العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في نتائج قمّة حلف «الناتو»

بقلم: هاني عوكل {

الثلاثاء ١٨ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

مخطئ‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬دولتين،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬أبعاد‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬الصراع،‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬يديرها‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬ويسعى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حرباً‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭.‬

حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اجتمع‭ ‬أعضاؤه‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬ليتوانيا‭ ‬تحت‭ ‬تشديدات‭ ‬أمنية‭ ‬مكثفة،‭ ‬واصل‭ ‬نفس‭ ‬النهج‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬الذي‭ ‬سلكه‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أواخر‭ ‬فبراير‭ ‬2022،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬استكمال‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬لكييف،‭ ‬والسعي‭ ‬للتمدد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭.‬

جديد‭ ‬اجتماع‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬جاء‭ ‬بموافقة‭ ‬تركيا‭ ‬أخيراً‭ ‬وبعد‭ ‬مفاوضات‭ ‬أمريكية‭ ‬وأوروبية‭ ‬مع‭ ‬أنقرة،‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬السويد‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬لحلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬محاولة‭ ‬لتطويق‭ ‬النفوذ‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأوروبا‭ ‬تحديداً‭.‬

مشكلة‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭ ‬الذي‭ ‬يستعجل‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬يشكل‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المنافذ‭ ‬المائية‭ ‬لقواتها‭ ‬البحرية‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وباقي‭ ‬البحار،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬طول‭ ‬شريطها‭ ‬الساحلي‭ ‬المطل‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭ ‬بحوالي‭ ‬140‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬فإنه‭ ‬شريان‭ ‬حياة‭ ‬رئيسي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصادرات‭ ‬وحركة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬الروسية‭.‬

ترتيبات‭ ‬انضمام‭ ‬السويد،‭ ‬وقبلها‭ ‬التحاق‭ ‬فنلندا‭ ‬بركب‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬جعلا‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭ ‬بحراً‭ ‬تابعاً‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬هذا‭ ‬عدا‭ ‬إطلاق‭ ‬المناورات‭ ‬البحرية‭ ‬العسكرية‭ ‬لدول‭ ‬الحلف‭ ‬لعسكرة‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭ ‬وزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬السفن‭ ‬المرابطة‭ ‬فيه‭ ‬لحوالي‭ ‬30‭ ‬سفينة‭ ‬بعد‭ ‬حادثة‭ ‬إعطاب‭ ‬أنابيب‭ ‬غاز‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬الروسي‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬جداً‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬لأن‭ ‬موسكو‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سيعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬تفوق‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الخارطة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬لأوروبا‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والأمنية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭.‬

قمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬عكست‭ ‬رغبة‭ ‬جامحة‭ ‬لدى‭ ‬دوله‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬النفوذ‭ ‬الروسي‭ ‬بهدوء‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬صدام‭ ‬مباشر،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬طالبت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بإلحاقها‭ ‬في‭ ‬قاطرة‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬العضوية،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ضمانات‭ ‬أو‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬مرتبط‭ ‬بموعد‭ ‬انضمامها‭.‬

الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬حسم‭ ‬موضوع‭ ‬عضوية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مآلات‭ ‬الحرب،‭ ‬وهذا‭ ‬يشي‭ ‬بأن‭ ‬واشنطن‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تأخذ‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬خصوصاً‭ ‬احتمالات‭ ‬توسع‭ ‬الحرب‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬نووية‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬فعله‭ ‬وكذلك‭ ‬مجموعة‭ ‬السبع،‭ ‬هو‭ ‬مواصلة‭ ‬تقديم‭ ‬حزم‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لمنع‭ ‬تقهقر‭ ‬كييف،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬مطالب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬بشأن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬معدات‭ ‬عسكرية‭ ‬حديثة‭.‬

واشنطن‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬الابتعاد‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الحرب‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬تجنباً‭ ‬للاصطدام‭ ‬مع‭ ‬موسكو،‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬وتُكلّف‭ ‬حلفاءها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إرسال‭ ‬طائرات‭ ‬إف‭ ‬16‭ ‬وصواريخ‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬لكييف،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تعطي‭ ‬الأوامر‭ ‬بشأن‭ ‬تدريب‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأوكران‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬والطائرات‭ ‬الحربية‭.‬

حزم‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬ليست‭ ‬لعام‭ ‬أو‭ ‬عامين،‭ ‬وإنما‭ ‬تمتد‭ ‬لعشرة‭ ‬أعوام،‭ ‬وهذا‭ ‬ربما‭ ‬يعكس‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬طويل‭ ‬المدى،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ثمة‭ ‬اعتراضات‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬على‭ ‬مطالب‭ ‬زيلينسكي‭ ‬الكثيرة‭ ‬بشأن‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬وسرعة‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭.‬

اللافت‭ ‬للنظر‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬القمة‭ ‬خروج‭ ‬تصريحات‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬البريطاني‭ ‬بن‭ ‬والاس،‭ ‬الذي‭ ‬استغرب‭ ‬إلحاح‭ ‬كييف‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وعدم‭ ‬امتنانها‭ ‬للجهد‭ ‬الذي‭ ‬تبذله‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬بالقول‭: ‬إن‭ ‬بلاده‭ ‬ليست‭ ‬متجر‭ ‬‮«‬أمازون‮»‬‭ ‬أسلحة‭ ‬لأوكرانيا‭.‬

هذا‭ ‬الرد‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬امتعاض‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬مطالبات‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المتكررة‭ ‬للأسلحة،‭ ‬وربما‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬تفشي‭ ‬خلاف‭ ‬داخل‭ ‬الحلف‭ ‬بشأن‭ ‬قلة‭ ‬إمكانيات‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬الوفاء‭ ‬بالحصص‭ ‬العسكرية‭ ‬والمادية‭ ‬المطلوبة‭ ‬منها‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬قمة‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬عقيدتها‭ ‬العسكرية‭ ‬تجاه‭ ‬روسيا،‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬عامل‭ ‬الوقت‭ ‬هو‭ ‬الفيصل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تريد‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬تباشيره‭ ‬سريعاً،‭ ‬بينما‭ ‬تجد‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬إطالة‭ ‬الحرب‭ ‬فرصة‭ ‬لاستبعاد‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬خارطة‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي،‭ ‬وزيادة‭ ‬تبعية‭ ‬أوروبا‭ ‬للنفوذ‭ ‬الأمريكي‭.‬

لكن‭ ‬المتغير‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يتعلق‭ ‬باستعمال‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لإضعاف‭ ‬النفوذَين‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومثلما‭ ‬جرّت‭ ‬واشنطن‭ ‬أوروبا‭ ‬لمعاداة‭ ‬موسكو،‭ ‬فهي‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬بكين‭ ‬وتحاول‭ ‬محاربتها‭ ‬بالذراع‭ ‬الأوروبية‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا