في الوقت الذي نستميت فيه بالدفاع عـن أهميـة الكتاب الورقـي وأنـه «لــن» ينتهـي كوعــاء حاضن للثقافة والأدب والعطاء الحضاري الإنساني، فقد قطعت التكنولوجيا أشواطـًا خرافيـة رهيبــة في تعدد وسائلـها وسهلت على قراصنـة الشبكة إتاحـة مؤلفات الأدباء على شكـل نسخ مجانيـة منتشرة ومن السهل الوصول إليها بكبسـة زر!
حقيقيـة الوضع الصعب والراهـن الذي نعيشـه الآن للأسف لا يلقــى الحلول التي تعالج حـرج المأزق العويص من سـرقات للملكـية الأدبية يتكبـد خسارتها بالأساس الكاتب المحلي أو العربي الذي (يسلخ من جلده كيما ينشر مصنفه الأدبي) وقبل أن يتمكـن من تصريف كتابـه عـند المكتبات في السوق ، تحل عليـه لعنـة القراصنة الذين يسرقون جهـده في وضـح النهار!
الأكثر فداحـة في مثل هذا الوضع التعس، منتدى إلكتروني «يدعي «أهمية الثقافة وضرورة دعــم الكاتب العربي بعدما قام بقرصنة روايـة من كاتبها وقدمها مجانـًا للقراء حول العالم العربي وكـل الكون، ألصق نصيحـة سمجـة في نهاية الكتاب ليبرر فعل السرقـة التي نفذها، يشير فيها لعموم القراء.. «في حال أعـجبتك الرواية قُــم بشراء الرواية لتدعـم الكاتب»!
ماذا يمكن أن يُـقال في هكذا تصرف غـريب من قراصنـة الكتب غـريبيّ الأطـوار، ليس من المستغرب تكـدس الكتب في المكتبات ومعارض الكتاب، حيث درجت الجماهير على الفرجـة المجانية، بكبسـة زر يستطيع المـرء الحصول على أي كتاب وهنا لا أحـد يدفع فواتير الخسارة غير الناشر والمؤلف، وهذا الأخير كتبـه تظل مكدسـة لديـه ويأتيه من الناس من يلومـه بعدها غير مكترثٍ بمشاعـره أو يضع له أي اعـتبار في المسألة.. (يا أستاذ الكتابة لا تـؤكلك خبـزًا)!
بالنتيجـة.. وزارات الثقافة والإعلام في الوطـن العربي مطالبـة اليوم بتحديث البنيـة القانونيـة الكفيلة بحماية المنتج الثقافي العربي من اللصوصية التي لا يمكن تركها على هذا الحال تصادر من المؤلف والناشر العربي حقوقهما بهذا الشكـل التعـسفي، لا بد أن هناك آليات عمـل محددة عن طريقها يمكن تشريع قوانين جديدة تتصدى لمثل هذا الوضع وتحد على الأقل من القرصنة التي وصلت إلى حـد تحويل كتب مؤلف بحريني (......) لملفات صوتية وبيعها من دون عـلمـه والتكسب من وراء ظهره؟!
إن مواكبـة تحديات العصر باتت ضرورية في جميع المجالات فكيف الحال ونحن نتحدث عن حقوق الملكيـة الفكرية في شقها المرئي والسمعي والتي شاهدنا لها بعض الغارات التي شنتها عناصر رسميـة متخفيـة ذات يوم في سوق شعبي، حيث صادرت «بسطـات» تبيع الأفلام والمسرحيات وغيرها من المصنفات الفنيـة المنسوخـة، تنفيـذًا للقانون.
فماذا عـن الكتاب الورقي من يحمي وجـوده من القرصنة؟ متى يتعلم المجتمع أن الكتاب ينبغي أن يكـون سلعـة ثقافيـة لها تقديرها واحترامها؟ مرة أخرى وزارات الإعلام والثقافة العربية يترتب عليها مخاطبـة (غـوغـل، مايكروفست، آبـل، يوتيوب، فيسبوك) وغيرها من المواقع الإلكترونية ومحركات البحث على الشبكـة بضرورة وقف هذا العبث وعـدم تقديـم العون لهؤلاء اللصوص الذي وصل بهم الأمـر سهولة قرصة أي منتج فكري أو أدبي حتى قبل مضي عـام واحد على الطبعة الأولى من الكتاب!
نحتاج إلى تحرك سريع بهذا الخصوص وإلا فسنجد هؤلاء الكتاب والمثقفين بمختلف توجهاتهم وقاماتهم يعزفون عن الكتابة والتأليف وهذا «متوقع» لكون الثقافة وفـق خسائر الواقع الذي نمر في جحيمـه اليوم باتت غـير ذات جدوى على المدى البعيـد، وخصوصا أن الكاتب في الوطن العربي كما هو مألوف (دائمـًا ما يموت معـدمـًا في نهاية المطاف) كتحصيل حاصل فلا تزيدوه هـمـًّا وتحاصرونه بالمزيد من الغربـة، ففيـه ما يكـفيــه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك