العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل الزراعة العضوية بدعة جديدة؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الخميس ١٣ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

الفلاح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يزرع‭ ‬الأرض‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬قوت‭ ‬يومه‭ ‬وغذاء‭ ‬أسرته،‭ ‬اتبَع‭ ‬نهجاً‭ ‬موروثاً‭ ‬مبنياً‭ ‬على‭ ‬تراكم‭ ‬وتجمع‭ ‬الخبرات‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬وعلى‭ ‬المعرفة‭ ‬والتجربة‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تعلمها‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد،‭ ‬فكانت‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬زراعة‭ ‬المحاصيل‭ ‬مستدامة‭ ‬ومثمرة،‭ ‬فتُعطي‭ ‬الأرض‭ ‬أكلها‭ ‬وثمرها‭ ‬طيباً‭ ‬سليماً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬ضارة‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬تربة‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬جودة‭ ‬وسلامة‭ ‬المحصول،‭ ‬أو‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وأمان‭ ‬جسمه،‭ ‬أو‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬فلا‭ ‬فساد‭ ‬لنوعية‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬ولا‭ ‬تدمير‭ ‬للمياه‭ ‬السطحية‭ ‬والجوفية،‭ ‬ولا‭ ‬ضرر‭ ‬لنظام‭ ‬التربة‭ ‬البيئي‭.‬

وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الزراعية‭ ‬الفطرية‭ ‬الذاتية‭ ‬والبسيطة‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬جدواها‭ ‬وفاعليتها‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬مُستندة‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬أسس‭ ‬كانوا‭ ‬ينفذونها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬المبادئ‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراءها‭ ‬وتثبت‭ ‬فوائدها‭. ‬فمن‭ ‬الممارسات‭ ‬الزراعية‭ ‬التقليدية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬نُطلق‭ ‬عليها‭ ‬الآن‭ ‬بالتدوير،‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬الاستخدام‭ ‬للمخلفات،‭ ‬وهي‭ ‬استخدام‭ ‬المخلفات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لتسميد‭ ‬التربة،‭ ‬ورفع‭ ‬خصوبتها،‭ ‬وإثرائها‭ ‬بالمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬العضوية‭ ‬وغير‭ ‬العضوية،‭ ‬مثل‭ ‬المخلفات‭ ‬الحيوانية‭ ‬والمخلفات‭ ‬العضوية‭ ‬أو‭ ‬الكمبوست‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬المزارع‭ ‬والحقول‭ ‬والمنازل‭. ‬وهذه‭ ‬جميعها‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬المخلفات‭ ‬العضوية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬المواد‭ ‬العضوية‭ ‬والمغذيات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬التربة،‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬التربة‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬الري‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬النبات‭ ‬فتُخفض‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬تسربها‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬التربة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تماسك‭ ‬التربة‭ ‬وقوة‭ ‬بُنيتها‭. ‬

كذلك‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬الزراعية‭ ‬التقليدية‭ ‬هي‭ ‬تجنب‭ ‬الحرث‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬الحرث‭ ‬تعني‭ ‬قلب‭ ‬التربة‭ ‬وبالتالي‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الميكروبي‭ ‬الحيوي‭ ‬للتربة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬أنواع‭ ‬البكتيريا‭ ‬والفطريات‭ ‬ككائنات‭ ‬دقيقة‭ ‬مجهرية‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬‮«‬ميكرو‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الديدان‭ ‬وغيرها‭ ‬ككائنات‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬‮«‬ماكرو‮»‬،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الحيوي‭ ‬الدقيق‭ ‬للتربة‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬خلل‭ ‬كبير،‭ ‬وقتل‭ ‬لهذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬النافعة‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬التربة‭ ‬ويستفيد‭ ‬منه‭ ‬المحصول‭ ‬النباتي،‭ ‬إذا‭ ‬قام‭ ‬الفلاح‭ ‬بعملية‭ ‬الحرث‭ ‬الميكانيكية‭ ‬الشديدة‭. ‬

ومن‭ ‬الممارسات‭ ‬والأساسيات‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬التقليدية‭ ‬أيضاً‭ ‬هي‭ ‬تدوير‭ ‬زراعة‭ ‬المحاصيل،‭ ‬أي‭ ‬تنويع‭ ‬المحصول‭ ‬النباتي،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أيضاً‭ ‬تنوعاً‭ ‬في‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬وفوق‭ ‬سطحها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬زراعة‭ ‬محاصيل‭ ‬أو‭ ‬نباتات‭ ‬سطحية،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬محاصيل‭ ‬الغطاء‮»‬‭ (‬cover‭ ‬crops‭) ‬لتغطية‭ ‬التربة‭ ‬ومنع‭ ‬تعريها‭ ‬وفقدان‭ ‬الطبقة‭ ‬السطحية‭ ‬الحيوية‭ ‬المشبعة‭ ‬بالمعادن‭ ‬والمغذيات‭ ‬العضوية‭ ‬وغير‭ ‬العضوية‭. ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬هذه‭ ‬النباتات‭ ‬السطحية‭ ‬التي‭ ‬تزرع‭ ‬بين‭ ‬فصول‭ ‬المحاصيل‭ ‬الغذائية‭ ‬هي‭ ‬منع‭ ‬نمو‭ ‬الأعشاب‭ ‬الضارة‭ ‬والآفات‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬المحصول‭ ‬الغذائي‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬النوعية‭ ‬والكمية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬جذورها‭ ‬تغذي‭ ‬التربة‭ ‬بالمواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬المغذية‭ ‬النافعة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭ ‬المحاصيل‭ ‬بعد‭ ‬زراعتها‭.   ‬

ولكن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬الزراعية‭ ‬الفطرية‭ ‬القديمة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتُشبع‭ ‬جشع‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لتشفي‭ ‬غليله‭ ‬نحو‭ ‬حبِ‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬والكسب‭ ‬السريع،‭ ‬ولذلك‭ ‬قامت‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬أساساً‭ ‬بهدف‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬والكبير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أخذ‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لأي‭ ‬أمور‭ ‬أخرى،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية،‭ ‬أو‭ ‬صحة‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬الربح‭ ‬الفاحش‭ ‬قامت‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬بتصنيع‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المنتجات‭ ‬النافعة‭ ‬والخيرة‭ ‬للبشرية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الفاسدة‭ ‬والمدمرة‭ ‬للبشرية‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها،‭ ‬فكانت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للإنسان‭ ‬وسلامة‭ ‬بيئته‭ ‬ومكوناتها‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استنزافها‭ ‬العميق‭ ‬للموارد‭ ‬والثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء‭.‬

ومظاهر‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتطرفة‭ ‬للعملية‭ ‬التنموية‭ ‬انكشفت‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬منذ‭ ‬بزوغ‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الأولى،‭ ‬وضحاياها‭ ‬البشرية‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬والمتقدمة‭ ‬صناعياً‭. ‬ففي‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬تدهور‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬بملوثات‭ ‬الدخان‭ ‬الأسود‭ ‬والغازات‭ ‬الحمضية‭ ‬مثل‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكبريت‭ ‬وثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬النيتروجين،‭ ‬فنزلت‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬أمطار‭ ‬حمضية‭ ‬أهلكت‭ ‬الحرث‭ ‬والنسل‭ ‬والحجر‭ ‬والشجر،‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬كوارث‭ ‬تدهور‭ ‬مياه‭ ‬البحيرات‭ ‬والأنهار‭ ‬وتسمم‭ ‬آلاف‭ ‬الناس‭ ‬بالمخلفات‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصرف‭ ‬فيها،‭ ‬وظهور‭ ‬أمراض‭ ‬غريبة‭ ‬لم‭ ‬يعرفها‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬كمرض‭ ‬ميناماتا‭ ‬وإتاي‭ ‬إتاي‭ ‬في‭ ‬اليابان‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬بانبعاثات‭ ‬السيارات‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء‭ ‬وانكشاف‭ ‬ظاهرة‭ ‬الضباب‭ ‬الضوئي‭ ‬الكيميائي،‭ ‬وبعدها‭ ‬تدهورت‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬السماء،‭ ‬ووقعت‭ ‬الكارثة‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلاً‭ ‬وهي‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وتداعياتها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬ومياه‭ ‬البحار،‭ ‬وارتفاع‭ ‬حموضتها،‭ ‬ووقوع‭ ‬الفيضانات‭ ‬وحرائق‭ ‬الغابات‭ ‬والموجات‭ ‬الحرارية‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

وهذه‭ ‬السياسة‭ ‬المعوقة‭ ‬غير‭ ‬المتبصرة‭ ‬التي‭ ‬اتبعها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬كافة‭ ‬القطاعات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬غيَّر‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬القديمة‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬ممارسات‭ ‬تهدف‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬الإنتاج‭ ‬الكبير‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬وبأقصى‭ ‬سرعة‭ ‬ممكنة‭ ‬لجني‭ ‬الأموال‭ ‬الطائلة،‭ ‬فالإسراف‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬رفع‭ ‬وزيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬من‭ ‬الأسمدة‭ ‬الكيميائية،‭ ‬كاليوريا‭ ‬والأمونيا‭ ‬والفوسفور‭ ‬والبوتاسيوم،‭ ‬وكافة‭ ‬أنواع‭ ‬المبيدات،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬مبيدات‭ ‬للأعشاب‭ ‬أو‭ ‬الحشرات‭ ‬أو‭ ‬الطفيليات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬الآليات‭ ‬والمعدات‭ ‬الضخمة‭ ‬والثقيلة‭ ‬التي‭ ‬لوثت‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬نوعاً‭ ‬وكماً‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والمتعجلة‭ ‬انعكست‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬جوانب‭ ‬حيوية،‭ ‬منها‭ ‬تدهور‭ ‬صحة‭ ‬المحاصيل‭ ‬التي‭ ‬تشبع‭ ‬بعضها‭ ‬بالمبيدات‭ ‬الحشرية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الإضرار‭ ‬بصحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وسلامته‭ ‬وتعريضه‭ ‬للإصابة‭ ‬بالأمراض‭ ‬المستعصية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬السرطان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬المحصول‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬غناه‭ ‬وقيمته‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬كالمعادن،‭ ‬والفيتامينات،‭ ‬والمواد‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬الالتهابات،‭ ‬والأمراض‭ ‬المزمنة،‭ ‬ومضادات‭ ‬الأكسدة‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تبني‭ ‬سياسة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الغزير‭ ‬والكبير‭ ‬والسريع‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التدمير‭ ‬الممنهج‭ ‬للنظام‭ ‬البيئي‭ ‬للتربة‭ ‬وخصوبتها‭ ‬ونوعيتها،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬الحيوي‭ ‬الميكروبي،‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬المتعلق‭ ‬بدورة‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬العضوية‭ ‬وغير‭ ‬العضوية‭. ‬

فكل‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬والبيئة‭ ‬فرضت‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الناس،‭ ‬ودعوا‭ ‬إلى‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الزراعة‭ ‬القديم‭ ‬والتقليدي،‭ ‬وأطْلقُوا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬‭ ‬بالزراعة‭ ‬العضوية،‭ ‬أو‭ ‬الزراعة‭ ‬المستدامة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬عامة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬المستدامة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الجانبين‭ ‬البيئي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬عند‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬مشروع‭ ‬تنموي‭. ‬ففي‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬أو‭ ‬المدخل‭ ‬المستدام‭ ‬إلى‭ ‬الزراعة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬امتداد‭ ‬للنظام‭ ‬الزراعي‭ ‬التقليدي‭ ‬القديم،‭ ‬وليس‭ ‬بدعة‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬ابتكاراً‭ ‬حديثاً‭ ‬كليا‭ ‬أدخله‭ ‬الناس‭ ‬الآن‭. ‬

ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الزراعة‭ ‬العضوية‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬المبيدات‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها،‭ ‬وعدم‭ ‬استخدام‭ ‬الأسمدة‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬خصوبة‭ ‬التربة‭ ‬ونظامها‭ ‬البيئي،‭ ‬وتجنيبها‭ ‬شر‭ ‬الملوثات‭ ‬العضوية‭ ‬وغير‭ ‬العضوية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬القيمة‭ ‬الغذائية‭ ‬للمحصول‭ ‬الزراعي‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬المعادن‭ ‬والفيتامينات‭ ‬والمواد‭ ‬الأخرى‭ ‬المفيدة‭ ‬للإنسان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬تعريض‭ ‬المحصول‭ ‬لأي‭ ‬ملوثات‭ ‬خارجية‭ ‬تضر‭ ‬بصحة‭ ‬المحصول‭ ‬وجودته،‭ ‬وتنعكس‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭.  ‬

ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬هناك‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬بشقيه‭ ‬الزراعة‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والزراعة‭ ‬العضوية‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬وهي‭ ‬جودة‭ ‬مياه‭ ‬الري‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬وصحة‭ ‬المحصول‭. ‬فالمياه‭ ‬تدهورت‭ ‬نوعيتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬فمياه‭ ‬الأمطار‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صافية‭ ‬ونقية‭ ‬وخالية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ملوثات‭ ‬بشرية،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬حمضية‭ ‬وملوثة‭ ‬بالمواد‭ ‬الكيميائية،‭ ‬ومياه‭ ‬البحيرات‭ ‬والأنهار‭ ‬لم‭ ‬تخل‭ ‬من‭ ‬الملوثات،‭ ‬والمياه‭ ‬الجوفية‭ ‬تسربت‭ ‬إليها‭ ‬الملوثات‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬التربة،‭ ‬حتى‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صحية‭ ‬أصابها‭ ‬داء‭ ‬التلوث‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬البيئة‭ ‬العالمية‮»‬‭ (‬Environment‭ ‬International‭) ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2023‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المركبات‭ ‬العضوية‭ ‬متعددة‭ ‬الفلورين‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الصنبور‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬جَمعتْ‭ ‬الدراسة‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬في‭ ‬716‭ ‬موقعاً‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45%‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬جودة‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عذبة‭ ‬زلالا‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الملوثات،‭ ‬فكيف‭ ‬ستكون‭ ‬جودة‭ ‬مياه‭ ‬الري؟

فهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬والري‭ ‬تجعل‭ ‬الادعاء‭ ‬بوجود‭ ‬زراعة‭ ‬عضوية‭ ‬مستدامة‭ ‬غير‭ ‬واقعي،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬جداً‭ ‬بلوغه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬تشبع‭ ‬بالملوثات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬بعيدة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬قريبة‭. ‬

 

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا