العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في التجربة التنموية السعودية.. لا شيء مستحيل (2)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬2016‭ ‬أشهرت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬رؤيتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬التنموية‭ ‬وتحقيق‭ ‬إصلاحات‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة،‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ (‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬2030‭)‬،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬الرؤية‭ ‬هي‭ ‬إطار‭ ‬إصلاحي‭ ‬شامل‭ ‬لأهداف‭ ‬المجتمع‭ ‬المستقبلية‭ ‬مدعومة‭ ‬بمؤشرات‭ ‬رقمية‭ ‬لتيسير‭ ‬صياغة‭ ‬الخطط‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المديين‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التقييم‭ ‬ومتابعة‭ ‬التنفيذ،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬سلط‭ ‬الفصل‭ ‬التمهيدي‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬وانشغالات‭ ‬وفلسفة‭ ‬الاصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬الرؤية،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬عمل‭ ‬او‭ ‬سلوك‭ ‬جزء‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬النظام‭ ‬المجتمعي‭ ‬ومعالجة‭ ‬القصور‭ ‬والاختلال‭ ‬الذي‭ ‬يشوبه،‭ ‬والسعي‭ ‬للنهوض‭ ‬بالمجتمع‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النواحي‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭. ‬اي‭ ‬انه‭ ‬أسـلوب‭ ‬ومدخل‭ ‬جديد‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬وتنظيم‭ ‬وتكامل‭ ‬العلاقات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬للمجتمع‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬إلى‭ ‬الارتقاء‭ ‬والنهضة‭ ‬والتقدم‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬عرف‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬السعودي‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬‭ ‬أثناء‭ ‬تقديمه‭ ‬لها‭ ‬‭ ‬بالقول‭ ‬‮«‬يسرني‭ ‬أن‭ ‬أقدّم‭ ‬لكم‭ ‬رؤية‭ ‬الحاضـر‭ ‬للمستقبل،‭ ‬التي‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬العمل‭ ‬بها‭ ‬اليـوم‭ ‬لِلـغد،‭ ‬بحيث‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬طموحـاتنا‭ ‬جميـعاً‭ ‬وتعكس‭ ‬قـدرات‭ ‬بلادنا‮»‬‭. ‬لذا‭ ‬جاءت‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬2030‭  ‬كمشروع‭ ‬اصلاح‭ ‬اقتصادي‭ ‬استراتيجي‭ ‬وطني‭ ‬شامل،‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬وإدراك‭ ‬وطني،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬نتاج‭ ‬ضغوط‭ ‬خارجية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معتاد‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الاصلاح‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬النامية،‭ ‬وانما‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬المملكة‭ ‬وثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬ومستوى‭ ‬وعيه‭ ‬ومعتقداته،‭ ‬وهادفة‭ ‬الى‭ ‬نقل‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬انتاج‭ ‬وتصدير‭ ‬النفط‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المتنوع‭ ‬الموارد،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬إنتاجيته‭ ‬وإرساء‭ ‬قواعد‭ ‬ديناميكية‭ ‬لمتطلبات‭ ‬النهوض‭ ‬والتطور،‭ ‬مواكبة‭ ‬للمتغيرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والتقنية‭ ‬والعلمية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬ان‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يؤمّن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مقابل‭ ‬مخاطر‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬ترافق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي،‭  ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تحفيزه‭ ‬لجذب‭ ‬واستنبات‭ ‬التقنية‭ ‬والابتكار،‭ ‬وتوفيره‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬الروابط‭ ‬الصناعية‭ ‬المتداخلة،‭ ‬وفي‭ ‬عوامل‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وزيادة‭ ‬الصادرات‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬استدامة‭ ‬النمو‭ ‬وتغذية‭ ‬واستخدام‭ ‬عنصر‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬نموذج‭ ‬الاصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السعودي‭ ‬نتاج‭ ‬وصفات‭ ‬دولية‭ ‬جاهزة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استفادته‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الدول‭ ‬الاخرى‭ ‬التي‭ ‬سلكت‭ ‬طريق‭ ‬الإصلاح،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الرؤية‭ ‬نجاحات‭ ‬سريعة‭ ‬ومشهودة‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬تنفيذها،‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬عالم‭ ‬سريع‭ ‬الإيقاع،‭ ‬تجري‭ ‬متغيراته‭ ‬بسرعة‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬أصبحت‭ ‬المرحلة‭ ‬الزمنية‭ ‬في‭ ‬منظوره،‭ ‬متغيرا‭ ‬لحظيا،‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬امتداد‭ ‬السنين‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬التأجيل،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬ارتقت‭ ‬سريعا‭ ‬بمعايير‭ ‬ومؤشرات‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬وهذا‭ ‬ناجم‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬قيادة‭ ‬المملكة‭ ‬بأننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التحدي‭ ‬الحضاري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يترك‭ ‬بصماته‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬والذي‭ ‬يتطلب‭ ‬تواصلا‭ ‬متسارعا‭ ‬لمسيرة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتحديث‭ ‬والتنمية،‭ ‬ومواكبة‭ ‬ديناميكية،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬استباقا‭ ‬للمستجدات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬والتنموية‭ ‬والتقنية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭. ‬وقد‭ ‬حرصت‭ ‬قيادة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬يوكل‭ ‬اليها‭ ‬الاشراف‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬الرؤية‭ ‬وتنفيذ‭ ‬إجراءاتها،‭ ‬الفاعلية‭ ‬والديناميكية،‭ ‬وان‭ ‬تعتمد‭ ‬الشفافية‭ ‬والوضوح‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭. ‬وان‭ ‬تكون‭ ‬مواردها‭ ‬البشرية‭ ‬مؤمنة‭ ‬أشد‭ ‬الايمان‭ ‬ومقتنعة‭ ‬تمام‭ ‬الاقتناع‭ ‬بمبادئ‭ ‬وسياسات‭ ‬الاصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التي‭ ‬تستهدفها،‭ ‬ومؤهلة‭ ‬ومستعدة‭ ‬للدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬القوى‭ ‬المشككة‭ ‬بضرورة‭ ‬الاصلاح‭ ‬وفاعلية‭ ‬سياساته‭. ‬كما‭ ‬سعت‭ ‬قيادة‭ ‬المملكة‭ ‬وبكل‭ ‬قوة‭ ‬الى‭ ‬الربط‭ ‬المحكم‭ ‬بين‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتقدم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والرفاهية،‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬الإصلاح‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬درجة‭ ‬كفاءة‭ ‬سياساته‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي‭ ‬سيفشل‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتقدم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والرفاهية‭ ‬لجميع‭ ‬الفئات‭ ‬والمكونات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ذلك‭  ‬ما‭ ‬أكده‭   ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ -‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭-  ‬بالقول‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬انطلقت‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬2030‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وطن‭ ‬مزدهر‭ ‬يتحقق‭ ‬فيه‭ ‬ضمان‭ ‬مستقبل‭ ‬أبنائنا‭ ‬وبناتنا،‭ ‬بتسخير‭ ‬منظومة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬البرامج؛‭ ‬لرفع‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬وصحة‭ ‬وإسكان‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية،‭ ‬وإيجاد‭ ‬مجالات‭ ‬وافرة‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬وتنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ليتمتع‭ ‬بالصلابة‭ ‬والمتانة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المتغيرات‭ ‬عالميا،‭ ‬لتحتل‭ ‬المملكة‭ ‬مكانتها‭ ‬اللائقة‭ ‬إقليميا‭ ‬وعالميا‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ذات‭ ‬الاتجاه‭ ‬يوضح‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬السعودي‭ ‬تطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬السعودي‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬الرؤية‭ ‬ملبية‭ ‬لها‭ ‬بالقول‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬نريد‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬يريد‭ ‬الشعب‭ ‬السعودي‭ ‬‭ ‬استثمار‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬وتطوير‭ ‬أنفسنا‭ ‬أفرادا‭ ‬وأسرا،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ديننا‭ ‬وتقاليدنا،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نستمر‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬مضت،‭ ‬لقد‭ ‬ولى‭ ‬زمان‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة،‭ ‬والآن‭ ‬نحن‭ ‬نستشرف‭ ‬مستقبلا‭ ‬جديدا‭ ‬مليئا‭ ‬بالأمل‭ ‬والعمل‭ ‬والخيرات‮»‬‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا