العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مَن هم ضحايا الذكاء الصناعي؟!

بقلم: توفيق أبو شومر {

السبت ٢٢ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

أكَّد‭ ‬المفكر‭ ‬فرانسيس‭ ‬فوكوياما‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬مستقبل‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البشرية‭) ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬وهو‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬جامعتي‭ ‬جون‭ ‬هوبكنز،‭ ‬وستانفورد،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬قيمهم‭ ‬التقليدية،‭ ‬وأشار‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬الخطة‭ ‬حين‭ ‬تمَّ‭ ‬اختراع‭ ‬أدوية‭ ‬خاصة‭ ‬لتغيير‭ ‬المزاج‭ ‬الطبيعي‭ ‬للبشر،‭ ‬وذلك‭ ‬بتغيير‭ ‬الحزن‭ ‬إلى‭ ‬فرح،‭ ‬وهناك‭ ‬أدوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬محو‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وهناك‭ ‬وسائل‭ ‬لتغيير‭ ‬الجينات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬ضبط‭ ‬عضلات‭ ‬الجسد‭ ‬البشري،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬حديثة‭!‬

يقترح‭ ‬فوكوياما‭ ‬حلولا‭ ‬لهذا‭ ‬الخطر‭ ‬المحدق‭ ‬بالإنسان،‭ ‬وذلك‭ ‬بتأسيس‭ ‬كُتل‭ ‬ولوبيات‭ ‬وجماعات‭ ‬للتصدي‭ ‬لخطر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬بقيت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تعمل‭ ‬بلا‭ ‬رادعٍ‭ ‬فإنها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قمع‭ ‬كل‭ ‬الإبداعات‭ ‬والحريات‭ ‬الفردية،‭ ‬فعندما‭ ‬يصبح‭ ‬البشر‭ ‬أكثر‭ ‬قربا‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬يصبحون‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬بشريتهم،‭ ‬وأقل‭ ‬إنسانية‮»‬‭!‬

هناك‭ ‬نظرياتٌ‭ ‬متفائلة‭ ‬تعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬صاروخاً‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬بطيء‭ ‬مثقل‭ ‬بالأحمال‭ ‬والأوزار‭ ‬غير‭ ‬المجدية‭ ‬إلى‭ ‬وميضٍ‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بالمسافات‭ ‬والحدود‭ ‬والتمايز‭ ‬والقدرات،‭ ‬فهو‭ ‬يُقصِّر‭ ‬عمليات‭ ‬الإنتاج‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬نوعها،‭ ‬ويوصل‭ ‬منتجات‭ ‬قادة‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬ومخططات‭ ‬مسيريه‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة،‭ ‬لذلك‭ ‬فعلى‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬ركوب‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مستعدين‭ ‬لنزع‭ ‬عباءاتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬التقليدية‭ ‬البطيئة‭ ‬المعوقة‭ ‬لمسيرة‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬أفكارهم‭ ‬التراثية‭ ‬الآسرة،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬العقائد‭ ‬الدينية‭ ‬ومبادئ‭ ‬الأخلاق‭ ‬الموروثة،‭ ‬وإغلاق‭ ‬صفحات‭ ‬سِير‭ ‬أبطال‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتمزيق‭ ‬خرائط‭ ‬البلدان‭ ‬الطبيعية‭ ‬والجغرافية‭ ‬والثروات‭ ‬المخبوءة‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض،‭ ‬كلُّ‭ ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬سيجد‭ ‬له‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬دفيئات‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي،‭ ‬أما‭ ‬البشر‭ ‬الباقون‭ ‬فهم‭ ‬بقايا‭ ‬بشرية‭ ‬يجب‭ ‬التخلص‭ ‬منهم‭!‬

لم‭ ‬يُعالج‭ ‬فوكوياما‭ ‬أثر‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬على‭ ‬البشر،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬الأخلاق‭ ‬التقليدية‭ ‬المتوارثة،‭ ‬لأن‭ (‬مُستحضر‭) ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬نضج‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تأليف‭ ‬الكتاب،‭ ‬هذا‭ ‬المستحضر‭ ‬هو‭ ‬سلاح‭ ‬نووي‭ ‬جديد،‭ ‬فهو‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬وما‭ ‬وصل‭ ‬إلينا‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وما‭ ‬جرى‭ ‬تجريبه‭ ‬بالفعل،‭ ‬وفق‭ ‬الرؤية‭ ‬المتشائمة،‭ ‬سيحطِّم‭ ‬كل‭ ‬أسس‭ ‬البناء‭ ‬البشري،‭ ‬المؤسس‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬والإبداعات،‭ ‬لأنه‭ ‬سيصبح‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المجهودات،‭ ‬ويتحول‭ ‬البشرُ‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬من‭ ‬منتجين‭ ‬ومبدعين‭ ‬مختلفين‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬إلى‭ ‬آلاتٍ‭ ‬صماء‭ ‬وشحنات‭ ‬في‭ ‬قطار‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي،‭ ‬ويتحدد‭ ‬موقعها‭ ‬وفق‭ ‬قدرتها‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬إحدى‭ ‬زوايا‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬المحكوم‭ ‬بمسيّريه‭ ‬وأباطرته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يُثبتوا‭ ‬ولاءهم‭ ‬المطلق‭ ‬لهذا‭ ‬المستحضر‭!‬

مالكو‭ ‬ومسيّرو‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬يستطيعون‭ ‬في‭ ‬ومضة‭ ‬عين‭ ‬إلقاء‭ ‬كل‭ ‬حمولة‭ ‬زائدة‭ ‬ومعوقة‭ ‬لمسيرة‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬المهملات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجري‭ ‬عمليات‭ ‬تصفيتهم‭ ‬بسلاح‭ ‬رخيص‭ ‬بلا‭ ‬عتاد‭ ‬حربي،‭ ‬بنقرات‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬لوحة‭ ‬مفاتيح‭ ‬الكمبيوتر‭!‬

كشف‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬أسرار‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬ونشروا‭ ‬أبرز‭ ‬أهداف‭ ‬مخترعيه،‭ ‬فأشاروا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬أبدعتْ‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬غايتها‭ ‬الرئيسة‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬وإنقاص‭ ‬عددهم‭ ‬بغير‭ ‬حروبٍ‭ ‬تقليدية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتأثير‭ ‬على‭ ‬العواطف‭ ‬البشرية،‭ ‬وإعادة‭ ‬ضبطها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬الزواجُ‭ ‬الطبيعي‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬تراثاً‭ ‬غابراً‭ ‬مكروهاً،‭ ‬لتحل‭ ‬بدلاً‭ ‬منه‭ ‬المثليات‭ ‬الجنسية‭ ‬لتصبح‭ ‬هذه‭ ‬المثليات‭ ‬هي‭ ‬القانون‭ ‬الطبيعي‭ ‬للبشر،‭ ‬أما‭ ‬الزواج‭ ‬التقليدي‭ ‬فيصبح‭ ‬شذوذاً‭!‬

وصار‭ ‬ممكناً‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬الحب‭ ‬والعشق‭ ‬وحتى‭ ‬الزواج‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وبين‭ ‬صور‭ ‬ناطقة‭ ‬مُخلَّقة‭ ‬ومدبلجة‭ ‬إلكترونياً،‭ ‬بدون‭ ‬الزواج‭ ‬التقليدي‭!‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬خطراً‭ ‬آخر‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬المقدسة‭ ‬الُمسلَّم‭ ‬في‭ ‬صحتها‭ ‬تقليدياً،‭ ‬بحيث‭ ‬تنتفي‭ ‬المقدسات‭ ‬والتابوهات‭ ‬المعتادة،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العقائد‭ ‬والأديان،‭ ‬لهذا‭ ‬فإن‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬يمكِّنُ‭ ‬زبائنه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُحاكوا‭ ‬الصور‭ ‬والأصوات‭ ‬للرسل‭ ‬والزعماء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الغابرين‭ ‬والحاضرين،‭ ‬ويمكنهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُزيِّفوا‭ ‬أقوالهم،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬بذر‭ ‬الشوك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العقائد‭ ‬تمهيداً‭ ‬لإلغاء‭ ‬المصداقية‭ ‬والإيمان‭ ‬القاطع‭ ‬بحقيقة‭ ‬الأشياء،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬عالم‭ ‬البشر‭ ‬عالماً‭ ‬افتراضياً‭!‬

أخيراً‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭: ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬نظريات‭ ‬وتحليلات‭ ‬خيالية،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتحقق‭ ‬بالفعل؟‭!‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا