العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

قصة قصيرة :حصان جّر الأثقال

ترجمة: مهدي عبدالله

السبت ٠٨ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

مايكل‭ ‬دلب‭ (‬1948‭) ‬كاتب‭ ‬أمريكي‭ ‬معاصر‭ ‬يكتب‭ ‬النثر‭ ‬والشعر‭. ‬من‭ ‬كتبه‭ (‬الماء‭ ‬الجيد‭ ‬الأخير‭) ‬و‭(‬الشعر‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬ميتشجان‭) ‬و‭(‬فوق‭ ‬قبور‭ ‬الخيول‭) ‬و‭(‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الماء‭) ‬و‭(‬ساحل‭ ‬اللامكان‭).‬

عندما‭ ‬كان‭ ‬طفلاً‭ ‬ينمو‭ ‬في‭ ‬فارجو،‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يمشي‭ ‬من‭ ‬حظيرة‭ ‬الماشية‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثين‭ ‬تحت‭ ‬الصفر‭. ‬أنفاسه‭ ‬تتبخر‭ ‬ثم‭ ‬تتدفق‭ ‬أمام‭ ‬وجهه‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصباحات‭ ‬أستطاع‭ ‬أن‭ ‬يعاين‭ ‬ويسمع‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬تنظف‭ ‬بها‭ ‬الأبقار‭ ‬جميعاً‭ ‬تحت‭ ‬البرد‭ ‬وتخيّل‭ ‬بأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يسمعها‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬حينما‭ ‬تنخفض‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أقل‭. ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬نومه‭ ‬بدا‭ ‬له‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬جلودها‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬المعدن‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شعرة‭ ‬تجمدت‭ ‬على‭ ‬ظهورها‭ ‬وتصدر‭ ‬صوتاً‭ ‬خشناً‭ ‬ضد‭ ‬بقية‭ ‬الشعر‭.‬

وتذكر‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬بها‭ ‬الشمس‭ ‬أن‭ ‬تبدو‭ ‬قادمة‭ ‬خلال‭ ‬ربع‭ ‬بوصة‭ ‬من‭ ‬الجليد‭ ‬على‭ ‬نافذة‭ ‬ذات‭ ‬لوح‭ ‬زجاجي‭ ‬واحد‭ ‬وتنكسر‭ ‬متفرقة‭ ‬إلى‭ ‬منشور‭ ‬على‭ ‬الجدران‭. ‬حينها‭ ‬يستيقظ‭ ‬ويضع‭ ‬أصبعه‭ ‬على‭ ‬النافـذة‭ ‬الباردة‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬لاحقاً‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬من‭ ‬المدرسـة‭ ‬ويجد‭ ‬بصمة‭ ‬أصبعه‭ ‬باقية‭ ‬بالكامـل‭ ‬على‭ ‬الثلج‭.‬

كل‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬البرد‭. ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬حينما‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الطقس‭ ‬درجة‭ ‬التجمد،‭ ‬يتعجب‭ ‬كيف‭ ‬تستطيع‭ ‬الشمس‭ ‬أن‭ ‬تشرق‭ ‬ولا‭ ‬تدفئه‭. ‬يقف‭ ‬لمدة‭ ‬طويلة‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬ويراقب‭ ‬ظله‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬قوس‭ ‬أمام‭ ‬جسده‭. ‬سوف‭ ‬يتسلل‭ ‬البرد‭ ‬إلى‭ ‬فردتي‭ ‬حذائه‭ ‬ثم‭ ‬يأخذ‭ ‬طريقه‭ ‬عالياً‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬رجليه‭. ‬ثم‭ ‬سيشعر‭ ‬بالخدر‭ ‬في‭ ‬أصابعه‭ ‬وسيرقص‭ ‬في‭ ‬شمس‭ ‬يناير‭. ‬وظله‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬الجليد‭ .‬

كل‭ ‬صباح‭ ‬يتحتم‭ ‬عليه‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الأبقـار‭. ‬هناك‭ ‬يرى‭ ‬رائحـة‭ ‬الحرارة‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬أجسامها‭. ‬المختلطة‭ ‬مع‭ ‬رائحة‭ ‬السماد‭ ‬الحار‭. ‬تتبخر‭ ‬أسفلها‭. ‬جرف‭ ‬الرائحة‭ ‬الدافئة‭ ‬المتخللة‭ ‬كالضباب‭ ‬إلى‭ ‬منخاريه‭.‬

حينما‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بالجرف‭ ‬يتذكر‭ ‬القصص‭ ‬القديمة‭ ‬حول‭ ‬البرد‭. ‬رجال‭ ‬يتجمدون‭ ‬في‭ ‬نومهم‭. ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬يتجمد‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الهواء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقذف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الدلو‭ .‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬يغسل‭ ‬رائحة‭ ‬السماد‭ ‬من‭ ‬جسده‭ ‬بصابون‭ ‬قشتالة‭ ‬نقي،‭ ‬يعود‭ ‬دائماً‭ ‬إلى‭ ‬غرفته‭ ‬وينظر‭ ‬لوقت‭ ‬طويل‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬جدّه‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬روجرز‭. ‬إنه‭ ‬عام‭ ‬1925‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬رجال‭ ‬واقفين‭ ‬حول‭ ‬جثة‭ ‬حصان‭ ‬تحترق‭ ‬على‭ ‬الثلج‭. ‬الأدخنة‭ ‬تتصاعد‭ ‬سوداء‭ ‬وكثيفة‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬فبراير‭. ‬الحصان‭ ‬وهو‭ ‬فرس‭ ‬بلجيكي‭ ‬ضخم‭ ‬انزلق‭ ‬على‭ ‬ثلج‭ ‬التحميل‭ ‬في‭ ‬البحيرة‭. ‬تذكر‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬وصف‭ ‬بها‭ ‬جده‭ ‬كيفية‭ ‬صرع‭ ‬الفرس‭. ‬كيف‭ ‬أدخل‭ ‬ماسورة‭ ‬البندقية‭ ‬إلى‭ ‬أذنها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬أصبعاً‭. ‬قال‭. ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يتركها‭ ‬على‭ ‬الثلج‭ ‬وأن‭ ‬يدع‭ ‬البرد‭ ‬يأخذها،‭ ‬لكن‭ ‬أخيه‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬الرصاص‭ ‬عليها‭ ‬وحرقها‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬فشلت‭ ‬فيه‭  ‬

لذلك‭ ‬طرحوها‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭. ‬طلقة‭ ‬واحدة‭ ‬ثم‭ ‬رشها‭ ‬العم‭ ‬لاك‭ ‬بالكيروسين‭. ‬أحدهم‭. ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬جدّه‭. ‬أوصل‭ ‬عود‭ ‬الثقاب‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬المرقط‭ ‬فنهض‭ ‬الحصان‭ ‬في‭ ‬الدخان‭ ‬كالعاصفة‭. ‬حينما‭ ‬أخذوا‭ ‬جميعهم‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬ألتقط‭ ‬أحدهم‭ ‬الصورة‭. ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬اليمنى‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬العربة‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬كتلاً‭ ‬جليدية‭ ‬صغيرة‭ ‬متدلية‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬التشكل‭ ‬على‭ ‬قوالب‭ ‬الثلج‭ ‬المتراكمة‭ ‬لارتفاع‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬أقدام‭. ‬الرجال‭ ‬ممسكون‭ ‬بأذرعهم‭ ‬لحمايتها‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭.‬

لليال‭ ‬عديدة‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬بالمشي‭ ‬إلى‭ ‬بقعة‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬الثلج‭ ‬ويفتش‭ ‬خلال‭ ‬البقايا‭ ‬بمذراة‭. ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الحلي‭ ‬الفضية‭ ‬للجام‭ ‬تتلألأ‭ ‬قليلاً‭. ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬الحوافر‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬أشبه‭ ‬بالثلج‭ ‬الذي‭ ‬يتكسر‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ربيع‭. ‬حينما‭ ‬يعبر‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الموقع‭ ‬حيث‭ ‬قاموا‭ ‬بعملية‭ ‬بالحرق‭. ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬طرف‭ ‬القارب‭ ‬ويتخيل‭ ‬العظام‭ ‬باقية‭ ‬في‭ ‬الأسفل‭. ‬والفرس‭ ‬في‭ ‬عدو‭ ‬كامل‭. ‬أنفاسها‭ ‬تنفذ‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬كسحاب‭ ‬من‭ ‬الثلج‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا