بقلم: عاطف الصبيحي
خُتم المقال السابق الموسوم «لا تَقْف» بأن المعرفة أسيرة أدواتها، وبما أنً التاريخ يسبر للأمام، خضوعاً لسُنة كونية صارمة، فإن تراكم الأدوات، وكثرة المنتج المعرفي في العالم قاطبة، والذي أصبح في متناول الجميع، يضعنا أمام مسؤولية لا شك أننا مساءلون عنها ومحاسبون.
فأي إشارة لقصور في التفاسير القديمة، إنما يعود لهذه الفكرة، وليس لذات المفسر، فلا يختلف اثنان أن كل مفسر هو ابن عصره بكل ما فيه من علوم ومعارف ومعطيات، فهذه بمجموعها تُشكل السقف المعرفي لكل المفسرين في كل الأزمنة، فلا حاجة للغمز بقدراتهم الذاتية، وإن كان هناك غمز ولمز فلا بد وأن يوجه وعلناً للذين جاءوا بعدهم، والذين اعتاشوا واستكانوا على منتج السابقين المعرفي، وليت الأمر توقف هنا، بل تعصبوا لما قاله هذا المفسر أو ذاك!.
إن من أهم صفات القرآن الكريم أنه قرآن مجيد «بل هو قرآن مجيد، في لوح محفوظ»22،21 البروج، مجيديته لا تعني إلا أنه أكبر من الزمان والمكان، فلا يحيط به أحد، فهل هذا أمر يختلف فيه اثنان من أتباع الرسالة المحمدية! أي ما قاله أقدم المفسرين خاصة في آيات الكون، أصبح في فترة لاحقة نسياً منسياً، ثم يأتي جيل لاحق فأنشأ متناً جديداً على اعتبار توفر أدوات جديدة لديه لم تكن متوفرة في عصر سالفه.
والصفة التي تعاضد المجيدية القرآنية العابرة للزمان والمكان، ولا تكتمل إلا بها، هي صفته بأنه قرآن كريم، معطاء دوماً، وبلا انقطاع، ونحن نرى ذلك رأي العين، بين جيل وجيل، وحتى بين مفسر ومفسر بنفس الجيل، فالمواهب العقلية متباينة بين الناس، لذلك مخرجات النظر والتفكر لا بد وأن تكون مختلفة.
صفة ثالثة يكتمل فيها القرآن، بأن مجيديته وكرمه مكنونة في عمق القرآن، والمكنون لابد له من قراءة واعية ومضنية، تتجاوز الأجيال، لكي تظفر ببعض كرمه ذلك المكنون في أعماقه «فلا أُقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون» 75-79 الواقعة، ونلحظ قوله تعالى بأنه قرآن في كتاب، وبما أن ألفاظ القرآن غاية في الدقة، فإن القرآن جزء من الكتاب، وقد ذهب بعض الباحثين للتفرقة بين القرآن والكتاب، على أن الكتاب الكريم هو الكتاب كاملاً والمدون بين دفتي المصحف، والقرآن هو الآيات الكونية والوجودية وليست كل الكتاب، على اعتبار أن الكتاب الكريم بأكمله يحتوي مواضيع عدة من بينها «آيات القرآن» المتوجهة للكون ونشأة الخلق...الخ، وليست آيات الأحكام والأخلاق والتشريع.
ولعمري وبسبب صفة القرآن المجيدية الكريمة المكنونة، لم يورثنا الرسول الكريم تفسيراً لكتاب الله، اللهم إلا ما يخص العبادات، والسؤال الافتراضي البديهي ماذا لو أورثنا عليه الصلاة والسلام تفسيراً كاملاً متكاملاً للكتاب؟ فلو حدث هذا، فإن باب التفكر والدراسة والمدارسة للكتاب تُغلق، لان التفسير الرسولي سيكون هو التفسير الخاتم، لأنه الرسول الخاتم، ولأنه الكتاب السماوي هو الكتاب الخاتم أيضاً، وهذا يتنافى مع الصفات الثلاثة آنفة الذكر والتي أكد الله عليها في غير موضع من الكتاب الكريم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك