العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مُحددات تبنّي دول الخليج نموذجا جديدا في العلاقات الدولية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ١١ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

في أواخر يونيو 2023، توجه «ناريندرا مودي»، رئيس الوزراء الهندي إلى «واشنطن»، للاجتماع بالرئيس الأمريكي «جو بايدن». وكانت مظاهر الحفاوة البالغة بالزعيم الهندي محل اهتمام التغطية الإعلامية الغربية، وأشارت شبكة «بي بي سي»، إلى أن «البيت الأبيض»، «بسط السجادة الحمراء»، وقدم «ترحيبًا احتفاليًا». وبالمثل أكد «بيتر بيكر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، على الاستقبال «الحافل» الذي حظي به مودي.

من جانبه، استشهد «معهد الولايات المتحدة للسلام»، بهذه الزيارة؛ كدليل على كيف أن العلاقات الثنائية الأمريكية الهندية، قد «ارتقت إلى آفاق جديدة خلال السنوات الأخيرة»، في ضوء زيادة التعاون بمجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والدفاع. ووصف «بيكر»، الترحيب الحار بـ«مودي»، بأنه «أحدث خطوات بايدن على الصعيد الجيوسياسي»؛ مع سعى إدارته «للحصول على المزيد من الحلفاء في مواجهة الحكومات المعادية، مثل «موسكو»، وبكين».

وعلى الرغم من أن «الهند»، قد عززت بالفعل تعاونها مع «واشنطن»، في السنوات الأخيرة، فيما يخص الأهداف الأمنية المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ فإن عضويتها في مجموعة «بريكس» الاقتصادية جنبًا إلى جنب مع «الصين»، و«روسيا» -كما أشار «أوليفر سلو»، من شبكة «بي بي سي»- تدعم  بجدية «إعادة توازن النظام العالمي بعيدًا عن الغرب». ومع بلوغ مشترياتها من النفط الروسي 1.95 مليون برميل يوميًا في مايو 2023، فإنها تظل خارج دائرة نفوذ واشنطن، بعد أن حافظت بقوة على حالة عدم الانحياز لمنافسة القوى العظمى، بطريقة تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية على أفضل وجه.

وفي ضوء ظهور نظام سياسي عالمي متعدد الأقطاب، وتزايد المنافسة بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»؛ فإن السياسة الخارجية الهندية المستقلة، تقدم «مثالًا»، يحتذى به للدول الأخرى، التي تسعى أيضًا إلى أن تنأى بنفسها عن التداعيات السلبية للتورط في تصاعد المنافسة بين القوى العظمى. وينطبق هذا الوضع بشكل خاص على الشرق الأوسط، حيث يصل التنافس بين «واشنطن»، و«بكين»، إلى آفاق جديدة.

ولاستكشاف هذه الديناميكية بشكل أكبر، أشار «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إلى أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي، هم من بين أولئك الذين يُولون «اهتماما أوثق»، بنموذج الهند للعلاقات الدولية، خاصةً أنه يوضح أن بإمكان أي بلد «الجمع بنجاح بين عدم الانحياز الدبلوماسي والعلاقات القوية مع جميع الاقتصادات الكبرى في العالم».

واستمرارا، وصف «الهند»، بأنها «رائدة في كيفية صياغة عالم متعدد الأقطاب»، حيث إن تجربتها «توفر شرعية جديدة لفكرة عدم الانحياز»، و«توضح بالضبط كيف يمكن تطبيق مثل هذه السياسة». وخلال الحرب الباردة، كانت «نيروباما راو» -التي شغلت منصب وزير خارجية الهند بين عامي 2009 و2011- أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز للابتعاد عن التشابك بين «الولايات المتحدة»، و«الاتحاد السوفيتي»، والتي رأت أن «نيودلهي»، لديها «صبر محدود»، نحو واشنطن، والروايات الأوروبية، «بشأن النظام الجيوسياسي لاتسامها في الغالب «بقصر النظر، وازدواجية المعايير»، في حين أن موقف الدولة الآسيوية الآن قائم على «تقوية نفسها والتصدي للتحديات المشتركة في العالم، وهو ما يستوجب على الهند العمل مع الجميع».

ومن خلال تبنيها وجهة نظر بعيدًا عن القوى العظمى الأخرى، أشارت «راو»، إلى أن «الهند»، «تتعامل تجاريًا مع كل دولة تقريبًا، وقد تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع»، وأنه إذا تمكنت من «اجتياز الموقف الدولي الحالي المُعقد بنجاح»، وإيجاد طريقة للتعاون مع الغرب والصين وروسيا في العقود القادمة؛ فإن الفوائد الاقتصادية للدولة النامية، «ستكون جمة».

وبالنسبة لدول الخليج، التي أقامت أيضًا علاقات اقتصادية قوية مع القوى الخارجية الكبرى؛ فإن ما أطلق عليه «الترمان»، «نموذج الهند للعلاقات الدولية»، هو نموذج جذاب بشكل كبير. ومع توتر العلاقات بين «واشنطن»، وشركائها في المنطقة خلال رئاسة «جو بايدن»، أشار «ديفيد ماك»، من «المجلس الأطلسي»، إلى تساؤلات دول الخليج عما إذا كانت الولايات المتحدة، «شريكًا موثوقًا به في دعم جهودها الأمنية الفردية والجماعية». وأضاف «ألترمان»، أن دول «مجلس التعاون»، تشعر على نحو متزايد بأن واشنطن «لا تكترث بأمرها، بالإشارة إلى تراجع مساهماتها الأمنية في المنطقة، ومن ثّم، فهي لا تعد بالنسبة لهم شريكا موثوقا، والنتيجة أنهم «متطلعون على النحو الواجب للقيام بدور فاعل»، بعيدًا عنها.

ومع تقديم «الهند»، كدراسة حالة ناجحة في إعادة ضبط العلاقات الدولية، أشار «ألترمان»، إلى أنها تمكنت من «الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة وحلفائها»، بينما أبقت في الوقت ذاته «على عدم انحيازها بشكل واضح» في المنافسة الجيوسياسية الأوسع أوائل القرن الحادي والعشرين. ومن أجل قيامها بهذا الدور، أوضح أنه منذ استقلالها عام 1947، نجحت في تطوير وسائل «للتهدئة عندما تتماهى مصالحها مع واشنطن، وكذلك وقتما لا تتماشى معها». وعلى سبيل المثال، ففي حين أنها عضو نشط من إطار الأمن الإقليمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى جانب «الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا»، والمعروفة باسم المجموعة الرباعية؛ فإنها على العكس من ذلك «أظهرت اهتماما ضئيلا بالالتزام بالسياسة الغربية» لدعم أوكرانيا، أو إدانة روسيا؛ بسبب عملياتها العسكرية عام 2022، وبدلا من ذلك، حافظت على علاقات اقتصادية ودبلوماسية وثيقة مع «موسكو»، منذ بداية الحرب.

وعلى الرغم من عدم توافق سياسات «نيودلهي»، مع التوقعات الغربية بشأن المشهد الجيوسياسي الدولي، فقد بدا واضحا كيف سعت «واشنطن»، للحفاظ على علاقات جيدة معها. ومع أن «آشلي تيليس»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، أشار إلى أنها «لا تملك أي ولاء فطري تجاه الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي»، وتسعى إلى الاستفادة من التقدم التكنولوجي الغربي، لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي تسهيل صعودها كقوة عظمى»، دون افتراض أن «المساعدة الأمريكية تفرض أي التزام إضافي على نفسها»؛ فقد سجل «الترمان»، إشادة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بها باعتبارها «أكبر ديمقراطية في العالم»،  وهو ما يقودنا إلى نتيجة مفادها؛ «أنهم بحاجة إليها، وسوف يعملون على ديمومة العلاقة معها»، على الرغم من الاختلافات حول السياسة الجيوسياسية.

وفي حالة دول الخليج، أوضح «ألترمان»، أن هذا النمط من العلاقات، هو «بالضبط الاستنتاج»، الذي تسعى للوصول إليه مع «الولايات المتحدة»، لا سيما كما في حالة زيارة مودي المذكورة أعلاه إلى واشنطن». وللتدليل على إمكانية تحقيق مثل هذه النتيجة مستقبلًا، تمت الإشارة إلى أوجه التشابه في المبادئ التي تدعم العلاقات «الأمريكية-الهندية»، و«الأمريكية-الخليجية»، والتي في مقدمتها «المجال الأمني». وتقوم شراكة «واشنطن»، مع دول الخليج على «مبادئ الأمن البحري»، و«مكافحة الإرهاب»، و«الرغبة المشتركة في إقرار الاستقرار الإقليمي»، وردع العدوان من إيران». وبالمثل، كما أوضح «دانيال ماركي»، من «معهد الولايات المتحدة للسلام»؛ فإن «حجر الأساس للتعاون بين الولايات المتحدة والهند، يكمن في المصلحة المشتركة «لردع التحدي الإقليمي الصيني»، و«تحدي توسع نفوذها ووجودها العسكري في آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ومع ذلك، فإن هناك اختلافات رئيسية تُعيق قدرة دول الخليج على تبني أسلوبها الخاص على «نموذج الهند». وفي حين أن «الولايات المتحدة»، وحلفاءها الغربيين أسسوا وجودًا عسكريًا في الخليج، مع تمركز الأسطول الخامس الأمريكي في المنطقة، فإن القدرات الجوية والصاروخية هي مصدر رئيسي للردع ضد التهديدات الأمنية المباشرة لأعضاء مجلس التعاون. وفي المقابل، أشار «الترمان»، إلى أن «نيودلهي»، «لا تتطلب أي ضامن خارجي للأمن»، حيث إن «عدد سكانها الكبير واقتصادها وموقعها»، يوفر لها «ثقلًا استراتيجيًا موازنًا»، أمام خصومها الإقليميين. وعليه، توجد فجوة في التوقعات فيما يتعلق بالمشاركة الأمريكية بين حالتي الهند والخليج، بالإشارة إلى أن الأخيرة تظل حريصة على تأكيد «واشنطن»، لالتزاماتها الأمنية تجاه المنطقة.

ومع ذلك، فإن التاريخ الحديث للعلاقات الدبلوماسية الأمريكية الهندية، وإصرار الأخيرة القوي على عدم الانحياز يوفر طريقًا لدول الخليج لمحاكاتها إذا ما رغبت في ذلك. وعلى الرغم من قوة العلاقات بين «واشنطن»، و«نيودلهي» حاليًا، إلا أن هذا لم يكن كذلك قبل عقدين من الزمن. وكانت «نقطة الانعطاف»، في العلاقات الثنائية مع اختبار الأخيرة لخمس تجارب نووية عام 1998، وما تلاها من فرض عقوبات أمريكية. وبدلاً من مشاهدة تدهور العلاقات أكثر؛ أشار «ألترمان»، إلى كيف سعت «واشنطن»، بعد ذلك إلى «التقارب» مع «نيودلهي»، بدلاً من عزلها دوليًا، واحترام وضعها غير المنحاز. ومع ملاحظته بالمثل، كيف أن دول الخليج «ترغب في قبول الولايات المتحدة لعزمها على الخروج من منافسة القوى العظمى الدولية؛ فإن المثال الذي قدمته الهند في علاقاتها الدولية، يبين كيف يمكن استعادة التعاون من مرحلة متدهورة في العلاقات الثنائية، وفي ذات الوقت، بطريقة لا تخدم بشكل مباشر مصالح السياسة الخارجية لواشنطن فقط.

على العموم، فإنه في إطار رغبة دول الخليج للعمل دوليًا نحو استقلال أكبر لسياستها الخارجية عن الولايات المتحدة والتحالف الغربي الأوسع؛ فإن محاكاة «نموذج الهند» للعلاقات الدولية أمر مناسب بشكل كبير. ومع تبنيها عدم الانحياز القوي تجاه المنافسة بين القوى العظمى، تمكنت «الهند»، بالفعل من إقامة علاقات اقتصادية قوية مع الاقتصادات الكبرى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين. ومع ذلك، فإن تباين المواقف الاستراتيجية للهند ودول الخليج، والشراكة الأمنية الطويلة بين الأخيرة و«واشنطن»؛ تعني أن انعكاسًا مباشرًا لأساليب نيودلهي الدبلوماسية أمرا قد يكون غير محتمل.

وعلى الرغم من ذلك، هناك وسيلة لدول الخليج للحفاظ على العلاقات التجارية المفتوحة مع جميع القوى العظمى حتى في ظل المنافسة المتصاعدة بينها، وتجنب التشابكات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتحسين أهدافها السياسية الإقليمية والدولية؛ وذلك من خلال إقامة شراكات دولية متنوعة، وكما أن الهند مهيأة للاستفادة بشكل كبير من خلال التعاون مع جميع القوى الخارجية في نظام عالمي متعدد الأقطاب، يبدو أن الأمر نفسه ينطبق على دول الخليج.

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا