العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

معركة تونس مع إملاءات صندوق النقد الدولي

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٠٢ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

تشكل‭ ‬معركة‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬نموذجا‭ ‬للمواجهة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬وأزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وبين‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬معلومة‭ ‬ومكررة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الفقيرة‭ ‬والمأزومة‭ ‬اقتصاديا‭.‬

لقد‭ ‬طلبت‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬قرضا‭ ‬لسد‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬ميزانيتها‭ ‬لعام‭ ‬2023‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬المستفحلة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬وبسبب‭ ‬التركة‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬ورثها‭ ‬الرئيس‭ ‬سعيد‭ ‬عن‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة،‭ ‬فيما‭ ‬بات‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬العشرية‭ ‬السوداء،‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬تأثيرا‭ ‬مدمرا‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬نتيجة‭ ‬للفساد‭ ‬والسرقات‭ ‬والنهب‭ ‬والتداين‭ ‬المفرط،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬وصعوبات‭ ‬كبيرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المتطلبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬المتردية‭.‬

طلبت‭ ‬تونس‭ ‬قرضا‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬بملياري‭ ‬دولار‭ ‬فوضع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬4‭ ‬شروط‭ ‬قاسية‭ ‬لمنح‭ ‬تونس‭ ‬هذا‭ ‬القرض‭:‬

الأول‭: ‬إلغاء‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬تونس‭ ‬للطبقات‭ ‬الفقيرة‭ ‬ومحدودي‭ ‬الدخل،‭ ‬والذي‭ ‬يشمل‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية‭ ‬والمحروقات‭ ‬والأدوية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬دعامة‭ ‬أساسية‭ ‬للاستقرار‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬الإلغاء‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬سنوات‭.‬

الثاني‭: ‬خصخصة‭ ‬الشركات‭ ‬الحكومية‭ ‬الوطنية‭ ‬التونسية‭ ‬وفق‭ ‬جدول‭ ‬محدد‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬بيعها‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬وتحرير‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬200‭ ‬شركة‭ ‬وتوفر‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬للتونسيين‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭.‬

الثالث‭: ‬وقف‭ ‬عملية‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬الوظائف‭ ‬وتسريح‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬والقطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬لتخفيف‭ ‬فاتورة‭ ‬الرواتب‭ ‬وتمكين‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬سداد‭ ‬خدمة‭ ‬الدين‭ ‬والاستثمار‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬لهذه‭ ‬الموارد‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وفي‭ ‬النشاط‭ ‬التنموي‭.‬

الرابع‭: ‬إصلاح‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬وتقليل‭ ‬الامتيازات‭ ‬التقاعدية‭ ‬وزيادة‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭ ‬إلى‭ ‬65‭ ‬سنة‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الاشتراطات‭ ‬التي‭ ‬أسماها‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬بالإملاءات‭ ‬نجدها‭ ‬تفضي‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضات‭ ‬شعبية‭ ‬لأن‭ ‬الطبقات‭ ‬الفقيرة‭ ‬ومحدودي‭ ‬الدخل‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تستغني‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬وهي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليه‭ ‬أساسا‭ ‬لكي‭ ‬تستطيع‭ ‬تأمين‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬المعيشية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬أعرب‭ ‬الرئيس‭ ‬سعيد‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬الكامل‭ ‬لإملاءات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإملاءات‭ ‬لن‭ ‬تمر،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬التونسي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هذه‭ ‬الإملاءات‭ ‬متأزم،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬قبلت‭ ‬تونس‭ ‬بهذه‭ ‬الشروط‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬سيتأزم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭. ‬ويرى‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬وتعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬الداخلية‭ ‬مع‭ ‬مباشرة‭ ‬إصلاحات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الضريبية‭ ‬وإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬وتنشيط‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬السياحة‭ ‬والفوسفات‭ ‬والبترول‭ ‬والغاز‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الثروات‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الإضرار‭ ‬بها‭ ‬بعمق‭ ‬خلال‭ ‬العشرية‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬وأوصلته‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬فإن‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬كمؤسسة‭ ‬مالية‭ ‬ربحية‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬موضوع‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للدول‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يهمها‭ ‬قدرة‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يقترض‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬سداد‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬مواعيده‭ ‬مع‭ ‬الفوائد‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬ورأى‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬سايرت‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السبيل‭ ‬كيف‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬مأزومة،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬وفرض‭ ‬ضرائب‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬والثروات‭ ‬وإعادة‭ ‬الأموال‭ ‬المنهوبة‭ ‬والمهربة‭ ‬إلى‭ ‬البلد‭ ‬تشكل‭ ‬مفتاح‭ ‬الحل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كبداية‭ ‬لإعادة‭ ‬تحريك‭ ‬عجلة‭ ‬التنمية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الخضوع‭ ‬للإملاءات‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬نتائجها‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الموافقة‭ ‬عليها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا