ليس هناك أخطر من قراءة رواية! فالمتن الروائي تدريب على تجاوز الحدود والحواجز وتحدي رؤية العالم المفروضة علينا. هذا إذا فهمنا لعبة القراءة، وتسلحنا بأدواتها بوعي برغم الكثير مما قرأنا، أعتقد أننا لم نقرأ شيئا.. عندما يأتي ألبرتو مانغويل في كتابه «فن القراءة» ليعلمنا كيف نقرأ! فنكتشف أننا كنا نقرأ ونحن على جادة مسار آخر، وعيوننا تحدق في جهة أخرى من النص! وتغازل الكلمات، من أجل المتعة. حينئذ نحتاج لإعادة النظر فيما نقرأ!
لقد تعلمنا الأبجدية ثم تعلمنا قراءة سطح النص، وحين وصلنا إلى الغاية من كل ذلك وهي تعلّم القراءة المعمّقة - توقفنا. صار هدفنا نقرأ من أجل أن نكتشف السطح، ونردد النظريات والمفاهيم والكلمات بطريقة آلية، من دون أن نبذل أي جهد لفض بكارة السطح واكتشاف الكنوز المخبوءة في عمق المغارة.
يصدمنا السؤال لمراجعة صريحة، هل هناك اكتشافات أخرى مازالت طي الكتمان مثل أسرار مستودعة، وعلينا البحث عنها في تخوم الكتب ومجاهيل المكتبات؟ لا ريب.
أعترف بأنني قرأت حكاية بينوكيو لكلودّي منذ سنوات، لكن حين قرأت ما كتبه ما نغويل تحت عنوان «كيف تعلم بينوكيو القراءة؟» أدركت أنني مازلت أقرأ سطح النص، ولم أتجاوزه، وأن عليّ إعادة قراءة عشرات الكتب من جديد؛ لأكتشف الجواهر المدفونة في عمق تلك الكتب
ليس هذا وحسب، بل يستوجب علينا التأمل فيما نكتب ونقدمه وجبة ثقافية للقراء، هل نخفي تحت السطح ما هو جدير بالتأمل، أم هي مجرد ثرثرة لا تعدو أحداثا فضّاء من أي قيمة لنفهم أنفسنا ونفهم ما يدور في محيطنا.
هل يتجاسر النقد علينا حتى يصنفنا في آخر الطابور؟ عندما لا يولي الآخرون كتاباتنا بجدية، ولا يتعاطون معها (كروايات جادة)؟
أعتقد أن الكتابة ليست نتاج الكم الهائل من الكتب وحسب، فما ينبغي أن نبحث عنه جادين هو الكتب التي تغيّر طريقة تعاطينا مع الكتب والأعمال الأدبية، وتحرك عقولنا نحو تقليب المعرفة وتحويلها إلى آلية لاكتشاف ما وراء السطح! لسنا بحاجة إلى الهرولة وراء الأسماء والعناوين بقدر ما نحن بأمسّ الحاجة إلى الكتب ذات الكيف التي تعيد صياغة تفكيرنا وفهم أنفسنا وما حولنا بوعي.
والخلاصة كما يقول ألبرتو مانغويل «لكننا بحاجة إلى تعلم القراءة بطرق أخرى مغايرة؛ للذهاب أبعد وأعمق، والتحلي بالشجاعة لمواجهة مخاوفنا وشكوكنا وأسرارنا الدفينة، وطرح الأسئلة حول طرق عمل المجتمع بالنظر إلى أنفسنا وإلى العالم؛ لكي نتعلم التفكير. قد يصير بينوكيو صبيا في ختام مغامراته، ولكنه في النهاية لا يزال يفكر مثل دمية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك