كتاب جديد صدر لنا في الاسبوع الماضي بعنوان «لا شيء مستحيل.. ملامح من منجزات الإصلاح والتنمية المستدامة في المرحلة الأولى لرؤية المملكة العربية السعودية 2030» عن دار ناشر الصحراء في الرياض بالمملكة العربية السعودية، احتوى الكتاب على (300) صفحة موزعة على مقدمة وتمهيد، و(28) فصلا وخاتمة، وقد رصد الكتاب وحلل قصة نجاح تجربة الإصلاح والتنمية المستدامة في المرحلة الأولى لرؤية المملكة 2030، التي امتدت من 2016 حتى 2021 وأثبتت الإنجازات التي تم تحقيقها خلال هذه المرحلة أن مكامن القوة في الاقتصاد السعودي أكبر بكثير مما كان متصورا، وتحقق الكثير من الإنجازات الضخمة خلال وقت وجيز، مثل تحقيق تقدم كبير في مجال التوازن المالي، وتنمية الإيرادات غير النفطية، وارتفاع نسبة المكون المحلي في مختلف مفاصل قطاعات الاقتصاد السعودي، وسعودة أغلب الوظائف الحكومية ونسبة متنامية من التوظيف في القطاع الخاص، وتحقيق قفزة في معدلات تملك المساكن، وغيرها من الإنجازات التي تحققت في المملكة على الرغم من التحديات والأزمات العالمية والإقليمية، وهذا يؤكد متانة الاقتصاد السعودي، وقوة مرتكزاته. ومما ينبغي الإشارة إليه أنه حينما أعلنت تفاصيل الرؤية، وتحدث سمو الأمير محمد بن سلمان عن متضمناتها، نظر اليها الكثيرون على أنها أحلام وردية لن تجد طريقها إلى التنفيذ لما يعترض طريقها من صعاب وتحديات، إلا أنها أصبحت بعد خمس سنوات من التنفيذ حقيقة واقعة تنبئ بمملكة عربية سعودية عظمى بكل معنى للكلمة، على الرغم من كل العراقيل والتحديات المتعددة المصادر والأساليب والاتجاهات التي لم ولن تتوقف مادام مسيرة النهضة والبناء والتنمية المستدامة مستمرة ومتصاعدة من دون الاعتماد حد التبعية على أي قوة، غير قوة الله جل في علاه أولا، والثقة المطلقة بإمكانات الشعب السعودي ثانيا. وقد حرص مؤلف الكتاب على متابعة رؤية المملكة 2030 منذ انطلاقها، وكانت أول مقالة في سلسلة مقالات كتبها عن الرؤية في صحيفة «أخبار الخليج» بعنوان «مرئيات أولية في الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية (1)» بتاريخ 30 أبريل 2016. واستمر في الكتابة عنها لأكثر من (30) مقالا خلال سنواتها الخمس الأولى، كما قدم محاضرة لعرض وبيان أهمية الرؤية ومميزاتها في 18 مايو 2016 في المركز الثقافي لجمعية الوحدة الوطنية في البحرين، ضمن ندوة أقامتها جمعية الوحدة الوطنية حول الرؤى الاستراتيجية الخليجية، أدارها المؤلف، وقد تم التركيز فيها على مقومات النجاح التي تحملها الرؤية وتفنيد المقالات والتصريحات التي صدرت في الغرب وتشكك فيها، وعدّ ذلك دليلا مضافا إلى اهميتها وقدرتها على اطلاق المارد العربي السعودي ليعيد للأمة العربية والإسلامية هيبتها ومكانتها، ثم استمر في متابعة ورصد إنجازاتها وعرضها وتحليلها، طيلة المرحلة الاولى من عمرها، فكان هذا الكتاب ثمرة واستكمالا لذلك الجهد.
ويتشرف المؤلف في تقديم هذا الكتاب هدية إلى مقام ملك العزم والحزم والحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أيده الله وأطال في عمره، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء مهندس الرؤية وقائدها التنفيذي وصانع إنجازاتها. والإهداء موصول إلى شعب المملكة العربية السعودية هدف وغاية ووسيلة الرؤية للانطلاق نحو المجد والرفعة. وللشعوب العربية والإسلامية لتطلع على تجربة البناء والإصلاح والنهضة في المملكة العربية السعودية، حيث تتوافر القيادة الوطنية المستقلة الشجاعة الصادقة والرشيدة .
احتوت المقدمة على عرض تاريخي لتطور المملكة العربية السعودية، بدءا من توحيدها، فقد كان يعتقد أن توحيد المملكة العربية السعودية، شبه الجزيرة المترامية الاطراف، وبسط الأمن والاستقرار والرخاء في ربوعها، ضربا من الخيال، الا انه تحول إلى حقيقة ساطعة بعد أن أتمّ الله سبحانه وتعالى للملك الموحد المغفور له بإذن الله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، قبل نحو واحد وتسعين عاما، نعمة ونصر توحيد المملكة العربية السعودية، ونال باستحقاق بيعة الشعب وولاءه وإخلاصه، وعرفانه بالقدرات الفذة والمميزات الرفيعة التي اتسمت بها شخصية القائد الملك الموحد، فهو سليل أولئك الرجال الذين أقاموا قبل نحو ثلاثة قرون أول دولة عربية سعودية عاصمتها الدرعية في عام 1727م، في وقت كانت تشهد فيه شبه الجزيرة العربية فوضى اجتماعية وسياسية، وتدهورا اقتصاديا كبيرا. وحينما انهارت عام 1817م بعد ان تكالبت عليها القوى المعادية، فإن أسرة آل سعود لم تستسلم للواقع المرير، فاستمرت في استنهاض القبائل العربية، وإبرام المواثيق والتحالفات في سبيل الخروج من هذا الواقع حتى تمكنت من إقامة الدولة السعودية الثانية سنة 1827م وعاصمتها الرياض، إلا أنها لم تدم طويلا بسبب الخلافات بين أبناء الأسرة الواحدة، ما أتاح الفرصة لأميرها على حائل من الانقضاض عليها وإسقاطها عام 1891م. ومرة اخرى عاود آل سعود جمع صفوفهم وتوحيد كلمتهم وبناء تحالفاتهم ليتمكنوا بقيادة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من دخول الرياض في 15يناير1902م، إيذانا بقيام الدولة السعودية الثالثة وعاصمتها الرياض. وشرع ومن بعده أبناؤه البررة في بناء دولة حديثة عبر إنفاذ سياسات تنموية نقلت المجتمع العربي السعودي من واقع تهيمن عليه ظروف الحياة الصعبة، الى مجتمع مدني يسعى الى تحقيق التنمية والنهضة والتطور والازدهار، وفي مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية. وحينما تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أطال الله في عمره، مقاليد الحكم عام 2015م، بشر بانتقال المملكة إلى مرحلة جديدة من التطوير والإصلاح والتجديد، وإعادة بناء هيكل الدولة وتشريعاتها ونظمها، واعتماد قيادات وطنية شابة مؤهلة ومتحفزة للبذل والعطاء والتطوير بدءا من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ثم رئيسا لمجلس الوزراء، فضلا عن إصدار رؤية المملكة 2030 التي كان الأمير محمد بن سلمان مهندسها وقائدها التنفيذي، لتمثل الخطة الاستراتيجية التي تقود المملكة إلى النهضة والتنويع والتمكين. وللموضوع بقية في مقالات قادمة إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك