درج أهل العلم والبحث على استنباط لطائف من الكتاب الحكيم، حين يتصدون للتفسير، فتكون هذه اللطيفة أو تلك على هامش التفسير وليست هي الغرض الأساس، لكن تستوقف الناظر للقرآن بعض اللفتات المُثيرة للأسئلة، فيكون الجواب خيراً على خير، وباعث على زيادة في الطمأنينة في عجائب هذا الكتاب الحكيم، ومصدر ثقة لدقته المتناهية، وستكون لنا وقفات سريعة فقط حول تلك اللطائف.
«وقد أحسن بي ربي إذ أخرجني من السجن...» 100 يوسف، ذكر السجن وتغافل عن الجُب وبقية المِحن التي تعرض لها، والجُب على وجه التحديد، وذلك ليتحاشى تثريب إخوته، وحتى يكون النص في تمام الانسجام، إذ قال لهم «لا تثريب عليكم اليوم» فلا يتفق ذكر الجب مع نفي التثريب.
«خالدين فيها لا يبغون عنها حولا» 108 الكهف، تضمين الآية لما بطبيعة الإنسان من رغبة في التحول من المكان الذي يمكث فيه لغيره حين يطول مكثه، وهنا نفي لهذه الرغبة وأنهم راضون بهذا المكان، لما أعده الله لهم من التنوع الذي يُذهب عنهم تلك الحالة النفسية، وهذا ما تؤكده سورة يس «إن أصحاب الجنة اليوم في شُغل فاكهون» فاكهون أي ملتذون به مستمتعون، فأنى للمستمع أن يبتغي التحول عن متعته.
«يا آدم إن هذا عدوٌّ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى» 117 طه، نسب الشقاء لآدم وهو شقاء الدنيا، مع أنّ العداوة جاءت بصيغة المثنى وكذلك الإخراج، إلا أنه حصر الشقاء بشخص آدم، فعليه وعليه وحده قامت أعباء الدنيا من تحصيل المعاش والحماية والمسؤولية.
«وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور» 7 الحج، وقوله تعالى: «إنّ الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون» 59 غافر، تأكد إتيان الساعة في الحج بـ«إنّ» وفي غافر بـ«إنّ» و«اللام» وذلك لأنه في غافر ذكر عدم الإيمان وهو أبعد وأشد في الإنكار فاقتضى ذلك زيادة التوكيد.
«وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود، وقوم إبراهيم وقوم لوط، وأصحاب مدين وكُذب موسى ...» نُسب التكذيب لأقوام الأنبياء والرسل إلا عند موسى قال «كُذّب موسى» لأن قوم موسى لم يكذبوه، إنما الذي كذّبه فرعون وحزبه.
«والذين هاجروا في سبيل الله ثمّ قُتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً، وإن الله لهو خير الرازقين، وليدخلنهم مدخلاً يرضونه إن الله لعليم حليم» 58-59 الحج، تميزت هذه الآية بتوكيد الرزق مرتين: «ليرزقنهم الله رزقاً حسناً» أكده بنون التوكيد الثقيلة، ثم وصف الرزق بالحسن، ومرة أكده بقوله: «ليُدخلنهم مُدخلاً يرضونه» أيضاً جاء بالنون الثقيلة للتأكيد، وأعقبه بأنهم يرضونه، هذا التوكيد امتياز للذين هاجروا التاركين كل شيء في سبيل الله، وخلت كثير من آيات الرزق من هذا التوكيد، تميزاً للمهاجرين، ففي سورة سبأ 39 «وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين» وفي سورة المؤمنون 72 «أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خيرٌ وهو خير الرازقين» ومثله ورد في سورة الجمعة وغيرها من سور الذكر الحكيم.
«إنك ميت وإنهم ميتون، ثمّ إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون»30-31 الزمر، شاهدنا هنا الحاضن للطيفة هو قوله تعالى: «عند ربكم» وليس «عند ربك» لأن الموقف موقف قضاء بين متخاصمين، والقاضي ينبغي أن يكون على مسافة واحدة من جميع المتخاصمين، وهكذا في بقية الآيات التي موضوعها الفصل والقضاء، فيضيف الرب إلى ضمير الجمع أي جميع المتخاصمين، فذلك عين العدل وأول درجاته، ففي سورة الأنعام 164على سبيل المثال لا الحصر يقول الله سبحانه وتعالى: «ثم إلى ربكم تُرجعون فيُنبئكم بما كنتم فيه تختلفون»، وكذلك قوله تعالى: «الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما أنتم فيه تختلفون» 69 الحج، والمُتتبع سيقع على كثير من هذه الأمثلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك