يأتي هذا الموضوع (النباتات الأرشيجونية ودلالاتها الإيمانية) بهدف نشر وتيسير المعرفة العلمية وبيان ما فيها من دلالات إيمانية تؤكد أن كل شيء مخلوق لغاية مقدرة، فلا عشوائية أو مصادفة في الخلق بل الدقة والتقدير والإبداع والعلم، وبذلك نبني العقيدة على أساس علمي عملي تجريبي يؤكد الآيات القرآنية الغيبية لبناء العقيدة، وقد اتخذ القرآن الكريم هذا المنحى في بيان وبناء العقيدة حيث يأتي الله تعالى بالآيات الغيبية ثم يتبعها بالآيات الكونية، أو يأتي سبحانه بالآيات الكونية وتتبعها بالآيات الغيبية، قال تعالى: «إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاواتِ وَالأرضِ وَاختلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لَآيات لِّأُوْلِي الأَلبابِ * الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللَهَ قِيَاما وَقُعُودا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاواتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا باطِلا سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» آل عمران (190-191).
ثم يتبعها مباشرة بالآيات العقائدية الغيبية قال تعالى: «رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدخِلِ النَّارَ فَقَد أَخزَيتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنصَار * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَن آمِنُواْ بِرَبِّكُم فَـآمَنَّا رَبَّنَا فَاغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّر عَنَّا سيئاتنا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخزِنَا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخلِفُ المِيعَادَ» آل عمران (192-194).
وبنفس المنحى قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: «قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ * أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ» المؤمنون (1-11).
ثم تأتي بعد ذلك مباشرة الآيات الكونية:
قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظامًا فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ» المؤمنون (12-16). ، من هنا كان بيان الدلالات الإيمانية في النباتات الأرشيجونية منحى علمي قرآني سليم.
ما هي النباتات الأرشيجونية؟!
النباتات الأرشيجونية (Archigoniata) قسم من أقسام المملكة النباتية يشمل النباتات الحزازية (Bryphyta)، والنباتات التريدية (Petridophyta) ومعراة البذور (Gymosperms).
لماذا سميت هذه النباتات بالأرشيجونيات أو النباتات الأرشيجونية؟!
سميت هذه النباتات الأرشيجونية لاحتوائها على عضو تكاثر أنثوي قاروري الشكل يتكون من بطن وعنق إسمه الأرشيجونة (Archigonium) بقاعة الخلية الأنثوية البيضية والتي تلقح بالمشيج المذكر لتعطي الطور الجرثومي المحتوي على الجراثيم التي تعطي النباتات الجديدة.
ولهذه النباتات عضو تكاثر ذكري يسمى الأنثريدة (Antheredium) يعطي الأمشاج المذكرة.
النباتات الحزازية (Bryphyta):
الحزازيات نباتات تعيش في الأماكن الطينية الرطبة الفاصلة وهي تنقسم إلى الحزازيات المنبطحة (Liverworts)، والحزازيات القائمة(mousses) وهي الأكثر شيوعا، وتتضمن (14) ألف نوع.
والحزازيات تعيش في البيئات دائمة الرطوبة مثل مساقط المياه في الآبار والعيون، ومع ذلك فالكثير من الحزازيات تستطيع أن تعيش فترة طويلة في بيئة جافة على جذوع الأشجار والصخور التي تكون جافة معظم فترات السنة، وتذبل الحزازيات بطول فترة الجفاف، ولكنها تعود إلى نشاطها مع أول قطرة ماء تنزل عليها.
وتتميز الحزازيات بوجود تبادل أجيال في دورة حياتها، حيث تكون في البداية نبات مشيجي (Gametophye) أحادي المجموعة الصبغية (n)، ونبات جرثومي (sporophyte) ثنائي المجموعة الصبغية (2n)، وتختلف النباتات الحزازية عن جميع النباتات الأرضية أن الطور السائد في دورة الحياة هو الطور المشيجي الذي يقوم بعملية البناء الضوئي، والطور الجرثومي صغير في الحجم يعتمد على الطور المشيجي في التغذية والحماية.
ولهذه النباتات تركيب خضري محدد ومتميز وأشكالها محددة ومميزة، وتتكون من طبقات من الخلايا محددة ومميزة فلا عشوائية في تركيبها، وتبادل الأجيال منظم ومحدد ورغم أنها نباتات صغيرة الحجم لا تزيد عن مليمترات إلا إنها تتغذى، وتتكاثر وتنتج الأعضاء المذكرة (الأنثريدات) والأعضاء المؤنثة (الأرشيجونيات) ذات التركيب المحدد والمنظم، وتتم عملية الإخصاب والتكاثر بين الأمشاج المذكرة الناتجة من الأنثريدة والبويضة المؤنثة في بطن الأرشيجونة، ويتم ذلك في إيقاع ثابت في هذه النبتة المطمورة في الطين لا يشعر بها أحد من البشر، ولكن الخالق سبحانه وتعالى يتولاها برحمته في هذه الأماكن البعيدة عن رعاية الإنسان مصداقا لقول الله تعالى: «قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعطَى كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى» طه (50).
وهذا ما سنفصل بعضه في المقالات التالية بإذن الله فلا عشوائية ولا مصادفة ولا إهمال، وبذلك تهتف هذه النباتات بتركيبها وبأطوارها ودورت حياتها بأن الخالق عليم خبير لطيف.
وجود هذه الكائنات أولية التركيب وسط أشجار البيئة معقدة التركيب يدلل أن كل كائن حي خلق لغاية مقدرة وفق التقدير الإلهي البديع في الخلق.
والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك