بعد نجاحٍ جماهيري كسر حاجز العشرينَ عرضًا لمسرحية «آخر حبَّة» في عيد الفطر؛ أطلَّ فريق «مافيا سكراب» المسرحي على جمهوره بمسرحيَّة «السالفة ضايعة» لتكون في مُقدِّمة خياراتهم خلال عيد الأضحى المُبارك، ويعود ازدحام شُباك التذاكِر مُجددًا ليؤكد إعلان الفن المسرحي البحريني عن ظاهِرة نادرة لم يكُن لها أن تولد بمثل هذا التألُّق لولا اكتشاف هذا الفريق تركيبة فنيَّة سريَّة قادرة على إغراء الجمهور بالخروج من منزله ودفع سعر التذكرة ليجلس على مقعده مصوبًا بصره بانجذابٍ ملحوظ نحو ما يدور على خشبة المسرح.
هذه التركيبة الفنيَّة استحقَّت مُحاولة كشف أسرار نجاحها بزيارة مسرح مركز المُحرق النموذجي خلال إحدى ليالي العرض، وقبل رفع السِّتار بدقائق صادفنا مُخرج المسرحيَّة وكاتب نصِّها «حسن الإسكافي» الذي رحَّبَ بمُلحق «أخبار الخليج» الثقافي، وردَّ على اسئلتنا بروحٍ فنيَّة عالية رغم كونه في عجلةٍ من أمره للحاق بمسرحيَّته، فأبدى عن وُجهة نظره التي ترى أن «أهم أسباب نجاح هذا الفريق -بعد التوفيق الإلهي- تحقيق المُعادلة التي يحبها الجمهور بتقديم عملٍ يجمع بين الكوميديا والفكرة الجذابة والإيقاع مع البعد عن التعقيد والتكلُّف وعدم إغفال اللمسة الإبداعيَّة» وأضاف: لا ننسى أيضًا دور الفنانين الذين يُقدمون العمل بأفضل صورة تصل إلى جمهورنا، إذ أن من أهم أسباب نجاح المجموعة طاقم العمل، لذا كُنا حريصين على تكوين فريق مُتناغم، مُتحاب، يُساعد أفراده بعضًا بعيدًا عن الأناينة؛ وهو ما تمكنَّا من تحقيقه في مجموعة «مافيا سكراب».. وعن تفضيله كتابة نصوص المسرحيَّات التي يُخرجها فقد قال: «إذا أتينا بنصٍ مسرحي وقدمناه إلى عدد من المُخرجين فكل منهم سيُخرجه على المسرح بصورة مُختلفة عن الآخر، لذا فإذا أخذت أي نص سأضطر لإعادة إعداده من جديد وفقَ رؤيتي الإخراجيَّة؛ وباعتباري ممن يُفضلون الحرص على أداء الممثل وإيقاع العمل مع جُرعة الكوميديا السريعة والرسائل الهادفة غير المُباشِرة فقد اخترتُ كتابة النص الذي يُعبِّر عن رؤيتي كمُخرِج منذ البداية».
انطلقَ المُخرِج إلى مسرحيَّته لتدق لحظة الصفر ويُرفع الستار عن «السالفة ضايعة» التي قُدمت للمُشاهدين في خمس لوحاتٍ كوميدية: الأولى تُلقي الضوء على بعض المُفارقات بين طبقات المُجتمع الثرية والفقيرة ومُدعية الثراء عبر التشبث بالمظاهر الكاذبة، والثانية تجمع بين ثلاثة من رجال الأعمال الذين يُمثلون نماذج واقعية مُختلفة من أطياف المُجتمع البحريني، والثالثة عن بضع سيدات يُمثلن شخصيَّات تشير إلى تنوع أطياف المُجتمع يقعن في فخ الوعود الكاذبة لسيدة تمتاز بالنفوذ واللسان المعسول، أمَّا الرابعة فقدمت صورة لمُشكلات أُسريَّة طريفة بين زوج وزوجته من عامَّة المُجتمع، وأخيرًا جاءت اللوحة الخامسة لتصور مواقف من الدهشة والذهول يعيشها لص بعد دخوله منزل مليء بالأحداث غير المُتوقعة! في كل لوحة من اللوحات يتجلَّى مزج الأحداث بالطابِع المحلي البحريني، فتنوُّع اللهجات المحليَّة في اللوحة الواحدة يأسر السامِع، ومرور اسماء أماكن مألوفة للإنسان البحريني مثل: «كفتيريا الغروب/ مقهى حاجي/ مأتم أبو السادة/ مسجد كانو.. إلخ» يجعل الحوار أكثر دفئًا وقُربًا من مشاعر المُعتادين على ارتياد تلك المعالم الجُغرافية ذات البصمة المؤثرة في ذاكرتهم، كما أن الإشارة إلى بعض هموم المواطن البحريني التي تُشكل جانبًا من حديث الشارع مثل: «رفع مستوى معيشة الفرد/ البطالة/ انتظار بيوت الإسكان/ الوعود غير المُنجزة من بعض الجهات المسؤولة.. جعل من حوار المسرحيَّة صوتًا للناس ولسانًا ينطق عن بعض ما يجول بأذهانهم وتعبيرًا عن خلجات نفوسهم، كل هذا في قالبٍ من الطرافة المُحببة الى النفس والشهيَّة للذائقة أبدع في تقديمه كل من الممثلين: حسن محمد، سلوى الجراش، جعفر الساري، البسام علي، بو دانه، وفاء مكي، جعفر التمار، بأزياء ومكياج: صديقة الأنصاري».
أعلن الجمهور بتردد اصداء ضحكاته وحرارة تصفيقه عن نجاح المسرحيَّة قبل إسدال ستار الخِتام، ومع أن النجم «حسن محمد» المُلقب بـ«الجوكر» في مجال التمثيل باعتبار موهبته «ورقة رابحة» في كُل الأدوار كان مُرهقًا بعد تأدية خمس شخصيات مُختلفة على المسرح؛ إلا أنهُ رحَّب بأسئلة مُلحق «أخبار الخليج» الثقافي، لكنهُ كان حريصًا قبلها على تلبية رغبات بضعة أطفال كانت تطل رؤوسهم الصغيرة نحو الردهة التي يتوقعون خروجه منها بينما يتهامسون بترقُّب: «أين حسن محمد»، «أريد التقاط صورة مع حسن»، واكتشفنا أن من مبادئه «الأطفالُ أوَّلاً»؛ باعتبار الطفل يمتاز بإعجاب نقي صادق خالٍ من الشوائب لفنانه المُفضل، ولا بد من مُراعاة مشاعره المُرهفة سريعة التأثر، وأعرب عن تقديره لجمهوره قائلاً: «محبة الناس ووجودهم تهوِّن علينا ما نبذله من جُهد جسدي ونفسي لظهور المسرحية في أجمل صورة. جمهورنا الغالي شرَّفنا بحضوره من مُختلف مدن وقرى البحرين، إضافة إلى الجمهور القادم من خارج البحرين كالسعودية والإمارات والكويت وقطر وعُمان، هذا الجمهور الذي قطع الطريق لدعمنا والوقوف معنا بحضوره يستحق منَّا تقديره ومُلاقاته بابتسامة حتى آخر شخص يرغب برؤيتنا».. وعن سؤالنا إياه بشأن مُلاحظة روح الممثل «حسن محمد» ظاهرة في نصوص بعض الشخصيَّات التي أداها؛ ما يجعلنا نتساءل عمَّا إذا كان قد أضاف بعض الأفكار إلى نصوص الشخصيات التي مثَّلها أجاب: «لدي تجربة كتابة لوحات لأكثر من مسرحية، كما أنني كتبت مسرحية كاملة عنوانها: «وين ما نطقها عوية» من إنتاج الفنانة سعاد علي والفنانة ابتسام عبدالله، لذا أكون مسرورًا بإضافة بعض لمساتي الذاتيَّة واجتهاداتي ورؤيتي الخاصة على كُل شخصية أُمثلها بعد الاتفاق مع المُخرِج»، وعن سر نجاحه في تأدية الشخصيات بذاك الإقناع الذي يخطف أنفاس الجمهور كان جوابه: «كل شخصية تحتاج تدريب وتقمُّص، وأنا ممن يحرصون أشد الحرص على دعم ذلك بلغة الجسد وطريقة الصوت، وأتدرَّب على طريقة كلام ولهجة وحركات كل شخصية وأنتقي ملابسها بعناية ليصل تأثيرها بأفضل صورة للمُشاهدين».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك