُ‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬أنثى‭ ‬عندما‭ ‬يكبر‭!‬

وأضاف‭ ‬صديقي‭ ‬أنّ‭ ‬معظم‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬تستثمرُ‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الشواذ،‭ ‬وترفع‭ ‬أعلامهم،‭ ‬وتدافع‭ ‬عنهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استحياء‭ ‬أو‭ ‬خجل،‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬ووجل،‭ ‬بل‭ ‬تشجّع‭ ‬الآخرين‭ ‬وتحثّهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭!‬

وإنّ‭ ‬بعض‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬انتزاعهم‭ ‬عن‭ ‬عائلاتهم‭ ‬قسرا‭ ‬بحجّة‭ ‬وأخرى،‭ ‬وتم‭ ‬نقلهم‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الرعاية‭ ‬أو‭ ‬الأسر‭ ‬المستضيفة،‭ ‬لم‭ ‬يرجعوا‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬تأثروا‭ ‬بشيءٍ‭ ‬من‭ ‬التلوّث‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والفكري‭.‬

وتشيرُ‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬أجبرت‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬تدريس‭ ‬مناهج‭ ‬تحمل‭ ‬مشاهد‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬وتدعم‭ ‬الشذوذ‭ ‬الجنسية‭.‬

وكشفت‭ ‬شركة‭ ‬مشهورة‭ ‬لإنتاج‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬خطة‭ ‬لنشر‭ ‬الفجور‭ ‬في‭ ‬العالم؛‭ ‬بأنها‭ ‬ستجعل‭ ‬50%‭ ‬من‭ ‬أبطال‭ ‬أفلام‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬المخصصة‭ ‬للأطفال‭ ‬من‭ ‬الشواذ‭!‬

نفهم‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬أنّ‭ ‬موجة‭ ‬عنيفة‭ ‬من‭ ‬الانحراف‭ ‬تستهدفُ‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رحمة‭ ‬أو‭ ‬وازع،‭ ‬وتحاولُ‭ ‬مسخ‭ ‬فطرتهم‭ ‬وتحويلهم‭ ‬إلى‭ ‬أشباه‭ ‬الرجال،‭ ‬بمختلف‭ ‬الأساليب‭ ‬والأشكال،‭ ‬منها‭: ‬ألعاب‭ ‬الفيديو،‭ ‬والإعلانات‭ ‬الخادشة‭ ‬للحياء،‭ ‬ونشر‭ ‬ألوان‭ ‬وشعارات‭ ‬الشذوذ،‭ ‬والرسوم‭ ‬المتحركة،‭ ‬والمسلسلات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬خطّط‭ ‬لها‭ ‬مهندسو‭ ‬الشذوذ‭ ‬لتدمير‭ ‬وانهيار‭ ‬المجتمعات‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتعاظم‭ ‬مسؤولية‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الآفة‭ -‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‭ ‬خطورتها‭ ‬عن‭ ‬المخدرات‭- ‬بتعزيز‭ ‬الجوانب‭ ‬الإيمانية،‭ ‬وزرع‭ ‬المُثل‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الناشئة‭ ‬والشباب،‭ ‬وحمايتهم‭ ‬من‭ ‬الانسياق‭ ‬وراء‭ ‬الشعارات‭ ‬البراقة‭ ‬والأفكار‭ ‬الدخيلة‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬مخالفة‭ ‬الفطرة،‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬شقاء‭ ‬البشرية‭.‬

نعم‭ ‬إن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬مسؤولية‭ ‬مشتركة‭ ‬وواجب‭ ‬عظيم‭ ‬يحتّم‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬القيام‭ ‬بأداء‭ ‬دورهم‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬تزداد‭ ‬مسؤولية‭ ‬الوالدين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬أولادهم؛‭ ‬وتنمية‭ ‬الوازع‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬نفوسهم،‭ ‬وتعريفهم‭ ‬بالحلال‭ ‬والحرام،‭ ‬وتعويدهم‭ ‬على‭ ‬الحياء‭ ‬والعفّة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أقصر‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬المجد‭ ‬والعزّ،‭ ‬وتقوية‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬لديهم‭ ‬تجاه‭ ‬المغريات‭ ‬والملهيات‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬انتكاسة‭ ‬الفطرة،‭ ‬وزعزعة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الثوابت‭ ‬والأخلاق،‭ ‬يقول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬مَا‭ ‬مِنْ‭ ‬مَوْلُودٍ‭ ‬إِلاَّ‭ ‬يُولَدُ‭ ‬عَلَى‭ ‬الْفِطْرَةِ،‭ ‬فَأَبَوَاهُ‭ ‬يُهَوِّدَانِهِ‭ ‬أَوْ‭ ‬يُنَصِّرَانِهِ‭ ‬أَوْ‭ ‬يُمَجِّسَانِهِ‮»‬‭. (‬أخرجه‭ ‬مسلم‭). ‬

وعلى‭ ‬الوالدين‭ ‬أن‭ ‬يبادرا‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الضمير‭ ‬الخلقي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكّر،‭ ‬وزرع‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة‭ ‬فيهم‭ ‬قبل‭ ‬سنّ‭ ‬العاشرة،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لتكوين‭ ‬السياج‭ ‬الأخلاقي‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال،‭ ‬وقد‭ ‬نبّه‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بقول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ‮ ‬وهم‭ ‬أبناءُ‭ ‬سبعِ‭ ‬سِنِينَ،‭ ‬واضرِبوهم‭ ‬عليها‭ ‬وهم‭ ‬أبناءُ‭ ‬عشرِ‭ ‬سِنِينَ،‭ ‬وفَرِّقُوا‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬المضاجعِ‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬أبوداود‭). ‬إذ‭ ‬يدعو‭ ‬هذا‭ ‬التوجيه‭ ‬النبوي‭ ‬السديد‭ ‬الآباء‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬تعويد‭ ‬أولادهم‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭ ‬وتعليمهم‭ ‬أحكامها،‭ ‬وتفريقهم‭ ‬في‭ ‬المضاجع‭ ‬وصيانتهم‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يثير‭ ‬الفتنة‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭.‬

وكن‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬عفيفَ‭ ‬الخُطى

‭ ‬شريف‭ ‬السَّماع‭ ‬كريم‭ ‬النّظر

وعلى‭ ‬الوالدين‭ ‬ربط‭ ‬أولادهم‭ ‬بمراكز‭ ‬التحفيظ‭ ‬ومراكز‭ ‬الأجيال،‭ ‬وتشجعيهم‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬واستثمار‭ ‬إجازاتهم،‭ ‬وتشغيل‭ ‬أوقات‭ ‬فراغهم‭ ‬بما‭ ‬ينفعهم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا،‭ ‬وإخلاص‭ ‬الدعاء‭ ‬لهم،‭ ‬وتعليمهم‭ ‬الغيرة‭ ‬على‭ ‬محارم‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬المنكرات‭ ‬تسبّب‭ ‬الفقر،‭ ‬وتقصر‭ ‬العمر،‭ ‬وتظلم‭ ‬الوجه،‭ ‬وتقتل‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬معاني‭ ‬الرجولة‭.‬

وعلى‭ ‬الوالدين‭ ‬إبعاد‭ ‬أولادهم‭ ‬عن‭ ‬رفاق‭ ‬السوء،‭ ‬وحثّهم‭ ‬على‭ ‬غضّ‭ ‬البصر،‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬والإعلانات‭ ‬التي‭ ‬تيسّر‭ ‬سُبل‭ ‬الفساد،‭ ‬فمن‭ ‬يداعب‭ ‬الشَّوك‭ ‬يلسع‭ ‬سريعا‭. (‬أعاذنا‭ ‬الله‭ ‬وإياكم‭ ‬جميعا‭).‬

شمعة‭ ‬أخيرة‭:‬

محاولة‭ ‬تغيير‭ ‬فطرة‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬فطر‭ ‬الناس‭ ‬عليها‭ ‬يُحدث‭ ‬الهمَّ،‭ ‬والغمَّ،‭ ‬والنفرةَ،‭ ‬ويسوّد‭ ‬الوجه،‭ ‬ويظلم‭ ‬الصدرَ،‭ ‬ويطمس‭ ‬نورَ‭ ‬القلب،‭ ‬ويسبّب‭ ‬زوال‭ ‬النعم،‭ ‬وحلول‭ ‬النِّقم،‭ ‬ويورث‭ ‬الذّل‭ ‬والمهانة؛‭ ‬فإنَّ‭ ‬العزَّ‭ ‬كل‭ ‬العزِّ‭ ‬في‭ ‬طاعة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

‭(‬باختصار‭ ‬من‭ ‬الداء‭ ‬والدواء‭ ‬لابن‭ ‬القيم‭)‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا