مايكل دلب (1948) كاتب أمريكي معاصر يكتب النثر والشعر. من كتبه (الماء الجيد الأخير) و(الشعر المعاصر في ميتشجان) و(فوق قبور الخيول) و(تحت تأثير الماء) و(ساحل اللامكان).
عندما كان طفلاً ينمو في فارجو، اعتاد أن يمشي من حظيرة الماشية إلى البيت في درجة حرارة تصل إلى ثلاثين تحت الصفر. أنفاسه تتبخر ثم تتدفق أمام وجهه. في تلك الصباحات أستطاع أن يعاين ويسمع الكيفية التي تنظف بها الأبقار جميعاً تحت البرد وتخيّل بأنه يستطيع أن يسمعها في الليل حينما تنخفض درجة الحرارة إلى مستوى أقل. من غرفة نومه بدا له كما لو أن جلودها مصنوعة من المعدن وكيف أن كل شعرة تجمدت على ظهورها وتصدر صوتاً خشناً ضد بقية الشعر.
وتذكر الطريقة التي اعتادت بها الشمس أن تبدو قادمة خلال ربع بوصة من الجليد على نافذة ذات لوح زجاجي واحد وتنكسر متفرقة إلى منشور على الجدران. حينها يستيقظ ويضع أصبعه على النافـذة الباردة ثم يعود لاحقاً في النهار من المدرسـة ويجد بصمة أصبعه باقية بالكامـل على الثلج.
كل يوم في البرد. كل شهر حينما لا يتجاوز الطقس درجة التجمد، يتعجب كيف تستطيع الشمس أن تشرق ولا تدفئه. يقف لمدة طويلة قدر ما يستطيع ويراقب ظله يتحرك في قوس أمام جسده. سوف يتسلل البرد إلى فردتي حذائه ثم يأخذ طريقه عالياً إلى عمق رجليه. ثم سيشعر بالخدر في أصابعه وسيرقص في شمس يناير. وظله يقفز على قمة الجليد .
كل صباح يتحتم عليه الذهاب إلى الأبقـار. هناك يرى رائحـة الحرارة المنبعثة من أجسامها. المختلطة مع رائحة السماد الحار. تتبخر أسفلها. جرف الرائحة الدافئة المتخللة كالضباب إلى منخاريه.
حينما كان يقوم بالجرف يتذكر القصص القديمة حول البرد. رجال يتجمدون في نومهم. أو كيف يتجمد الماء في وسط الهواء بعد أن تقذف به من الدلو .
بعد أن يغسل رائحة السماد من جسده بصابون قشتالة نقي، يعود دائماً إلى غرفته وينظر لوقت طويل إلى صورة جدّه على بحيرة روجرز. إنه عام 1925. كان هناك عدة رجال واقفين حول جثة حصان تحترق على الثلج. الأدخنة تتصاعد سوداء وكثيفة في سماء فبراير. الحصان وهو فرس بلجيكي ضخم انزلق على ثلج التحميل في البحيرة. تذكر الطريقة التي وصف بها جده كيفية صرع الفرس. كيف أدخل ماسورة البندقية إلى أذنها كما لو كانت أصبعاً. قال. أراد أن يتركها على الثلج وأن يدع البرد يأخذها، لكن أخيه أصر على إطلاق الرصاص عليها وحرقها في الموقع الذي فشلت فيه
لذلك طرحوها إلى الأسفل. طلقة واحدة ثم رشها العم لاك بالكيروسين. أحدهم. ربما كان جدّه. أوصل عود الثقاب إلى الشعر المرقط فنهض الحصان في الدخان كالعاصفة. حينما أخذوا جميعهم طريق العودة ألتقط أحدهم الصورة. في الزاوية اليمنى من الصورة بالقرب من العربة تستطيع أن ترى كتلاً جليدية صغيرة متدلية قد بدأت في التشكل على قوالب الثلج المتراكمة لارتفاع يصل إلى أربعة أقدام. الرجال ممسكون بأذرعهم لحمايتها من الحرارة.
لليال عديدة كان يحلم بالمشي إلى بقعة سوداء في الثلج ويفتش خلال البقايا بمذراة. كيف لا تزال الحلي الفضية للجام تتلألأ قليلاً. استطاع أن يسمع صوت الحوافر التي بدت أشبه بالثلج الذي يتكسر الآن في كل ربيع. حينما يعبر قريباً من ذلك الموقع حيث قاموا بعملية بالحرق. ينظر إلى طرف القارب ويتخيل العظام باقية في الأسفل. والفرس في عدو كامل. أنفاسها تنفذ إلى الخارج كسحاب من الثلج تحت الماء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك