العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحلقة المفرغة في الأزمة الليبية

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ١٩ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬معمر‭ ‬القذافي،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬بعد‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬نظامه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬والقطر‭ ‬العربي‭ ‬الليبي‭ ‬الشقيق‭ ‬لا‭ ‬يشهد‭ ‬استقرارا‭ ‬رغم‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬النظام،‭ ‬حيث‭ ‬تحولت‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬وقتها‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المليشيات‭ ‬وجماعات‭ ‬سياسية‭ ‬وحزبية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬مليشيات‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬عسكرية‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬مهددة‭ ‬بحرب‭ ‬أهلية‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يجد‭ ‬طريقا‭ ‬نحو‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬تفاهمات‭ ‬تضع‭ ‬حدا‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬المتفجر‭. ‬وقد‭ ‬تابعنا‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬والأيام‭ ‬الماضية‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬بدعم‭ ‬إقليمي‭ ‬ودولي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حل‭ ‬معضلة‭ ‬الانتخابات‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تطبيع‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬لأن‭ ‬الإشكالات‭ ‬والخلافات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬مراكز‭ ‬القرار‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الليبي‭ ‬ومجلس‭ ‬الدولة‭ ‬الليبي‭ ‬والحكومة‭ ‬الليبية‭ ‬المنتهية‭ ‬صلاحياتها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة،‭ ‬بل‭ ‬تفاقمت‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وسط‭ ‬قلق‭ ‬إقليمي‭ ‬ودولي‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الشقيق،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الحالة‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬غير‭ ‬مستقرة‭ ‬وتتجه‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬نحو‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تنفيذية‭ ‬أم‭ ‬تشريعية‭ ‬أم‭ ‬عسكرية‭ ‬أمنية،‭ ‬فجميع‭ ‬المؤشرات‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬القُطر‭ ‬الليبي‭ ‬تشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬واللقاءات‭ ‬والاجتماعات‭ ‬والحوارات‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬بل‭ ‬تعود‭ ‬بالشقيقة‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬المربع‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬شهدناه‭ ‬في‭ ‬اتفاق‭ ‬جنيف‭ ‬وما‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اجتماعات‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬وفي‭ ‬تونس‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬برعاية‭ ‬أممية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭.‬

أولا‭: ‬فشل‭ ‬اتفاق‭ ‬جنيف‭ ‬الذي‭ ‬انبثق‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمجلس‭ ‬الرئاسي‭ ‬وحكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬كان‭ ‬محددا‭ ‬بفترة‭ ‬زمنية‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية‭ ‬الالتزام‭ ‬بهذه‭ ‬الفترة‭ ‬وبالجدول‭ ‬الزمني‭ ‬للحوار‭ ‬نتيجة‭ ‬للخلافات‭ ‬بينهم،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬موعودا‭ ‬به‭ ‬ورجعت‭ ‬حليمة‭ ‬إلى‭ ‬عادتها‭ ‬القديمة‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬ولم‭ ‬تتوفق‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬آخر‭.‬

ثانيا‭: ‬جرت‭ ‬محاولات‭ ‬عديدة‭ ‬أخرى‭ ‬لدفع‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬الليبي‭ ‬نحو‭ ‬الوفاق‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات‭ ‬الموعودة‭ ‬وضغط‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وخاصة‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬مجددا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة‭ ‬مؤقته‭ ‬تكون‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬الأساسية‭ ‬الإعداد‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬وتنهي‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬والعجز‭ ‬عن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬تشكيل‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬عبر‭ ‬حل‭ ‬يتجاوز‭ ‬حكومتي‭ ‬‮«‬باشا‮»‬‭ ‬و«الديبيبة‮»‬‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬حوله‭ ‬تجاذبات‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يغلب‭ ‬مصلحته‭ ‬على‭ ‬الأطراف‭ ‬الأخرى،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬سيكون‭ ‬بيدها‭ ‬زمام‭ ‬الانتخابات‭.‬

ثالثا‭: ‬ونتيجة‭ ‬لتعثر‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬وعقم‭ ‬الدور‭ ‬الأممي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النهائي‭ ‬لتشكيل‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬وتنظيم‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والبرلمانية،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬النقاشات‭ ‬والحوارات‭ ‬تكرر‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الخلافات،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬والجلي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭ ‬يحقق‭ ‬لليبيين‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الليبيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬لأن‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الشركاء‭ ‬الإقليميين‭ ‬والدوليين‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬أي‭ ‬نجاح‭ ‬فعلي‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬الكرة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الليبيين‭ ‬إن‭ ‬أرادوا‭ ‬إنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬لا‭ ‬تستثني‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬سياسي‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬الضغط‭ ‬العربي‭ ‬والدولي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬وتحقيق‭ ‬الانتقال‭ ‬السلمي‭ ‬للسلطة‭ ‬وتسليمها‭ ‬إلى‭ ‬حكومة‭ ‬منتخبة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬بعد‭ ‬استكمال‭ ‬البنية‭ ‬التشريعية‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬وقوانين‭ ‬وأنظمة‭ ‬لتنظيم‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي،‭ ‬وهذا‭ ‬الخيار‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الوحيد‭ ‬أمام‭ ‬الأشقاء‭ ‬الليبيين‭ ‬إن‭ ‬أرادوا‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لحالة‭ ‬الاستنزاف‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬ومخاطر‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬الشقيق‭ ‬واستقراره‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا