لا يبدو بوحهما مستغرباً؛ فلعقود ظل اليأس متفشياً في المسرح البحريني ممتداً بجذور قسوته حتى اليوم في خشبة ترعى خطى أحلام مسرحية تقاوم التداعي أمام واقع يبقيها رهن الجمود أو التلاشي بفعل الاهمال وقلة الدعم والتمويل والبطالة وظروف أخرى كالمرض والعجز. وفي سياق الجهود لإجلاء المعاناة ظهرت بادرة أمل إلى السطح عندما أعلن اتحاد جمعيات المسرحيين البحرينيين السابق عن تدشين وشيك لصندوق دعم للفنان المسرحي البحريني بدعم كل من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وبنك البحرين الوطني، في مؤتمر عقد (31 أغسطس 2021) في مقر أسرة الأدباء والكتاب. والآن، بعد عامين على ذلك يتضح خلو الصندوق المؤسس من الأموال.
بصيص الخطى
كان الأمل يرافق الإعلان الذي صرح به اتحاد المسرحيين السابق ممثلاً برئيسه الناقد الدكتور يوسف الحمدان، عن قرب الانتهاء من إجراءات تدشين صندوق دعم الفنانين المسرحيين البحرينيين بدعم من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وبنك البحرين الوطني، في مؤتمر صحفي ناقش حزمة عناوين تعنى بالشأن المسرحي البحريني وقضاياه العالقة. وذلك مساء الثلاثاء الموافق (31 أغسطس 2021) بمقر أسرة الأدباء والكتاب.
وبحسب البيان الإعلامي المنشور في الصحافة المحلية بشأن المؤتمر، فإن الأمين المالي للاتحاد السابق الفنان سالم رجب، أوضح أهمية الصندوق ووقف على تفاصيله بالقول: «هام لدعم الفنانين الذين يعانون العجز أو المعسرين منهم، ومن الضروري أن يدعمه القطاع الخاص والميسورون؛ لأنه سيخفف أعباء كثيرة عن الفنانين الذين بذلوا الكثير من الجهد؛ من أجل تقديم الفن المسرحي الراقي الذي يتماس مع كل قضايانا المجتمعية».
حساب مقفل
يكشف الأمين المالي الحالي لاتحاد جمعيات المسرح البحريني، الفنان والمخرج جاسم العالي أن «بعد تسلمي منصب الأمين المالي واعتمادي أميناً مالياً لدى البنك، فوجئت للأسف عندما أفادني البنك بأن حساب صندوق دعم الفنانين مغلق وخالٍ من الأموال؛ لأن فتح الحساب لم يكن بالطريقة الصحيحة، ويتطلب إعادة فتحه بعض الوثائق لكني لم أتسلم حتى الآن العهدة والتقارير المالية للقيام بالإجراءات اللازمة لتفعيله».
ويلفت العالي إلى أن مبادرة تأسيس الصندوق سبقتنا إليها الكثير من الدول العربية المهتمة والمعنية بالمسرح، مشدداً على أهميتها البالغة للفنانين ممن يعانون عجزاً أو المعسرون منهم؛ وهو ما جعلها واحدةً من أهم الملفات المطروحة على طاولة اتحاد المسرحيين البحرينيين «فالمسرح يتغذى بتعاون القطاعين العام والخاص؛ فعقد الشراكات مع القطاع الخاص يعتبر شرياناً مغذياً للثقافة والفنون بجميع أشكاله، حيث دشن الصندوق فعلياً في (5 سبتمبر من العام المنصرم) خلال اجتماع الجمعية العمومية بمقر أسرة الأدباء والكتاب؛ فتم البدء في تأسيسه بكتابة النظام الأساسي واللوائح الداخلية الخاصة به في ظل الإدارة السابقة للاتحاد، وكما انتخبت أول إدارة له».
مسرح قضى نحبه
الفنان ياسر القرمزي الذي سار خطواته الأولى نحو الخشبة عام 1988 وشارك بتميز في أعمال درامية محلية وخليجية عديدة، يرجع غيابه عن المسرح لأكثر من 10 أعوام إلى اصطدام أحلامه المسرحية الكبيرة بمصاعب الحياة الخاصة «فبالكاد استطعت توفير متطلبات العيش الكريم؛ إذ ظللت عاطلاً عن العمل لأكثر من 15 عاماً اشتغلت خلالها اضطرارياً أعمالاً غير مناسبة كبيع المأكولات على رصيف الشارع في مدينة حمد قبل عامين، وما زالت معاناتي قائمة؛ إذ لا أملك كفاية مادية للإنفاق على أطفالي وبيتي الخاص فكيف أعود لممارسة المسرح تطوعياً وبلا مردود؟».
ويجزم القرمزي بأن واقعه السيئ جداً – بحسب وصفه – ينطبق على حال فنانين وأساتذة مسرحيين بحرينيين بعضهم من توفاه الله، وبعضهم مازال يحفر في الصخر بجهود فردية من أجل إحياء المسرح البحريني «أما أنا رغم حنيني إليه فسأكتفي بمواجهة ظروفي».
مشددا على ضرورة إنعاش صندوق دعم الفنانين بالأموال برعاية الجهات المعنية وفقاً لمعالجات واقعية كون المخصصات المالية للاتحاد والمسارح الأهلية المنضوية تحته شحيحة جداً مما ينعكس سلباً على حال الممثل المسرحي «لأنه مرهق ويعاني الأمرين خلال اشتغاله في المسرح البحريني الذي ظل زمناً طويلاً يقاوم التردي حتى التقط أنفاسه الأخيرة؛ فمنذ شبابنا وبينما كنا نصور مسلسل نيران عام (2000) أشرنا إلى احتضاره، أما الآن فقد توفى ودفن فليرحمه الله».
طموحات قيد الإحباط
وللمعاناة شجون فسهام البطالة لم تُصب الجيل السابق من أساتذة المسرح وتلاميذهم الفنانين فحسب إنما أصابت المسرحيين البحرينيين الشباب في طموحاتهم فغدت قيد الإحباط؛ ومن ضمنهم خريجي معهد الفنون المسرحية بالكويت كالفنان المسرحي علي مرهون الذي عاد إلى البحرين بعد تخرجه عام (2017) ليبدأ رحلة العمل عن وظيفة ملائمة لتخصصه الدراسي «فتقدمت إلى العمل في وزارة التربية والتعليم لكنهم رفضوا حتى تسلم أوراقي، وقدمت طلباً في أماكن كثيرة كديوان الخدمة المدنية. ولم أحصل على ترشيح من وزارة العمل لأي وظيفة سواء تندرج ضمن تخصصي أو بعيدة عنه؛ فبقيت عاطلاً أربعة أعوام أتسلم مبالغ معونة التأمين ضد التعطل».
ويردف مرهون مستذكراً مساعيه الحثيثة مع زملائه من المسرحيين الخريجين في البحث عن عمل: «بعثنا الرسائل إلى النواب لإثارة مشكلتنا تمهيداً لمعالجتها دون جدوى. وبالنسبة لي فقد أسهم أحد النواب في توظيفي بصفة (كول سنتر) بنظام النوبات غير أني استقلت من هذا العمل بعد فترة بسيطة لأن الاستمرارية فيه كان يؤدي إلى إعدام الحالة الفنية التي أطمح لمعايشتها وتطويرها؛ فهو سيعرقل نشاطي الفني والتزامي بالبروفات المسرحية وسيجعلني أنسى المسرح الذي درسته لممارسته لا نسيانه».
وبعد تقديم استقالته اتجه المرهون إلى الكويت مع بعض الشباب من خريجي المسرح للاشتغال بما يلائم تخصصهم الدراسي الفني «أما حالياً فما زلت في واقع الأمر عاطلاً عن العمل فالوظيفة في الخارج غير ثابتة؛ إذ أحياناً تطرأ أعمال فنية في الكويت أو المملكة العربية السعودية فأسافر لإنجازها وبعد الانتهاء أعود إلى البحرين. وما زلت أطمح إلى نيل وظيفة ملائمة لا تعدم حالتي الفنية وتغيبني عن المسرح الذي درست في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت».
ويشير المرهون إلى أن الصندوق المالي يُعتبر نوعاً من التأمين على الفنانين المسرحيين، ويمكن ألا يقتصر على تقديم المساعدات المالية في حالتي العجز والمرض فقط؛ بل بالإمكان أن يتسع دوره ليشمل الرعاية للطاقات الشبابية الموجودة في الساحة الفنية بما يحفزها على الانضمام إلى المسارح الأهلية الخمسة «عبر تشبيك الاتحاد المسرحي وتكوينه قاعدة علاقات متينة مع مختلف الجهات المعنية من وزارات ومؤسسات وشركات لرفد الصندوق بميزانيات توفر منح لدراسة المسرح في معاهد الفنون المسرحية الخارجية بحيث تكون الألوية للأعضاء الفاعلين في هذه المسارح، بجانب توفير فرص عمل مناسبة لا تبعدهم عن المسرح وتكفل حياة كريمة لهم».
حال يرثى له
المخرج أحمد الفردان، يرى أن صندوق دعم الفنانين مهم فيما يتعلق بمساندة المشاريع الفنية في البحرين، واصفاً واقع المسرحيين بالحال الذي يُرثى له ويؤمل تغييره «فمنذ أعوام نطالب نحن المنخرطين في هذا المجال دائماً بأن يحاط الفنان البحريني باهتمام أكبر خاصة عندما يواجه المرض وظروف أخرى دونما سند. وهنا، نتمنى وصول صوتنا إلى الجهات الرسمية كونها تستطيع خلق الحلول وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الفن بالمملكة بما يسهم في خلق فرصة عملية جديدة للتطوير والنماء الفني الإبداعي».
وجع وصل إلى العظم
الإعلامي والبرلماني السابق عمار آل عباس يلفت إلى تلقي الفنان البحريني عنايةً واهتماماً وتقديراً بشكل أكبر في الدول الشقيقة التي تجد المشاريع الفنية فيها صدىً أكثر قوة من حيث الدعم والمساندة مما هو موجود في البحرين «وهذا شجع فعلاً بعض الطاقات والكفاءات على الهجرة بإبداعاتها ومواهبها إلى الخارج بحثاً عن فرصة للنجاح والنمو والازدهار؛ لذلك أترقب أن أرى في القريب العاجل خطوات تصحيحية وتطويرية تلامس احتياجات القطاع المسرحي البحريني الذي يعاني الكثير ووصل وجعه إلى العظم، بما يسهم في نهضته التي ستمثل بلا شك نهضةً لمملكة البحرين».
وكان الإعلان عن تأسيس الصندوق قد شكل في حينه بارقة أمل بالنهوض بالقطاع المسرحي في البحرين، لكن نورها خفت مع مرور الوقت، على أن الفرصة لا تزال مواتية لإنقاذ الصندوق بتفعيله؛ ليكون لبنة أولى في مساعي إنعاش الفن المسرحي في المملكة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك