العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

اتفاق الحبوب الروسي الأوكراني.. إلى أين؟

بقلم: رامي رشيد {

السبت ٢٢ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬1980م‭ ‬فرض‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬جيمي‭ ‬كارتر‮»‬‭ ‬حظرًا‭ ‬على‭ ‬الحبوب‭ ‬المصدرة‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬عام‭ ‬1979م،‭ ‬وظل‭ ‬الحصار‭ ‬ساري‭ ‬المفعول‭ ‬حتى‭ ‬قيام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬رونالد‭ ‬ريجان‮»‬‭ ‬بإنهائه‭ ‬عام‭ ‬1981م‭.‬

شعر‭ ‬المزارعون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بوطأة‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حاسمة،‭ ‬حيث‭ ‬حصل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬على‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬كجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفنزويلا‭ ‬والبرازيل‭ ‬بأسعار‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬الأمريكية‭.‬

كان‭ ‬الحظر‭ ‬الأمريكي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬ناجحة‭ ‬للسوفييت‭ ‬فأثبت‭ ‬لهم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحبوب‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتوجهوا‭ ‬إلى‭ ‬زراعة‭ ‬حبوبهم‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وظلوا‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬حبوبهم‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ما‭ ‬سبق‭ ‬هو‭ ‬توطئة‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اتفاق‭ ‬الحبوب‭ ‬الروسيالأوكراني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وتركيا‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لفك‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬الحبوب‭ ‬والأسمدة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬يوليو‭ ‬2022م،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬5‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭.‬

ويهدف‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬المجاعة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضخ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬وزيت‭ ‬دوار‭ ‬الشمس‭ ‬والمنتجات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬ويرمي‭ ‬الاتفاق‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬أزمة‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمية‭ ‬المتنامية‭ ‬التي‭ ‬ازدادت‭ ‬سوءًا‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الجارتين‭ ‬والعالم‭ ‬يكافح‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وآثارها‭ ‬وكيفية‭ ‬الاستفاقة‭ ‬منها‭.‬

ومدة‭ ‬سريان‭ ‬الاتفاق‭ ‬الروسي‭ ‬الأوكراني‭ ‬هي‭ ‬120‭ ‬يومًا‭ ‬قابلة‭ ‬للتجديد،‭ ‬ويشمل‭ ‬الاتفاق‭ ‬المرور‭ ‬الآمن‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬‮«‬ميناء‭ ‬أوديسا‮»‬‭ ‬أكبر‭ ‬موانئ‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وميناءين‭ ‬أوكرانيين‭ ‬صغيرين‭ ‬أيضًا،‭ ‬وينص‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬هجمات‭ ‬روسية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الموانئ‭.‬

وصاحب‭ ‬الاتفاق‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬مذكرة‭ ‬تفاهم‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تسهل‭ ‬وصول‭ ‬الأسمدة‭ ‬والمنتجات‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬بلا‭ ‬عوائق‭.‬

ولضمان‭ ‬استمرارية‭ ‬الاتفاق‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬التنسيق‭ ‬المشترك‮»‬‭ ‬ومقره‭ ‬مدينة‭ ‬إسطنبول‭ ‬التركية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬مضيق‭ ‬البوسفور‭ ‬ليتابع‭ ‬تحركات‭ ‬السفن‭ ‬ويشرف‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬التفتيش،‭ ‬ويعمل‭ ‬بمركز‭ ‬التنسيق‭ ‬المشترك‭ ‬مسؤولون‭ ‬عسكريون‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الثلاث،‭ ‬وهذا‭ ‬المركز‭ ‬هو‭ ‬استجابة‭ ‬لمخاوف‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬السفن‭ ‬العائدة‭ ‬بنقل‭ ‬أسلحة‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ويعتبر‭ ‬الاتفاق‭ ‬مهمًا‭ ‬جدًا‭ ‬لدول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وكل‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة،‭ ‬حيث‭ ‬تصدر‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬صادرات‭ ‬القمح‭ ‬العالمية‭ ‬ونصف‭ ‬احتياجات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬حيث‭ ‬42%‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬و23%‭ ‬من‭ ‬الزيوت‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬هذين‭ ‬البلدين،‭ ‬وعانت‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الغذاء‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭.‬

وهناك‭ ‬شكوك‭ ‬كبيرة‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬استمرار‭ ‬العمل‭ ‬بهذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬حيث‭ ‬اعلنت‭ ‬روسيا‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬منددة‭ ‬بالعقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬الصادرات‭ ‬الروسية‭ ‬الزراعية،‭ ‬وتطالب‭ ‬روسيا‭ ‬بربط‭ ‬مصرفها‭ ‬المتخصص‭ ‬بالزراعة‭ ‬بنظام‭ ‬‮«‬سويفت‮»‬‭ ‬المصرفي‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬حرمت‭ ‬منه‭!‬

وتطالب‭ ‬روسيا‭ ‬أيضًا‭ ‬بالسماح‭ ‬لها‭ ‬باستيراد‭ ‬الآلات‭ ‬الزراعية‭ ‬وقطع‭ ‬الغيار‭ ‬وإزالة‭ ‬معوقات‭ ‬تأمين‭ ‬السفن‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الموانئ‭ ‬الأجنبية‭ ‬وإلغاء‭ ‬تجميد‭ ‬أصول‭ ‬شركات‭ ‬روسية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالقطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬واستئناف‭ ‬تشغيل‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬توليانيأوديسا‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬روسيا‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬ويسمح‭ ‬بتسليم‭ ‬الأمونيا‭ ‬وهو‭ ‬مكون‭ ‬كيميائي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭.‬

انتهى‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬17‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬سريان‭ ‬اتفاق‭ ‬الحبوب‭ ‬الروسي‭-‬الأوكراني‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تمديد‭ ‬ولم‭ ‬توافق‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬أي‭ ‬سفن‭ ‬جديدة‭ ‬منذ‭ ‬27‭ ‬يونيو‭ ‬2023م،‭ ‬وتحتدم‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أوديسا‭ ‬حيث‭ ‬الميناء‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬تنطلق‭ ‬منه‭ ‬السفن‭ ‬بصادرات‭ ‬الحبوب،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬يواصلون‭ ‬تزويد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الفتاكة‭ ‬آخرها‭ ‬القنابل‭ ‬العنقودية،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحرب‭ ‬واستبعاد‭ ‬الحلول‭ ‬التفاوضية‭!‬

الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يهمنا‭ ‬الآن،‭ ‬حسنًا‭ ‬فعلت‭ ‬الشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬مصر‭ ‬باستصلاحها‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬لزراعة‭ ‬القمح‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تنتج‭ ‬منه‭ ‬58%‭ ‬من‭ ‬استهلاكها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬مصر‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬المستوردة‭ ‬للقمح‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬حيث‭ ‬نعيش،‭ ‬أكاد‭ ‬أجزم‭ ‬أن‭ ‬وزارات‭ ‬وهيئات‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية‭ ‬لربما‭ ‬بدأت‭ ‬بتفعيل‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬المخزون‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬واجهت‭ ‬به‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الممثل‭ ‬بالشركات‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬استطاعت‭ ‬مملكتنا‭ ‬اجتياز‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بنجاح،‭ ‬فلم‭ ‬نشعر‭ ‬بنقص‭ ‬أي‭ ‬مادة‭ ‬تموينية،‭ ‬فهذه‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬أمنت‭ ‬الغذاء‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الجائحة،‭ ‬وقصة‭ ‬النجاح‭ ‬هذه‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ونحن‭ ‬نواجه‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬الروسيةالأوكرانية‭ ‬المرشحة‭ ‬للاستمرار‭ ‬وربما‭ ‬التصعيد‭!‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬وافقت‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬تمديد‭ ‬العمل‭ ‬بالاتفاق‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬جديدة‭ ‬فلربما‭ ‬ينتكس‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬ويصبح‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬نتيجة‭ ‬للحرب‭ ‬الطاحنة،‭ ‬وهنا‭ ‬أهمية‭ ‬العمل‭ ‬لتأمين‭ ‬مصادر‭ ‬الغذاء‭!‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬فلسطيني‭ ‬مقيم

‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا