عبدالسلام عمري
لقد رسمت الآية السابقة الطريق القويم في علاقة المسلم بأخيه المسلم وأيضا علاقته بمجتمعه، لقد فصل القرآن الكريم بتوجيهاته السديدة طرائق ووسائل الوقاية من الشرور والآثام والغواية والتعيير والتنمر.. وذلك من أجل سد أبواب الشر وشمل في خطابه الذكر والأنثى، وتأتي الآية التالية لاستكمال جميع الإجراءات التي تمنع وقوع كافة أنواع الإيذاء، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ»، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم، ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك، فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين، رحيم بهم. ثم وضع الإسلام آلية العلاقات الناجعة بين الناس كل الناس، المسلم وغير المسلم، حيث التعارف والتعايش السلمي وتبادل المنافع والمصالح، فبين الحق تبارك وتعالى معيار التفاضل بين الناس ليس بالمنصب أو الجاه أو الغنى والثراء أو القوة والنفوذ ولكن معيار التفاضل هو التقوى والخوف من الله ومراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن، لقد أسس الإسلام للمساواة فقال عز وجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» [الحجرات: 13]. وإذا تأملنا في السنة النبوية المطهرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى المساوة والبعد عن تقييم الناس من حيث المنظر ولكن يتميز الإنسان بإتقان العمل وتحصيل ونشر العلم النافع والمسارعة إلى الخيرات. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم. وفي حجة الوداع بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي... عن جابر بن عبد الله قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، ألان إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) رواه أحمد والبيهقي.
هذا هو الإسلام الذي يؤصل للإنسانية الواحدة، حيث لا فرق بين لون ولون وجنس وجنس وأرض وأرض إلا بالتقوى والعمل الصالح، لقد جاء الإسلام ليسوي بين بلال الحبشي، وأبي ذر الغفاري، ومعاذ الأنصاري، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وحمزة القرشي، بل لما افتخر بعضهم بأنسابهم قال سلمان: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم.
عن المعرور بن سويد، رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، قالَ: فَذَكَرَ أنَّهُ سَابَّ رَجُلًا علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَعَيَّرَهُ بأُمِّهِ، قالَ: «فأتَى الرَّجُلُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ عليه». رواه مسلم. الإسلام دِينٌ لم يُفرِّقِ بيْنَ الناسِ ولم يُمايُزِ بيْنَهم بالأنسابِ ولا الأحسابِ، ولا بالعِرْقِ ولا باللَّونِ، وإنَّما التَّمايزُ بالتقوَى والعَملِ الصَّالحِ، وفي هذا الحَديثِ أنَّ أبا ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه كان قدْ شَتَمَ رجُلًا وعيَّره بأُمِّه بقولِه: يا ابنَ الأعجميةِ أو يا ابنَ السوداءِ، أو نحوَ ذلِك، فلمَّا علِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلِك وبَّخَه على ذلك وقال له مُنكِرًا عليه: «أعَيَّرْتَه بأُمِّه؟!» فشَتمْتَه ونَسَبْتَه إلى العارِ بأُمِّه؛ «إِنَّك امْرُؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ». فالسبُّ والشتْمُ والتعييرُ صِفةٌ مِن صِفاتِ الجاهليَّةِ، وهذا زَجرٌ عن هذا الفِعلِ وتَقبيحٌ له.
بعد هذا العرض يجب البعد كل البعد عن التنمر بكل صوره لما يترتب عليه من آثار نفسية ومادية وخيمة، وليعلم الجميع أن الناس من جِهَة الآباء أكفاءُ، أبوهُم آدمُ والأُمُّ حوّاءُ. ويجب كذلك العمل بتعاليم الإسلام لأن فيها الوقاية من كل التنمر وكل الشرور والآثام وفيها سعادة البشر والإنسانية جمعاء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك