العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الفوضى تعم فرنسا من جديد

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ١٥ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬مظلم‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬كيف‭ ‬الخروج‭ ‬منه،‭ ‬فهذا‭ ‬البلد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الكبير‭ ‬والمهم‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬فمنذ‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬أيام‭ ‬الرئيس‭ ‬ساركوزي‭ ‬ودوامة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والانتفاضات‭ ‬والعنف‭ ‬والاضطرابات‭ ‬لا‭ ‬تنقطع‭ ‬سواء‭ ‬ضد‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬وواسعة‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬والخاص‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬المواطنين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬وعلى‭ ‬وضعهم‭ ‬الوظيفي‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬فرنسا‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬منع‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فبعد‭ ‬انتفاضة‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭ ‬جاءت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬قانون‭ ‬التقاعد‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬البرلمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬رغم‭ ‬المعارضة‭ ‬الشديدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النقابات‭ ‬والعمال‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬حادثة‭ ‬اغتيال‭ ‬الشاب‭ ‬الجزائري‭ ‬نائل،‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬سنة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬جزائري‭ ‬وأم‭ ‬مغربية‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬في‭ ‬تصرف‭ ‬غير‭ ‬عقلاني‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬الفرنسية‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬توقيف‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬وهو‭ ‬يقود‭ ‬سيارة‭ ‬مستأجرة‭ ‬للتفتيش‭ ‬واتضح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬رخصة‭ ‬سياقة،‭ ‬بحسب‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يلتزم‭ ‬الشاب‭ ‬بأوامر‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬للوقوف‭ ‬وحاول‭ ‬السير‭ ‬لتقوم‭ ‬الشرطة‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬نانتير‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس‭ ‬فأردته‭ ‬قتيلا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬إن‭ ‬سجل‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬سوابق‭ ‬جنائية‭ ‬بحسب‭ ‬الجهات‭ ‬الأمنية‭ ‬الفرنسية‭.‬

حادثة‭ ‬اغتيال‭ ‬الشاب‭ ‬نائل‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الأعداد‭ ‬تجاوزت‭ ‬المليون‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس‭ ‬وبقية‭ ‬المدن‭ ‬الفرنسية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬استنكارهم‭ ‬وشجبهم‭ ‬لهذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬حيث‭ ‬تحولت‭ ‬العاصمة‭ ‬والمدن‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬للمنازلة‭ ‬بين‭ ‬المحتجين‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬الشاب‭ ‬الجزائري‭ ‬نائل‭ ‬بسلاح‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬الفرنسية‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وقوات‭ ‬الشرطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬البالغ‭ ‬عددها‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬شرطي،‭ ‬وزعوا‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬والمناطق‭ ‬الفرنسية‭ ‬منهم‭ ‬7000‭ ‬آلاف‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬باريس‭ ‬وضواحيها‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬تؤكد‭ ‬عمق‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬فرنسا‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬المعاملة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المهاجرون‭ ‬واللاجئون‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬أتوا‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬المستعمرات‭ ‬الفرنسية‭ ‬السابقة،‭ ‬تحديدا‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والذين‭ ‬استقروا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬بسبب‭ ‬النظرة‭ ‬العنصرية‭ ‬إليهم‭.‬

لقد‭ ‬أتى‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬الايدي‭ ‬العاملة‭ ‬لتشغيل‭ ‬المصانع‭ ‬والمعامل‭ ‬الصناعية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وتوافد‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬والمهاجرين‭ ‬ليسهموا‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بالصناعة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وتزوجوا‭ ‬وأنجبوا‭ ‬الأبناء‭ ‬والبنات‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬ويحملون‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية‭ ‬ولم‭ ‬يعرفوا‭ ‬وطنا‭ ‬غير‭ ‬فرنسا‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يحظوا‭ ‬بالرعاية‭ ‬اللازمة‭ ‬ولا‭ ‬بالمظلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العادلة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الضواحي‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬الفرنسيون،‭ ‬حيث‭ ‬الإهمال‭ ‬والفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬والضياع‭ ‬واليأس‭ ‬وانتشار‭ ‬المخدرات‭ ‬والجريمة‭ ‬وانعدام‭ ‬الأمن،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬حادثة‭ ‬اغتيال‭ ‬الشاب‭ ‬نائل‭ ‬إلى‭ ‬منازلة‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬المحتجين‭ ‬ورجال‭ ‬الشرطة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬اليأس‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬هي‭ ‬الأخطر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬والأكبر‭ ‬في‭ ‬حجمها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬وتداعياتها،‭ ‬حيث‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬توقيف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1300‭ ‬شخص‭ ‬وإصابة‭ ‬45‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الشرطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بجروح‭ ‬وإضرام‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬عربات‭ ‬الشرطة‭ ‬وتكسير‭ ‬المباني‭ ‬ونهب‭ ‬المتاجر‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬والمجمعات‭ ‬والبنوك‭ ‬وخسائر‭ ‬قدرت‭ ‬بالمليارات‭ ‬من‭ ‬الفرنكات‭.‬

إذن‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬فرنسا‭ ‬تؤكد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعيات‭ ‬لتتواكب‭ ‬مع‭ ‬تركيبة‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المهاجرين‭ ‬والوافدين‭ ‬ولتوفير‭ ‬الظروف‭ ‬المناسبة‭ ‬لإدماجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬نظرة‭ ‬عنصرية‭ ‬رغم‭ ‬مساهمتهم‭ ‬الفعالة‭ ‬والكبيرة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬فرنسا‭. ‬ويكفي‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نلقي‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬على‭ ‬المنتخب‭ ‬الفرنسي‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬وإنجازاته‭ ‬لندرك‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬للوافدين‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنجازات‭ ‬لفرنسا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬التيار‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وفوزه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ومحاولته‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬فرنسا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا