العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

تعاليم الإسلام والوقاية من التنمر (2)

الجمعة ٢٨ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

عبدالسلام‭ ‬عمري

لقد‭ ‬رسمت‭ ‬الآية‭ ‬السابقة‭ ‬الطريق‭ ‬القويم‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬المسلم‭ ‬بأخيه‭ ‬المسلم‭ ‬وأيضا‭ ‬علاقته‭ ‬بمجتمعه،‭ ‬لقد‭ ‬فصل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بتوجيهاته‭ ‬السديدة‭ ‬طرائق‭ ‬ووسائل‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬الشرور‭ ‬والآثام‭ ‬والغواية‭ ‬والتعيير‭ ‬والتنمر‭.. ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سد‭ ‬أبواب‭ ‬الشر‭ ‬وشمل‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬الذكر‭ ‬والأنثى،‭ ‬وتأتي‭ ‬الآية‭ ‬التالية‭ ‬لاستكمال‭ ‬جميع‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬وقوع‭ ‬كافة‭ ‬أنواع‭ ‬الإيذاء،‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬اجْتَنِبُوا‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬مِّنَ‭ ‬الظَّنِّ‭ ‬إِنَّ‭ ‬بَعْضَ‭ ‬الظَّنِّ‭ ‬إِثْمٌ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَجَسَّسُوا‭ ‬وَلَا‭ ‬يَغْتَب‭ ‬بَّعْضُكُم‭ ‬بَعْضًا‭ ‬أَيُحِبُّ‭ ‬أَحَدُكُمْ‭ ‬أَن‭ ‬يَأْكُلَ‭ ‬لَحْمَ‭ ‬أَخِيهِ‭ ‬مَيْتًا‭ ‬فَكَرِهْتُمُوهُ‭ ‬وَاتَّقُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬تَوَّابٌ‭ ‬رَّحِيمٌ‮»‬،‭ ‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬صدَّقوا‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬وعملوا‭ ‬بشرعه‭ ‬اجتنبوا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬ظن‭ ‬السوء‭ ‬بالمؤمنين؛‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬ذلك‭ ‬الظن‭ ‬إثم،‭ ‬ولا‭ ‬تُفَتِّشوا‭ ‬عن‭ ‬عورات‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولا‭ ‬يقل‭ ‬بعضكم‭ ‬في‭ ‬بعضٍ‭ ‬بظهر‭ ‬الغيب‭ ‬ما‭ ‬يكره‭. ‬أيحب‭ ‬أحدكم‭ ‬أكل‭ ‬لحم‭ ‬أخيه‭ ‬وهو‭ ‬ميت؟‭ ‬فأنتم‭ ‬تكرهون‭ ‬ذلك،‭ ‬فاكرهوا‭ ‬اغتيابه‭. ‬وخافوا‭ ‬الله‭ ‬فيما‭ ‬أمركم‭ ‬به‭ ‬ونهاكم‭ ‬عنه‭. ‬إن‭ ‬الله‭ ‬تواب‭ ‬على‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين،‭ ‬رحيم‭ ‬بهم‭. ‬ثم‭ ‬وضع‭ ‬الإسلام‭ ‬آلية‭ ‬العلاقات‭ ‬الناجعة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬كل‭ ‬الناس،‭ ‬المسلم‭ ‬وغير‭ ‬المسلم،‭ ‬حيث‭ ‬التعارف‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬وتبادل‭ ‬المنافع‭ ‬والمصالح،‭ ‬فبين‭ ‬الحق‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭ ‬معيار‭ ‬التفاضل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ليس‭ ‬بالمنصب‭ ‬أو‭ ‬الجاه‭ ‬أو‭ ‬الغنى‭ ‬والثراء‭ ‬أو‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬ولكن‭ ‬معيار‭ ‬التفاضل‭ ‬هو‭ ‬التقوى‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ومراقبته‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬والعلن،‭ ‬لقد‭ ‬أسس‭ ‬الإسلام‭ ‬للمساواة‭ ‬فقال‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬إِنَّا‭ ‬خَلَقْنَاكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وَأُنثَى‭ ‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوبًا‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬أَكْرَمَكُمْ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَتْقَاكُمْ‮»‬‭ ‬‭[‬الحجرات‭: ‬13‭]‬‭. ‬وإذا‭ ‬تأملنا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬النبوية‭ ‬المطهرة‭ ‬فإن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬المساوة‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬تقييم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المنظر‭ ‬ولكن‭ ‬يتميز‭ ‬الإنسان‭ ‬بإتقان‭ ‬العمل‭ ‬وتحصيل‭ ‬ونشر‭ ‬العلم‭ ‬النافع‭ ‬والمسارعة‭ ‬إلى‭ ‬الخيرات‭. ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: (‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬صوركم‭ ‬وأموالكم،‭ ‬ولكن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬قلوبكم‭ ‬وأعمالكم‭) ‬رواه‭ ‬مسلم‭. ‬وفي‭ ‬حجة‭ ‬الوداع‭ ‬بين‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬لعربي‭ ‬على‭ ‬أعجمي‭ ‬ولا‭ ‬لأعجمي‭ ‬على‭ ‬عربي‭... ‬عن‭ ‬جابر‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬قال‭: (‬خطبنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬أيام‭ ‬التشريق‭ ‬خطبة‭ ‬الوداع‭ ‬فقال‭: ‬أيها‭ ‬الناس‭! ‬ألا‭ ‬إن‭ ‬ربكم‭ ‬واحد،‭ ‬ألان‭ ‬إن‭ ‬أباكم‭ ‬واحد،‭ ‬ألا‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬لعربي‭ ‬على‭ ‬أعجمي،‭ ‬ولا‭ ‬لأعجمي‭ ‬على‭ ‬عربي،‭ ‬ولا‭ ‬لأسود‭ ‬على‭ ‬أحمر،‭ ‬ولا‭ ‬لأحمر‭ ‬على‭ ‬أسود‭ ‬إلا‭ ‬بالتقوى‭) ‬رواه‭ ‬أحمد‭ ‬والبيهقي‭. ‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬يؤصل‭ ‬للإنسانية‭ ‬الواحدة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬لون‭ ‬ولون‭ ‬وجنس‭ ‬وجنس‭ ‬وأرض‭ ‬وأرض‭ ‬إلا‭ ‬بالتقوى‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬لقد‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬ليسوي‭ ‬بين‭ ‬بلال‭ ‬الحبشي،‭ ‬وأبي‭ ‬ذر‭ ‬الغفاري،‭ ‬ومعاذ‭ ‬الأنصاري،‭ ‬وصهيب‭ ‬الرومي،‭ ‬وسلمان‭ ‬الفارسي،‭ ‬وحمزة‭ ‬القرشي،‭ ‬بل‭ ‬لما‭ ‬افتخر‭ ‬بعضهم‭ ‬بأنسابهم‭ ‬قال‭ ‬سلمان‭: ‬أبي‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬أب‭ ‬لي‭ ‬سواه‭ ‬إذا‭ ‬افتخروا‭ ‬بقيس‭ ‬أو‭ ‬تميم‭. ‬

عن‭ ‬المعرور‭ ‬بن‭ ‬سويد،‭ ‬رَأَيْتُ‭ ‬أَبَا‭ ‬ذَرٍّ‭ ‬وَعليه‭ ‬حُلَّةٌ،‭ ‬وعلَى‭ ‬غُلَامِهِ‭ ‬مِثْلُهَا،‭ ‬فَسَأَلْتُهُ‭ ‬عن‭ ‬ذلكَ،‭ ‬قالَ‭: ‬فَذَكَرَ‭ ‬أنَّهُ‭ ‬سَابَّ‭ ‬رَجُلًا‭ ‬علَى‭ ‬عَهْدِ‭ ‬رَسولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عليه‭ ‬وَسَلَّمَ،‭ ‬فَعَيَّرَهُ‭ ‬بأُمِّهِ،‭ ‬قالَ‭: ‬‮«‬فأتَى‭ ‬الرَّجُلُ‭ ‬النبيَّ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عليه‭ ‬وَسَلَّمَ،‭ ‬فَذَكَرَ‭ ‬ذلكَ‭ ‬له،‭ ‬فَقالَ‭ ‬النبيُّ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عليه‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬إنَّكَ‭ ‬امْرُؤٌ‭ ‬فِيكَ‭ ‬جَاهِلِيَّةٌ،‭ ‬إخْوَانُكُمْ‭ ‬وَخَوَلُكُمْ،‭ ‬جَعَلَهُمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬تَحْتَ‭ ‬أَيْدِيكُمْ،‭ ‬فمَن‭ ‬كانَ‭ ‬أَخُوهُ‭ ‬تَحْتَ‭ ‬يَدَيْهِ،‭ ‬فَلْيُطْعِمْهُ‭ ‬ممَّا‭ ‬يَأْكُلُ،‭ ‬وَلْيُلْبِسْهُ‭ ‬ممَّا‭ ‬يَلْبَسُ،‭ ‬وَلَا‭ ‬تُكَلِّفُوهُمْ‭ ‬ما‭ ‬يَغْلِبُهُمْ،‭ ‬فإنْ‭ ‬كَلَّفْتُمُوهُمْ‭ ‬فأعِينُوهُمْ‭ ‬عليه‮»‬‭. ‬رواه‭ ‬مسلم‭. ‬الإسلام‭ ‬دِينٌ‭ ‬لم‭ ‬يُفرِّقِ‭ ‬بيْنَ‭ ‬الناسِ‭ ‬ولم‭ ‬يُمايُزِ‭ ‬بيْنَهم‭ ‬بالأنسابِ‭ ‬ولا‭ ‬الأحسابِ،‭ ‬ولا‭ ‬بالعِرْقِ‭ ‬ولا‭ ‬باللَّونِ،‭ ‬وإنَّما‭ ‬التَّمايزُ‭ ‬بالتقوَى‭ ‬والعَملِ‭ ‬الصَّالحِ،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الحَديثِ‭ ‬أنَّ‭ ‬أبا‭ ‬ذَرٍّ‭ ‬رَضيَ‭ ‬اللهُ‭ ‬عنه‭ ‬كان‭ ‬قدْ‭ ‬شَتَمَ‭ ‬رجُلًا‭ ‬وعيَّره‭ ‬بأُمِّه‭ ‬بقولِه‭: ‬يا‭ ‬ابنَ‭ ‬الأعجميةِ‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬ابنَ‭ ‬السوداءِ،‭ ‬أو‭ ‬نحوَ‭ ‬ذلِك،‭ ‬فلمَّا‭ ‬علِمَ‭ ‬النبيُّ‭ ‬صلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عليه‭ ‬وسلَّمَ‭ ‬بذلِك‭ ‬وبَّخَه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬مُنكِرًا‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬أعَيَّرْتَه‭ ‬بأُمِّه؟‭!‬‮»‬‭ ‬فشَتمْتَه‭ ‬ونَسَبْتَه‭ ‬إلى‭ ‬العارِ‭ ‬بأُمِّه؛‭ ‬‮«‬إِنَّك‭ ‬امْرُؤٌ‭ ‬فيكَ‭ ‬جاهليَّةٌ‮»‬‭. ‬فالسبُّ‭ ‬والشتْمُ‭ ‬والتعييرُ‭ ‬صِفةٌ‭ ‬مِن‭ ‬صِفاتِ‭ ‬الجاهليَّةِ،‭ ‬وهذا‭ ‬زَجرٌ‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الفِعلِ‭ ‬وتَقبيحٌ‭ ‬له‭.‬

بعد‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬يجب‭ ‬البعد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬التنمر‭ ‬بكل‭ ‬صوره‭ ‬لما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬نفسية‭ ‬ومادية‭ ‬وخيمة،‭ ‬وليعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الناس‮ ‬من‭ ‬جِهَة الآباء‭ ‬أكفاءُ،‭ ‬أبوهُم آدمُ‭ ‬والأُمُّ‭ ‬حوّاءُ‭. ‬ويجب‭ ‬كذلك‭ ‬العمل‭ ‬بتعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬لأن‭ ‬فيها‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التنمر‭ ‬وكل‭ ‬الشرور‭ ‬والآثام‭ ‬وفيها‭ ‬سعادة‭ ‬البشر‭ ‬والإنسانية‭ ‬جمعاء‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا