العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«التغيرات المناخية» وتأثيراتها على الأمن الغذائي الخليجي

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الأربعاء ١٩ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

طبقًا‭ ‬لـ«منظمة‭ ‬الأرصاد‭ ‬الجوية‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬يعد‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬2023،‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬سخونة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وقد‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬الاحترار‭ ‬اندلاع‭ ‬حرائق‭ ‬الغابات‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يرسل‭ ‬إنذارات‭ ‬قوية،‭ ‬بشأن‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بجدية،‭ ‬واتخاذ‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬بشأنها‭.‬

وبسبب‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬تجتاح‭ ‬موجة‭ ‬حر‭ ‬شديدة‭ ‬أنحاء‭ ‬أوروبا،‭ ‬مع‭ ‬تجاوز‭ ‬الحرارة‭ ‬40‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬طبقًا‭ ‬لـ‭ ‬وكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبية،‭ ‬مع‭ ‬توقع‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬هذه‭ ‬الحرارة‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًا،‭ ‬يتجاوز‭ ‬الرقم‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬2021‭ ‬والبالغ‭ ‬48‭.‬8‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬أصدرت‭ ‬السلطات‭ ‬الإيطالية‭ ‬للسكان‭ ‬إنذارًا‭ ‬باللون‭ ‬الأحمر،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إغلاق‭ ‬موقع‭ ‬أكروبولس،‭ ‬أشهر‭ ‬المواقع‭ ‬السياحية‭ ‬اليونانية،‭ ‬فيما‭ ‬تشهد‭ ‬إسبانيا‭ ‬موجة‭ ‬حرائق‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أقاليم‭ ‬البلاد‭ ‬هي‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬وتسببت‭ ‬موجة‭ ‬الحر‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬نحو‭ ‬61‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭.‬

ومن‭ ‬أوروبا‭ ‬امتد‭ ‬الاحترار‭ ‬إلى‭ ‬المكسيك،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكندا‭. ‬وشهدت‭ ‬ولاية‭ ‬أريزونا،‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬46‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬فيما‭ ‬أكدت‭ ‬الإدارة‭ ‬الوطنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لدراسة‭ ‬المحيطات‭ ‬والغلاف‭ ‬الجوي،‭ ‬أن‭ ‬صيف‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬سجل‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬منذ‭ ‬136‭ ‬عاما‭. ‬وفي‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي،‭ ‬شهدت‭ ‬كندا،‭ ‬أكثر‭ ‬موجات‭ ‬حرائق‭ ‬الغابات‭ ‬تدميرًا‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬وانتشر‭ ‬دخان‭ ‬هذه‭ ‬الحرائق‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ودمرت‭ ‬الغابات‭ ‬مساحة‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬كم2؛‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬مساحة‭ ‬آيسلندا،‭ ‬كما‭ ‬امتد‭ ‬الاحترار‭ ‬إلى‭ ‬الصين،‭ ‬وأحدث‭ ‬أضرارًا‭ ‬بالغة‭ ‬بمحصول‭ ‬القطن،‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬اليابان،‭ ‬متسببًا‭ ‬في‭ ‬حرائق‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬وأمطار‭ ‬غزيرة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى،‭ ‬فيما‭ ‬تسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬إلى‭ ‬وفاة‭ ‬العشرات‭.‬

وفي‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وصلت‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬وفي‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬57‭.‬3‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬كما‭ ‬عانت‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬بنسبة‭ ‬80% ،‭ ‬وكان‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬الماضي‭ ‬أكثر‭ ‬شهور‭ ‬مارس‭ ‬السالفة‭ ‬جفافًا‭ ‬منذ‭ ‬1980‭. ‬وبسبب‭ ‬موجة‭ ‬الحر‭ ‬اندلعت‭ ‬حرائق‭ ‬في‭ ‬محافظتي‭ ‬جرش‭ ‬وعجلون‭ ‬بالأردن،‭ ‬وفي‭ ‬قرية‭ ‬أبل‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬فيما‭ ‬امتدت‭ ‬الحرائق‭ ‬إلى‭ ‬غابة‭ ‬آل‭ ‬شريف‭ ‬شمال‭ ‬المغرب،‭ ‬وأتلفت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬هكتار‭ ‬غابات،‭ ‬وسجلت‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭ ‬العراق،‭ ‬والكويت،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬وشمل‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭.‬

وبسبب‭ ‬الاحترار‭ ‬العالمي‭ ‬تزايدت‭ ‬احتمالات‭ ‬تعرض‭ ‬نطاقات‭ ‬رئيسية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الغذاء‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬وأوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬لفشل‭ ‬المحاصيل،‭ ‬حيث‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬الاحترار‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تواتر‭ ‬وشدة‭ ‬الظواهر‭ ‬الجوية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬واحتمال‭ ‬حدوثها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬المحاصيل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬القمح‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد؛‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬فإن‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الاستيراد،‭ ‬قد‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬المتزايد،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬حظر‭ ‬تصدير‭ ‬نتيجة‭ ‬الندرة‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬مناطق‭ ‬سلة‭ ‬الخبز‭ ‬العالمية،‭ ‬مثل‭ ‬وسط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬كانت‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المناخية‭ ‬المعتدلة،‭ ‬ولكنها‭ ‬غدت‭ ‬الآن‭ ‬عرضة‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬المتطرفة‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬إنتاجها‭.‬

وفي‭ ‬إدراك‭ ‬لأهمية‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬حدرت‭ ‬منظمة‭ ‬الأغذية‭ ‬والزراعة‭ ‬العالمية‭ (‬الفاو‭)‬،‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمي‭ ‬خاصة‭ ‬الأنواع‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية،‭ ‬والكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الدقيقة‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الغذائي‭. ‬ويؤدي‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفشي‭ ‬الأمراض‭ ‬والآفات،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬الانخفاض‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭. ‬ووجدت‭ ‬الفاو،‭ ‬أن‭ ‬تدهور‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬بات‭ ‬واضحًا،‭ ‬وأن‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان،‭ ‬قد‭ ‬غدت‭ ‬عرضة‭ ‬لفقدان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أنواعها‭ ‬النباتية‭ ‬البرية،‭ ‬مثل‭ ‬التين‭ ‬والتوت؛‭ ‬بسبب‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬وانتشار‭ ‬الآفات‭ ‬والأمراض‭. ‬وبينت‭ ‬الدراسات‭ ‬الحديثة‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬انبعاث‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬بمعدلها‭ ‬الحالي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اختفاء‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬نصف‭ ‬وثلثي‭ ‬الحشرات،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬40% ‭ ‬من‭ ‬الثدييات‭ ‬الموجودة‭ ‬حاليًا‭.‬

وفيما‭ ‬غدا‭ ‬الاحترار‭ ‬أيضًا‭ ‬مهددًا‭ ‬لثروة‭ ‬الخليج‭ ‬السمكية،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المقومات‭ ‬الذاتية‭ ‬لأمنها‭ ‬الغذائي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الصيد‭ ‬المفرط،‭ ‬والتوسع‭ ‬الحضري،‭ ‬وارتفاع‭ ‬الملوحة‭ ‬والصرف‭ ‬غير‭ ‬المعالج،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬مهددات‭ ‬أخرى؛‭ ‬فإنه‭ ‬خلال‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬يصبح‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬أكثر‭ ‬البحار‭ ‬حرارة‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حوضه‭ ‬الجنوبي‭ ‬الضحل،‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬حرارة‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬35‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭. ‬ومنذ‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬زادت‭ ‬حرارة‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬بمقدار‭ ‬0‭.‬4‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬كل‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬بما‭ ‬يساوي‭ ‬ضعف‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي،‭ ‬ما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬تدهور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬النظم‭ ‬البحرية،‭ ‬وطال‭ ‬الضرر‭ ‬الشعب‭ ‬المرجانية،‭ ‬حيث‭ ‬تلاشى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬منها،‭ ‬وصارت‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الأسماك‭ ‬المعتمدة‭ ‬عليها‭ ‬عرضة‭ ‬للخطر،‭ ‬كما‭ ‬أثرت‭ ‬الحرارة‭ ‬المرتفعة‭ ‬على‭ ‬أنماط‭ ‬التفريخ‭ ‬الموسمية‭ ‬للأسماك‭ ‬الزعنفية‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬التجارية‭ ‬للسكان،‭ ‬كما‭ ‬يؤدي‭ ‬الاحترار‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تكاثر‭ ‬أنوع‭ ‬الطحالب‭ ‬المسببة‭ ‬لنفوق‭ ‬الأسماك‭.‬

وإدراكا‭ ‬منها‭ ‬لذلك،‭ ‬أخذت‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬في‭ ‬التنبه‭ ‬لمخاطر‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬وسعت‭ ‬لمعالجة‭ ‬آثارها،‭ ‬وتحقيقا‭ ‬لهذه‭ ‬الغاية،‭ ‬تستضيف‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬28‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬حضور‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬واضحًا‭ ‬ومؤثرًا،‭ ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬بمصر،‭ ‬حيث‭ ‬وضعت‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬مستهدفًا‭ ‬زمنيًا‭ ‬للحياد‭ ‬الكربوني،‭ ‬وخططًا‭ ‬تفصيلية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭. ‬

وبشكل‭ ‬كبير،‭ ‬تتعرض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المناخية،‭ ‬مثل‭ ‬التصحر،‭ ‬وخسارة‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬وندرة‭ ‬المياه،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬فيما‭ ‬يؤدي‭ ‬الاحترار‭ ‬الشديد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬قد‭ ‬تغدو‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للعيش‭ ‬فيها‭. ‬وبحسب‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬فإنه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬80‭ ‬‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والخليج،‭ ‬سيتعرضون‭ ‬لنقص‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬المياه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أزمات‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬معرضة‭ ‬للتفاقم؛‭ ‬بسبب‭ ‬انكماش‭ ‬الثروة‭ ‬المائية‭ ‬والزراعة‭.‬

وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬أشار‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬معرضة‭ ‬لقدوم‭ ‬هجرات‭ ‬بشرية‭ ‬واسعة‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررًا‭ ‬بالتغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬شرقي‭ ‬آسيا‭. ‬وكإجراء‭ ‬استباقي‭ ‬لمنع‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال،‭ ‬تطور‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬سياساتها‭ ‬التعاونية‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬الآسيان،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللقاءات‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬وهذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬وتزايد‭ ‬الاهتمامات‭ ‬الخليجية‭ ‬بالاستثمار‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتشهد‭ ‬قمة‭ ‬المجلس‭ ‬والآسيان‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ -‬وهي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعها‭- ‬تقوية‭ ‬مجالات‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭.‬

وكما‭ ‬تسعى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وضخت‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ -‬التي‭ ‬زادت‭ ‬كمياتها‭ ‬المولدة‭ ‬بنحو‭ ‬7‭ ‬أضعاف‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬20162021-‭ ‬فإنها‭ ‬تدعم‭ ‬جهود‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الكبرى‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬وتسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كوب28‭ ‬للانتقال‭ ‬بالعمل‭ ‬المناخي‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد،‭ ‬وتطبيق‭ ‬حلول‭ ‬منطقية‭ ‬وعملية‭ ‬لتداعيات‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬وتتطلع‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬أول‭ ‬حصيلة‭ ‬عالمية‭ ‬لتقييم‭ ‬التقدم‭ ‬العالمي‭ ‬المحرز‭ ‬نحو‭ ‬تنفيذ‭ ‬أهداف‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تفعيل‭ ‬صندوق‭ ‬معالجة‭ ‬الخسائر‭ ‬والأضرار‭. ‬فيما‭ ‬شملت‭ ‬جهودها‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬اعتماد‭ ‬نهج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الدائري‭ ‬للكربون،‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬إطارًا‭ ‬شاملاً،‭ ‬لمعالجة‭ ‬انبعاثات‭ ‬غازات‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وإدارتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬4‭ ‬محاور‭ ‬هي؛‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاثات،‭ ‬إعادة‭ ‬استعمالها،‭ ‬إعادة‭ ‬تدويرها،‭ ‬وإزالتها‭.‬

وفي‭ ‬اجتماع‭ ‬عبر‭ ‬تقنية‭ ‬الاتصال‭ ‬المرئي‭ ‬بين‭ ‬الوزراء‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي،‭ ‬شددوا‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المجالات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬آثار‭ ‬تغير‭ ‬المناخي،‭ ‬مثل‭ ‬مكافحة‭ ‬التصحر،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬العواصف‭ ‬الرملية‭ ‬والغبارية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬والتشجير،‭ ‬وتحسين‭ ‬استعمال‭ ‬الأراضي،‭ ‬وإدارة‭ ‬المياه،‭ ‬وحماية‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬والنظم‭ ‬البيئية،‭ ‬والصحة،‭ ‬فيما‭ ‬رحبت‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬بمبادرتي‭ ‬السعودية‭ ‬الخضراء،‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الأخضر،‭ ‬وعدتها‭ ‬نماذج‭ ‬فعالة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭.‬

وفيما‭ ‬تعتمد‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬معظم‭ ‬احتياجاتها‭ ‬الغذائية‭ -‬ترتفع‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬والإمارات‭  ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬8090%‭- ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬بعقد‭ ‬شراكات‭ ‬زراعية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وجهت‭ ‬إليها‭ ‬استثمارات‭ ‬كبيرة،‭ ‬كما‭ ‬غدت‭ ‬شريكا‭ ‬تجاريا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الأغذية‭ ‬والزراعة‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬درس‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬الغذائي‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬والحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الزراعية‭ ‬الداعمة‭ ‬للطاقة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬المحلية،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الواردات‭.‬

وللتدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬قطعت‭ ‬الإمارات،‭ ‬شوطًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬تم‭ ‬تعيين‭ ‬مريم‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬سعيد‭ ‬المهيري،‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬وفي‭ ‬2018‭ ‬أطلقت‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أبوظبي‭ ‬الأفضل‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العالمي‭ ‬بحلول‭ ‬2051،‭ ‬كما‭ ‬اعتمدت‭ ‬تنويع‭ ‬أساليب‭ ‬الزراعة‭ ‬قليلة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬والتربة‭ ‬الخصبة،‭ ‬ودعمت‭ ‬وزارة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬والبيئة،‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المائية‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬المياه‭ ‬الغنية‭ ‬بالمغذيات‭ ‬اللازمة‭ ‬لنمو‭ ‬النبات‭ ‬دون‭ ‬تربة،‭ ‬والتي‭ ‬توفر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬7090%‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬كما‭ ‬توفر‭ ‬نحو‭ ‬99% ‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الأرض‭ ‬المطلوبة‭ ‬للزراعة،‭ ‬وبتكلفة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الزراعة‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬خصبة‭. ‬

واستمرارا،‭ ‬اعتمدت‭ ‬نظام‭ ‬الزراعة‭ ‬العمودية،‭ ‬بشكل‭ ‬آلي‭ ‬بالكامل‭. ‬وفي‭ ‬15‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬دشنت‭ ‬وزيرة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬والبيئة،‭ ‬أكبر‭ ‬مزرعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬للزراعة‭ ‬العمودية‭ ‬في‭ ‬أبوظبي،‭ ‬كما‭ ‬تحاول‭ ‬زيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬الملحية،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬استصلاح‭ ‬وإعادة‭ ‬استخدام‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬المتدهورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زراعة‭ ‬سلالات‭ ‬تتقبل‭ ‬المياه‭ ‬المالحة،‭ ‬فيما‭ ‬تعد‭ ‬الدولة‭ ‬الثانية‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬تحلية‭ ‬المياه،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬السعة‭ ‬الإجمالية‭ ‬حاليًا‭ ‬إلى‭ ‬2‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬جالون‭ ‬يوميًا‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تهدف‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬المائي‭ ‬2036،‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬إجمالي‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬بنسبة‭ ‬21%،‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬إعادة‭ ‬استخدام‭ ‬95%‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭ ‬لكفاية‭ ‬الإمدادات‭ ‬الغذائية‭ ‬للسكان‭ ‬البالغ‭ ‬124%،‭ ‬بتحقيقها‭ ‬متوسط‭ ‬133%‭ ‬لسكانها‭ ‬مواطنين‭ ‬ومقيمين‭. ‬وفي‭ ‬الربع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العالمي،‭ ‬وحلت‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬26‭ ‬عالميًا،‭ ‬تلتها‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬29،‭ ‬ثم‭ ‬البحرين،‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬30،‭ ‬ثم‭ ‬عُمان،‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬41،‭ ‬ثم‭ ‬السعودية،‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬44،‭ ‬ثم‭ ‬الكويت،‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬47‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬تعددت‭ ‬مسارات‭ ‬سياسات‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬كالاستثمار‭ ‬الزراعي‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬جغرافية‭ ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وتأمين‭ ‬مصادر‭ ‬إمدادها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بمخزون‭ ‬غذائي‭ ‬كبير‭ ‬يكفي‭ ‬سكانها‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬العام،‭ ‬فيما‭ ‬أصبح‭ ‬يتقدم‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ترويض‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الذاتية،‭ ‬واشتملت‭ ‬رؤاها‭ ‬المستقبلية‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬وتطوير‭ ‬قطاع‭ ‬زراعي‭ ‬مستدام،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الصناعات‭ ‬الداعمة‭ ‬للنظم‭ ‬الغذائية،‭ ‬وتحسين‭ ‬الإنتاجية‭ ‬الزراعية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا