العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

مجيدية القرآن

الجمعة ٢١ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

خُتم‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تَقْف‮»‬‭ ‬بأن‭ ‬المعرفة‭ ‬أسيرة‭ ‬أدواتها،‭ ‬وبما‭ ‬أنً‭ ‬التاريخ‭ ‬يسبر‭ ‬للأمام،‭ ‬خضوعاً‭ ‬لسُنة‭ ‬كونية‭ ‬صارمة،‭ ‬فإن‭ ‬تراكم‭ ‬الأدوات،‭ ‬وكثرة‭ ‬المنتج‭ ‬المعرفي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قاطبة،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الجميع،‭ ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أننا‭ ‬مساءلون‭ ‬عنها‭ ‬ومحاسبون‭.‬

فأي‭ ‬إشارة‭ ‬لقصور‭ ‬في‭ ‬التفاسير‭ ‬القديمة،‭ ‬إنما‭ ‬يعود‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬وليس‭ ‬لذات‭ ‬المفسر،‭ ‬فلا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مفسر‭ ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬عصره‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬ومعارف‭ ‬ومعطيات،‭ ‬فهذه‭ ‬بمجموعها‭ ‬تُشكل‭ ‬السقف‭ ‬المعرفي‭ ‬لكل‭ ‬المفسرين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأزمنة،‭ ‬فلا‭ ‬حاجة‭ ‬للغمز‭ ‬بقدراتهم‭ ‬الذاتية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬غمز‭ ‬ولمز‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يوجه‭ ‬وعلناً‭ ‬للذين‭ ‬جاءوا‭ ‬بعدهم،‭ ‬والذين‭ ‬اعتاشوا‭ ‬واستكانوا‭ ‬على‭ ‬منتج‭ ‬السابقين‭ ‬المعرفي،‭ ‬وليت‭ ‬الأمر‭ ‬توقف‭ ‬هنا،‭ ‬بل‭ ‬تعصبوا‭ ‬لما‭ ‬قاله‭ ‬هذا‭ ‬المفسر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭!.‬

إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬صفات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أنه‭ ‬قرآن‭ ‬مجيد‭ ‬‮«‬بل‭ ‬هو‭ ‬قرآن‭ ‬مجيد،‭ ‬في‭ ‬لوح‭ ‬محفوظ‮»‬22،21‭ ‬البروج،‭ ‬مجيديته‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬فلا‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬أحد،‭ ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬يختلف‭ ‬فيه‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الرسالة‭ ‬المحمدية‭! ‬أي‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أقدم‭ ‬المفسرين‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬آيات‭ ‬الكون،‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬لاحقة‭ ‬نسياً‭ ‬منسياً،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬جيل‭ ‬لاحق‭ ‬فأنشأ‭ ‬متناً‭ ‬جديداً‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬توفر‭ ‬أدوات‭ ‬جديدة‭ ‬لديه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متوفرة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬سالفه‭.‬

والصفة‭ ‬التي‭ ‬تعاضد‭ ‬المجيدية‭ ‬القرآنية‭ ‬العابرة‭ ‬للزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬ولا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بها،‭ ‬هي‭ ‬صفته‭ ‬بأنه‭ ‬قرآن‭ ‬كريم،‭ ‬معطاء‭ ‬دوماً،‭ ‬وبلا‭ ‬انقطاع،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬ذلك‭ ‬رأي‭ ‬العين،‭ ‬بين‭ ‬جيل‭ ‬وجيل،‭ ‬وحتى‭ ‬بين‭ ‬مفسر‭ ‬ومفسر‭ ‬بنفس‭ ‬الجيل،‭ ‬فالمواهب‭ ‬العقلية‭ ‬متباينة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬لذلك‭ ‬مخرجات‭ ‬النظر‭ ‬والتفكر‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬مختلفة‭.‬

صفة‭ ‬ثالثة‭ ‬يكتمل‭ ‬فيها‭ ‬القرآن،‭ ‬بأن‭ ‬مجيديته‭ ‬وكرمه‭ ‬مكنونة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬القرآن،‭ ‬والمكنون‭ ‬لابد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬واعية‭ ‬ومضنية،‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأجيال،‭ ‬لكي‭ ‬تظفر‭ ‬ببعض‭ ‬كرمه‭ ‬ذلك‭ ‬المكنون‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬‮«‬فلا‭ ‬أُقسم‭ ‬بمواقع‭ ‬النجوم،‭ ‬وإنه‭ ‬لقسم‭ ‬لو‭ ‬تعلمون‭ ‬عظيم،‭ ‬إنه‭ ‬لقرآن‭ ‬كريم،‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬مكنون،‭ ‬لا‭ ‬يمسه‭ ‬إلا‭ ‬المطهرون‮»‬‭ ‬75‭-‬79‭ ‬الواقعة،‭ ‬ونلحظ‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬بأنه‭ ‬قرآن‭ ‬في‭ ‬كتاب،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬ألفاظ‭ ‬القرآن‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الدقة،‭ ‬فإن‭ ‬القرآن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬وقد‭ ‬ذهب‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬للتفرقة‭ ‬بين‭ ‬القرآن‭ ‬والكتاب،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬هو‭ ‬الكتاب‭ ‬كاملاً‭ ‬والمدون‭ ‬بين‭ ‬دفتي‭ ‬المصحف،‭ ‬والقرآن‭ ‬هو‭ ‬الآيات‭ ‬الكونية‭ ‬والوجودية‭ ‬وليست‭ ‬كل‭ ‬الكتاب،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬بأكمله‭ ‬يحتوي‭ ‬مواضيع‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬آيات‭ ‬القرآن‮»‬‭ ‬المتوجهة‭ ‬للكون‭ ‬ونشأة‭ ‬الخلق‭...‬الخ،‭ ‬وليست‭ ‬آيات‭ ‬الأحكام‭ ‬والأخلاق‭ ‬والتشريع‭.‬

ولعمري‭ ‬وبسبب‭ ‬صفة‭ ‬القرآن‭ ‬المجيدية‭ ‬الكريمة‭ ‬المكنونة،‭ ‬لم‭ ‬يورثنا‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬تفسيراً‭ ‬لكتاب‭ ‬الله،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬العبادات،‭ ‬والسؤال‭ ‬الافتراضي‭ ‬البديهي‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أورثنا‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬تفسيراً‭ ‬كاملاً‭ ‬متكاملاً‭ ‬للكتاب؟‭ ‬فلو‭ ‬حدث‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬باب‭ ‬التفكر‭ ‬والدراسة‭ ‬والمدارسة‭ ‬للكتاب‭ ‬تُغلق،‭ ‬لان‭ ‬التفسير‭ ‬الرسولي‭ ‬سيكون‭ ‬هو‭ ‬التفسير‭ ‬الخاتم،‭ ‬لأنه‭ ‬الرسول‭ ‬الخاتم،‭ ‬ولأنه‭ ‬الكتاب‭ ‬السماوي‭ ‬هو‭ ‬الكتاب‭ ‬الخاتم‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهذا‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬الصفات‭ ‬الثلاثة‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر‭ ‬والتي‭ ‬أكد‭ ‬الله‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا