جاءت الرسالة المحمدية رسالة عالمية، ولم تكن يوما رسالة خاصة بالعرب وحدهم، أو محدودة بمكان دون مكان، أو مقيَّدة بزمان دون زمان، ولم يكن القرآن يوما لقوم بعينهم، يقول الله سبحانه وتعالى: «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا» (سورة الفرقان، آية: 1)، ويقول تعالى: «وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ» (سورة يوسف، آية: 104)، فمنذ نزوله على قلب النبي (صلى الله عليه وسلم) يخاطب الناس كافة، بمبدأ واحد، وهدف واحد هو إخلاص العبودية لله (عز وجل)، وحمل الخير للإنسانية قاطبة، ونشر السلم والسلام، والأمن والأمان، والرحمة والعدل والمساواة بين البشر جميعا.
ولقد أرست الرسالة المحمدية الأخلاق الفاضلة، والقيم العادلة، والمبادئ السامية، والأخوة الإنسانية التي تقوي ترابط وتماسك الأمم والشعوب وتعاونها، حيث يقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (سورة النساء، آية:1).
ويقول (عز وجل): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (سورة الحجرات، آية:13).
فهي رسالة عالمية تدعو إلى تعايش أفرادها مع اختلاف معتقداتهم، في تعاملهم، وفي أعمالهم، وفي أقوالهم، وفي كل شؤون حياتهم. ومن القيم التي عملت الرسالة المحمدية على ترسيخها مبدأ المساواة الإنسانية، الذي قرره الإسلام ونادى به، احترامًا للإنسان وتكريمًا له من حيث كونه إنسانًا، ودعوتها إلى السلام بكل ما تحمله الكلمة من معان على مستوى الأفراد والمجتمعات، يقول سبحانه: «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (سورة المائدة، آية:16).
ومن هنا تحمل الرسالة المحمدية أبعادًا إنسانية واجتماعية، وتعمل لخدمة القضايا الإنسانية النبيلة التي تنمي العطاء المجتمعي والإنساني والخيري، وتعزز روح المسؤولية المجتمعية، وتراعي الحقوق وتفي بالعهود، وتحافظ على الواجبات مع جميع البشر، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم ومعتقداتهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك