تستهدف تحويل مبالغ كبيرة من الأموال التي تم الحصول عليها من مصادر وطرق غير قانونية، إلى أموال نظيفة تبدو في ظاهرها أنها مستحصلة من ممارسات واستثمارات وصفقات تجارية نزيهة. وبالتالي قد يخفي غاسل الأموال المصدر الحقيقي غير المشروع لأمواله ولا يقع تحت طائلة السؤال القانوني.
ومثال ذلك، ان يجمع الشخص أموالا من تجارة المخدرات، ثم يوظف هذه الأموال في صفقات تجارية قانونية، وما يجنيه من تلك الصفقات تعتبر أموالا نظيفة مقارنة برأس المال المستثمر الذي يعرف بالأموال القذرة.
ويرجع البعض نشأة مصطلح «غسل الأموال» الى سلسلة محلات الغسل التي استخدمها آل كابوني، زعيم عصابات شيكاغو الشهير خلال الفترة 1920-1930، حيث اتخذ من محلات غسل الملابس التي تعمل باستخدام العملات المعدنية واجهة قانونية لأنشطته غير المشروعة، في حين انه جمع ثروته من تهريب المشروبات الكحولية خلال الحظر.
فيما يرجع اخرون بداية الممارسة الفعلية لعمليات غسل الأموال إلى اليهودي ماير لانسكي زعيم المافيا اليهودية، حيث كان نجم كازينوهات القمار بالاس فيجاس.
وايا كانت البداية، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير الى ان كمية الأموال التي يتم غسلها سنويًا ما بين 2% و5% من إجمالي الناتج العالمي، وما بين 8% من إجمالي التجارة العالمية.
السؤال هنا، إلى أي مدى يعتبر القطاع العقاري بمأمن من هذه العمليات المشبوهة؟
لعل ابسط تعريف لمصطلح غسل الأموال هو تلك الأنشطة التي القطاع.. وغسل الأموال
للأسف، يعتبر القطاع العقاري أحد أبرز الاستثمارات المفضلة في جرائم غسل الأموال، نظرا إلى ما يتطلبه هذا القطاع من رؤوس أموال كبيرة، وما يحظى به المستثمرون العقاريون من مميزات كثيرة في بعض الدول مثل التسهيلات والحصول على حق الإقامة، بل والجنسية أحيانا.
يشير تقرير العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعنوان (غسل الأموال عبر قطاع العقارات) الى ان ما تشهده القطاعات العقارية من نمو مطرد في العديد من الدول العربية ودول الشرق الأوسط وافريقيا، وما تقدمه الحكومات من تسهيلات وخطط تطويرية للمشاريع العقارية وجذب الاستثمارات، كل ذلك أسهم في اتساع هذا السوق، الامر الذي جذب اليه مجرمو غسل الأموال الذين وجدوا في هذه الأسواق فرصا سانحة لاستغلال قطاع العقارات كوسيلة لغسل أموالهم التي تحصلوا عليها بشكل غير مشروع، وبالتالي إضفاء الشرعية عليها، لاسيما مع عدم التطبيق الأمثل للتشريعات المتعلقة بهذه الجريمة في بعض الدول.
ويرى التقرير أن هناك عدة عوامل جاذبة لغسل الأموال في القطاع العقاري، ومن هذه العوامل وجود بيئة سهلة لتحريك تلك الأموال في المجتمع. حيث تتسم هذه البيئة بضعف الأجهزة الرقابية المعنية بالقطاع العقاري، أو ضعف التشريعات المعنية، وعدم توافر أنظمة معلوماتية متطورة تساعد على كشف وتحليل حلالات غسل الأموال. أضف الى ذلك انعدام الخبرة الكافة في الأسواق العقارية والجهات المعنية بهذا الشأن. ويلعب الفساد الإداري والمالي في أي مجتمع دورا في تشجيع جرام غسل الأموال.
أنماط غسل الأموال في العقارات
وهناك أنماط العديد من الأنماط المستخدمة في غسل الأموال بالقطاع العقاري، ومن هذه الأنماط
- شراء العقارات ثم بيعها لاحقا مقابل الحصول على شيكات مصرفية، واستخدام هذه الشيكات في فتح حسابات مصرفية لحساب غاسل الأموال بحيث يكون مصدرها معلوما وقانونيا. ويعتبر هذا من ابسط وأقدم الأساليب. وعادة يتم فتح حسابات في أكثر من بنك لضمان إخفاء الأموال.
- شراء منتجعات سياحية أو استثمارية بقصد إدارتها، بحيث يشكل العائد منها مبررا للمال. وغالبا من يتم هنا شراء عقارات بمساحات كبيرة واضافة بعض الانشاءات البسيطة لزيادة قيمتها فيها ثم بيعها بأسعار أكبر.
- دفع قيمة العقارات نقدا وليس بتحويلات مصرفية او شيكات.
- شراء عقارات مثل الشقق والمنازل في الدول التي تتيح تسهيلات ومميزات للاستثمارات العقارية ثم بيعها.
- شراء أراض وإقامة مشاريع اسكانية ثم بيعها للعديد من الأشخاص، الامر الذي يوفر مصادر مشروعة للمال.
- القيام بعملية بيع وشراء صورية عبر مجموعة من الوسطاء والشركات التابعة للشخص او الجهة التي تريد غسل الأموال. ويتم هنا استغلال البنوك والمصارف وبشكل خاص في المناطق التي لا تتمتع برقابة وتشريعات قوية.
- شراء العقارات في المزادات العلنية خاصة تلك التي تقوم جهات رسمية بالإشراف عليها كونها تتم بإطار رسمي علني. ثم يقوم مبيض الأموال ببيعها وايداع المبالغ في البنوك بطريقة شرعية معلومة المصدر.
- الاستعانة بأطراف ثالثة، حيث يعمد غاسل الأموال الى شراء عقارات من خلال أحد الأشخاص الذين يعرفهم من دون ذكر اسمه في المعاملات.
- استخدام الائتمان والرهن العقاري كضمان لغسل عائدات الجريمة. مثل استخدام المبالغ المعادة لخلط الأموال غير المشروعة بالأموال المشروعة.
- التلاعب بقيم الممتلكات من خلال الاتفاق مع وكلاء العقارات لتقليل أو المبالغة في تقدير قيمة الممتلكات، وأحيانا تستخدم هذه الطريقة لزيادة حجم القرض المقدم وبالتالي زيادة الأموال التي يمكن غسلها.
- استخدام شركات وهمية خارجية تسمح بنقل الأموال السوداء بين البلدان.
مخاطر الغسل على القطاع
وكغيرها من عمليات غسل الأموال، تشكل هذه الجرائم في القطاع العقاري مخاطر على الاقتصاد الكلي، حيث تقوم الى ارتفاع كبير في أسعار السوق العقاري، الامر الذي يؤدي الى ضغوطات تضخمية كبيرة على الاقتصاد تنعكس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونفس الوقت تتدنى القدرة على الشراء من باقي فئات المجتمع وهذا ما قد يقود الى ركود سوق العقار.
كما ان الأسعار ترتفع بصورة لا تتناسب مع طبيعة العقارات، وهو الذي يخلق نوعا من الفقاعة العقارية التي قد تنفجر في أي وقت وتسبب خسائر كبيرة بعد ان يكون المجرمون قد فلتوا بفعلتهم.
والمشكلة الأخرى ان اغلب الأموال التي تم تبييضها ستخرج من الدولة ولن تستفيد منها، بمعنى انها تدخل أموالا قذرة وتخرج مبيضة من دون ان يستفيد منها الاقتصاد الوطني، وهذا ما يخلق فجوة متسعة وتقلبات واسعة بأسعار العقارات تؤدي إلى خسائر متتالية وواسعة. وقد يصل الامر الى نقص في حجم الدخل الوطني واضطرار الدول إلى اللجوء للقروض أو التمويل الدولي، حيث تعتبر عمليات غسل الأموال مصدر نزيف مستمر للأموال الداخلية إلى الخارج.
والى جانب ما سبق، تساهم عمليات غسل الأموال عبر القطاع العقاري في جعل الكثير من المشاريع الاستثمارية وهمية هدفها تغطية عمليات غسل الأموال القذرة.
وحتى لو امتلكت الدولة قوانين صارمة، فإن وجود هذه العمليات يؤدي الى ارتفاع حجم الانفاق العام واستنزاف موارد الدولة في سبيل محاربة ومكافحة هذه الظاهرة.
وتفاقم حالات الغسل في القطاع يؤدي الى عزوف المستثمرين الداخليين عن استثمار أموالهم داخل الدولة وتحويلها للخارج، يتحول السوق الى قوة طاردة للاستثمارات.
في البحرين
لحسن الحظ، تتمتع البحرين بنظام رقابي.. وعقابي صارم من شانه حظر ومكافحة غسيل الأموال.
والى جانب القرارات والأنظمة الصارمة في هذا الجانب، يمكن القول ان القرار 2 لسنة 2021 بشأن إجراءات حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والنقل غير المشروع للأموال عبر الحدود في أعمال المرخص لهم بمزاولة أنشطة القطاع العقاري، يعتبر الى حد كبير صمام امان ورادع امام مجرمي غسل الأموال في القطاع العقاري.
ويفرص القرار اعتماد حساب مصرفي مهني لمزاول الأنشطة العقارية في أحد المصارف المعتمدة من مصرف البحرين المركزي، تودع فيه جميع المبالغ التي يتم تحصيلها لصالح عملائه، ويجب إخطار الوحدة المختصة بالمؤسسة ببيانات هذا الحساب. كما يحظر القرار إتمام أية عمليات نقدية يتجاوز مبلغها ألفي دينار إلا من خلال النظام المصرفي، مع التشديد على الحصول على كافة المعلومات لتحديد هوية العميل والمستفيد النهائي.
وشدد القرار على وجوب الإبلاغ عن إخلال المرخص له بالتزاماته، وعن العمليات المشبوهة أو غير العادية أو المحاولة في التعامل من خلال تقرير متكامل يحوي وصفًا كاملاً للعملية ونوعها وقيمتها وعملتها وتاريخ إجرائها وأسماء الأطراف المشتركين فيها، والأسباب التي دعت إلى اعتبار العملية مشبوهة أو غير عادية أو محاولة في التعامل فيها.
والزم القرار بإنشاء سجل معلوماتي إلكتروني خاص تقيد فيه جميع المعلومات والمستندات الخاصة بهوية العملاء وممثليهم والمنتفعين بالعملية، وبسجلات محاسبية وأخرى تتعلق بتفاصيل العمليات، وتشتمل على نوع العملية وتاريخ إجرائها وقيمتها وعملتها وتفاصيلها، والبيانات الخاصة بوسيلة الدفع، وبيانات الهوية، وتثبت بهذه السجلات أي تغیيرات تطرأ على أوضاع العملاء بشكل منتظم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك