العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب من أجل لا شيء!

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ١٤ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

يشعر‭ ‬المرء‭ ‬بالكآبة‭ ‬حين‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭. ‬وحين‭ ‬يتذكر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬عادلة‭ ‬يزداد‭ ‬كآبة،‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬لا‭ ‬تسحق‭ ‬الأبرياء‭. ‬العدالة‭ ‬لا‭ ‬تدمر‭ ‬المدن‭. ‬وأخيرا‭ ‬العدالة‭ ‬لا‭ ‬تنهي‭ ‬أسباب‭ ‬العيش‭.‬

في‭ ‬السودان‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬وفي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭. ‬فاجأ‭ ‬السودان‭ ‬العالم‭ ‬بحربه‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬تلك‭ ‬المفاجأة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كوقع‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬للأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متوقعا‭.‬

يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬باعتبارها‭ ‬عبثا‭ ‬عابرا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬خارج‭ ‬أوروبا،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يطيق‭ ‬عبثها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أوروبا‭ ‬منطقة‭ ‬ساخنة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬المعاصرة‭. ‬أما‭ ‬لماذا‭ ‬اختارها‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الغربي‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬كذلك،‭ ‬فذلك‭ ‬هو‭ ‬اللغز‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬تفكيك‭ ‬أسراره‭ ‬بكآبة‭.‬

قبل‭ ‬السودان‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وسوريا‭. ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الحربان‭ ‬قائمتين‭. ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬مليشيات‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحرب‭. ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬تشن‭ ‬إسرائيل‭ ‬حربا‭ ‬محدودة‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬فلسطينية‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬للسلم‭ ‬العالمي‭.‬

وحدها‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هزت‭ ‬شباك‭ ‬السلم‭ ‬العالمي‭. ‬أليس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التمييز؟‭ ‬

حتى‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬هناك‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬حرب‭ ‬وأخرى،‭ ‬بحسب‭ ‬المنطقة‭ ‬وبحسب‭ ‬الدول‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المصالح‭ ‬تتراجع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تلك‭ ‬المقارنة‭ ‬الظالمة‭.‬

‭ ‬شعوب‭ ‬تتم‭ ‬التضحية‭ ‬بها‭ ‬وليس‭ ‬مهمّا‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬مجازر‭ ‬بشرية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬بعينها‭ ‬تحت‭ ‬أنظار‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬برواندا‭. ‬

حرب‭ ‬أهلية‭ ‬تليها‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬جنسها‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬المهمل‭ ‬عن‭ ‬قصد‭. ‬حين‭ ‬وقعت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خُطط‭ ‬لها‭ ‬إقليميا‭ ‬ودوليا‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والقوات‭ ‬الدولية‭ ‬المتحالفة‭ ‬معها‭ ‬تراقب‭ ‬المشهد‭ ‬الدموي‭ ‬وتمتنع‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬القتل‭.‬

يخون‭ ‬العالم‭ ‬ضميره‭ ‬حين‭ ‬يكتفي‭ ‬بقراءة‭ ‬الحرب‭ ‬باعتبارها‭ ‬حدثا‭ ‬سياسيا‭. ‬وتلك‭ ‬قسمة‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭. ‬فالحرب‭ ‬ليست‭ ‬الأراضي‭ ‬الصماء‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭. ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬هزيمة‭ ‬جيش‭ ‬وانتصار‭ ‬جيش‭. ‬هي‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وبعده‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬قيمة‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الحق‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للجغرافيا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بديلة‭ ‬للإنسانية‭.‬

الحرب‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬هي‭ ‬القتل‭ ‬والدمار‭ ‬والخراب‭ ‬والفظاعات‭ ‬والهمجية‭ ‬والوحشية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتخندق‭ ‬ضد‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬ويسلب‭ ‬الإنسان‭ ‬إرادة‭ ‬الخير‭ ‬وقوة‭ ‬البناء‭ ‬الحضاري‭. ‬

فما‭ ‬الذي‭ ‬ربحه‭ ‬الأمريكان‭ ‬العاديون‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وتدميره‭ ‬وإشاعة‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬بنيته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الأقسى‭ ‬هو‭ ‬‮«‬ما‭ ‬الذي‭ ‬ربحه‭ ‬العراقيون‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يأملون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬الغزو‭ ‬طريقهم‭ ‬إلى‭ ‬الحرية؟‮»‬‭. ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬محرجا‭ ‬لمَن‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬مكانا‭ ‬وسط‭ ‬الكتل‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬السفلي‭ ‬لتمارس‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬ذروته،‭ ‬وتنهب‭ ‬ثروات‭ ‬بلد‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬لون‭ ‬ولا‭ ‬طعم‭ ‬ولا‭ ‬رائحة‭. ‬لا‭ ‬يُوصف‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬بالرجل‭ ‬المريض،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬شبح‭ ‬دولة‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬بعد‭ ‬شرف‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭.‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬غزت‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬هناك‭ ‬كانت‭ ‬واضحة‭ ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وأن‭ ‬تجمع‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬عداء‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬لروسيا‭ ‬ولرئيسها‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬شخصيا،‭ ‬ولكن‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬كانت‭ ‬حروبا‭ ‬متلاحقة،‭ ‬حرب‭ ‬تلد‭ ‬أخرى‭. ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬تضع‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬كلما‭ ‬شعرت‭ ‬بالخطر‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬الشعب‭ ‬سوى‭ ‬الشعور‭ ‬بالخطر‭.‬

وقريبا‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬هناك‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭. ‬دولتان‭ ‬مزقتهما‭ ‬حروب‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭. ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ (‬1975‭ ‬ــ‭ ‬1990‭)‬؟‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬هو‭ ‬وليد‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬بالقوة‭ ‬نفسها‭. ‬مليشيا‭ ‬إيرانية‭ ‬تشعل‭ ‬حربا‭ ‬كلما‭ ‬شعرت‭ ‬إيران‭ ‬بالضيق‭. ‬ولأن‭ ‬الزمن‭ ‬زمن‭ ‬حرب‭ ‬فقد‭ ‬كرّست‭ ‬تلك‭ ‬المليشيا‭ ‬وجودها‭ ‬داخل‭ ‬لبنان‭ ‬لتضع‭ ‬اللبنانيين‭ ‬أمام‭ ‬خيارين‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما،‭ ‬إما‭ ‬القبول‭ ‬بهيمنته‭ ‬وإما‭ ‬الحرب‭. ‬وليست‭ ‬الحرب‭ ‬السورية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬لبنان‭. ‬فالحرب‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭. ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬العالم‭ ‬لتلك‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحوّلت‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الحاكم‭ ‬والمحكوم‭ ‬إلى‭ ‬نزاع‭ ‬دولي‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬نفوذ‭ ‬دفع‭ ‬السوريون‭ ‬حياتهم‭ ‬ثمنا‭ ‬لها‭.‬

هناك‭ ‬اليوم‭ ‬مَن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭. ‬ولمَ‭ ‬لا؟‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬الأمريكان‭ ‬والأوروبيون‭ ‬هو‭ ‬حجم‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬نفسها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنهاك‭ ‬روسيا‭. ‬ستكون‭ ‬الحرب‭ ‬نافعة‭ ‬دائما‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لا‭ ‬شيء‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا