العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مسلسل الاستنزاف الإيراني لموارد العراق وثرواته

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٢١ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

يبدو‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬الأسبق‭ ‬مضحكا‭ ‬حين‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬فهو‭ ‬يخلط‭ ‬بين‭ ‬الوقائع‭ ‬ويضم‭ ‬المتخيل‭ ‬إلى‭ ‬الواقعي‭ ‬في‭ ‬مرويات‭ ‬لا‭ ‬تخفي‭ ‬أهدافها‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬تمزيق‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وعزل‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬عن‭ ‬محيطه‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬وإبقاء‭ ‬الباب‭ ‬الوحيد‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬إيران‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬عُلقت‭ ‬مشكلات‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬الحبل‭ ‬الإيراني،‭ ‬فإن‭ ‬الحل‭ ‬الإيراني‭ ‬سيكون‭ ‬مقنعا‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬سيئا‭. ‬فلا‭ ‬حل‭ ‬سواه‭. ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬من‭ ‬غيره‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ليس‭ ‬حلا‭ ‬فعلى‭ ‬العراقيين‭ ‬ألّا‭ ‬يلتفتوا‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬تفتحها‭ ‬حكوماتهم‭ ‬وهمية‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬الحكومات‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذر‭ ‬الرماد‭ ‬في‭ ‬العيون‭ ‬كما‭ ‬يقال‭. ‬إيران‭ ‬تتحكم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬شباكها‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬كهرباء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيران‭. ‬أما‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬شركات‭ ‬الكهرباء‭ ‬العالمية‭ ‬والربط‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬حديث‭ ‬مجالس‭ ‬تنتهي‭ ‬فاعليته‭ ‬حين‭ ‬تُرفع‭ ‬تلك‭ ‬المجالس‭.‬

مستحقات‭ ‬إيران‭ ‬المتأخرة‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُسدد‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬سنتين‭. ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬أن‭ ‬يسدد‭ ‬ديونه‭ ‬لإيران‭. ‬وهي‭ ‬ديون‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يتساءل‭ ‬بلغة‭ ‬الأرقام‭ ‬متى‭ ‬تنتهي،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬بداهات‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬ديون‭ ‬إيرانية‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭.‬

واقعيا‭ ‬يقوم‭ ‬العراق‭ ‬بالإنفاق‭ ‬على‭ ‬إيران‭. ‬يسدد‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬موازنتها‭. ‬ولأن‭ ‬إيران‭ ‬تنفق‭ ‬على‭ ‬مليشياتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ (‬اللبناني‭) ‬فإنها‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منقذا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬استعداده‭ ‬للإنفاق‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬لمساءلة‭ ‬قانونية‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬العقوبات‭. ‬لا‭ ‬كهرباء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يسدد‭ ‬ديونه‭ ‬التي‭ ‬تذهب‭ ‬قيمتها‭ ‬إلى‭ ‬المليشيات‭. ‬فبعد‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬صارت‭ ‬للمقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬تهريب‭ ‬وغسل‭ ‬الأموال‭. ‬هناك‭ ‬أنفاق‭ ‬تظل‭ ‬مفتوحة‭ ‬دائما‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الصرامة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبات،‭ ‬ظل‭ ‬الباب‭ ‬العراقي‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬إيران‭.‬

نوري‭ ‬المالكي‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بالعميل‭ ‬المزدوج،‭ ‬أمريكيا‭ ‬وإيرانيا،‭ ‬فهو‭ ‬موقع‭ ‬ثقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الطرفين‭. ‬رأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فيه‭ ‬حين‭ ‬وقع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الأمنية‭ ‬معها‭ ‬رجلها‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وحين‭ ‬سلم‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬للتنظيم‭ ‬الإرهابي‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬احتضنته‭ ‬إيران‭ ‬باعتباره‭ ‬رجلها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ضخ‭ ‬في‭ ‬الخزانة‭ ‬الإيرانية‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭.‬

وفي‭ ‬الحالين‭ ‬كان‭ ‬الطرفان‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الرضا‭ ‬نفسها‭ ‬عنه‭. ‬حين‭ ‬أنقذته‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬مسؤولية‭ ‬انهيار‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬أمام‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كلمة‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بحماية‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭.‬

سيقال‭ ‬دائما‭ ‬إن‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنها‭ ‬اختارت‭ ‬رجلا‭ ‬مثل‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬لقيادة‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬المرحلة‭ ‬المؤقتة‭. ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬وهبته‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬لبناء‭ ‬دولته‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬حُرمت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬النور‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭.‬

ربما‭ ‬أعجب‭ ‬الأمريكان‭ ‬بشخصية‭ ‬المالكي‭ ‬لأنه‭ ‬يملك‭ ‬دهاء‭ ‬وخبثا‭ ‬غير‭ ‬محدودين‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يعنيهم‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬لغم‭ ‬طائفي‭ ‬مسموم‭. ‬لن‭ ‬يكذبوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭. ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬أقاموه‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬دائمة‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬مريض‭ ‬بالطائفية‭ ‬مثل‭ ‬المالكي‭.‬

لينفجر‭ ‬ذلك‭ ‬اللغم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬فليست‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ولا‭ ‬إيران‭ ‬معنيتين‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬بضحاياه‭. ‬لقد‭ ‬أجاد‭ ‬القيام‭ ‬بعمله‭. ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬التفاهات‭ ‬مادة‭ ‬لصراع‭ ‬بين‭ ‬الجهلة‭. ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الآخرون‭ ‬من‭ ‬طينته‭ ‬يديرون‭ ‬آلة‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والشعوذة‭ ‬والخرافة‭ ‬خدمة‭ ‬لدولته‭ ‬التي‭ ‬اتسعت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إمبراطورية‭ ‬فسادهم‭.‬

لقد‭ ‬خدم‭ ‬المالكي‭ ‬الجميع،‭ ‬شيعة‭ ‬وسنة‭ ‬وأكرادا،‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يعملوا‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬باب‭ ‬العراق‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ضروريا‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألّا‭ ‬يغادر‭ ‬منطقة‭ ‬التسوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ــ‭ ‬الإيرانية‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يصنعه‭ ‬المالكي‭ ‬بنفسه‭ ‬فهو‭ ‬رجل‭ ‬جاهل‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬إلا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬أدبيات‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭. ‬المالكي‭ ‬هو‭ ‬لقية‭ ‬أمريكية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اكتشافا‭ ‬إيرانيا‭.‬

لن‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬الكذب‭ ‬والتلفيق‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬أسياده‭ ‬استعملوه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭. ‬خطأ‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬لا‭ ‬يضر‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الكلام‭ ‬الطائفي‭ ‬يؤدي‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬إشعال‭ ‬الفتنة‭.‬

دمر‭ ‬المالكي‭ ‬أشياء‭ ‬عزيزة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منها‭ ‬الدولة‭ ‬والجيش‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬رأس‭ ‬الفتنة‭. ‬شباك‭ ‬إيران‭ ‬وباب‭ ‬العراق‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬هذا‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا