العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في المشهد العالمي.. «أوبنهايمر» والإبادة الجماعية

بقلم: د. عبد المنعم سعيد {

الجمعة ٠٤ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

يمر‭ ‬العالم‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بنوبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التشاؤم‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬البشرية‭. ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬في‭ ‬الدوريات‭ ‬العلمية‭ ‬تتحدث‭ ‬بإصرار‭ ‬عن‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬‮«‬موجة‭ ‬سادسة‮»‬‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للمخلوقات‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضًا‭ ‬للإنسان‭.‬

لا‭ ‬أدري‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬راجعًا‭ ‬إلى‭ ‬نوبات‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الكوكب‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬والأشكال‭ ‬المصاحبة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬البراكين‭ ‬في‭ ‬نوبات‭ ‬ثائرة،‭ ‬وتدفق‭ ‬الفيضانات‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬والجفاف‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭. ‬مجمع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬حرائق‭ ‬فائرة‭ ‬في‭ ‬الغابات‭ ‬الساكنة،‭ ‬ومثيلاتها‭ ‬عندما‭ ‬يجتمع‭ ‬الازدحام‭ ‬الشديد‭ ‬مع‭ ‬شرارة‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭.‬

نوبات‭ ‬الإبادة‭ ‬السابقة‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬نعلم‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬بينما‭ ‬تراوحت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬البرودة‭ ‬الشديدة‭ ‬والحرارة‭ ‬الأكثر‭ ‬شدة،‭ ‬وعندما‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬نهاية‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬توليد‭ ‬الغذاء‭ ‬وصلت‭ ‬حضارات‭ ‬كاملة‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭. ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬المخلوقات‭ ‬المتنوعة،‭ ‬فيها‭ ‬الكبير‭ ‬بأنواع‭ ‬الديناصورات‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومنها‭ ‬الدقيق‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الحشرات،‭ ‬جرَت‭ ‬إبادته‭. ‬الإبادة‭ ‬المتوقعة‭ ‬حاليًا‭ ‬جاءت‭ ‬بتأثيرات‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬وثورته‭ ‬الصناعية‭ ‬وسلوكياته‭ ‬غير‭ ‬الحضارية،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المخلوقات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تراجع‭ ‬كمي‭ ‬ونوعي؛‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬ذاته‭ ‬بما‭ ‬سببته‭ ‬من‭ ‬‮«‬احتباس‭ ‬حراري‮»‬‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الكوكب‭.‬

غاب‭ ‬التوازن‭ ‬الطبيعي‭ ‬منذ‭ ‬دخل‭ ‬القطبان‭ ‬الشمالي‭ ‬والجنوبي‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الذوبان،‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عنهما‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬والمياه‭ ‬في‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭. ‬عمّت‭ ‬الفوضى‭ ‬بين‭ ‬المخلوقات‭ ‬البحرية،‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬بعينها،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تنقلب‭ ‬درجات‭ ‬حرارتها،‭ ‬فتجبر‭ ‬هذه‭ ‬على‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬بيئات‭ ‬لم‭ ‬تعتدها،‭ ‬فتزيد‭ ‬عدوانيتها،‭ ‬وتختلّ‭ ‬سبل‭ ‬تكاثرها‭ ‬وتناسلها‭.‬

الغريب‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التشاؤم‭ ‬حول‭ ‬حالة‭ ‬الطبيعة‭ ‬والإنسان‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬فيه‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭ ‬ثمانية‭ ‬مليارات‭ ‬نسمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تقدمًا‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬مسلحون‭ ‬بقدرات‭ ‬فائقة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الفيروسات‭ ‬والأوبئة‭. ‬ومع‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة‭ ‬المسلحة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فإن‭ ‬القدرات‭ ‬الإنسانية‭ ‬سوف‭ ‬تتضاعف‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬المقبلة‭. ‬المدهش‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬تحديدًا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يُخيف‭ ‬ويبعث‭ ‬على‭ ‬تشاؤم‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬تضاعف‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬القدرات‭ ‬التدميرية‭ ‬للإنسان‭ ‬كذلك‭. ‬وليس‭ ‬معلومًا‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المصادفة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بفيلم‭ ‬‮«‬أوبنهايمر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الشاشات‭ ‬العالمية،‭ ‬ربما‭ ‬ليُذكر‭ ‬بتلك‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬فيها‭ ‬إنسان‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لإنسان‭ ‬آخر‭ ‬لكي‭ ‬يُقصر‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬حرب‭ ‬دائرة‭. ‬القصة‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬نشوب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حينما‭ ‬طلب ألبرت‭ ‬أينشتاين‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬فرانكلين‭ ‬روزفلت‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬لجنة‭ ‬قومية‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬الاستخدامات‭ ‬التدميرية‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭. ‬وهكذا‭ ‬باتت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬جاهزة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1941‭ ‬لكي‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬مع‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بدأ‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬مانهاتن‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬به‭ ‬جي‭. ‬روبرت‭ ‬أوبنهايمر‭ ‬ذو‭ ‬الأصول‭ ‬الألمانية،‭ ‬والذي‭ ‬هاجرت‭ ‬أسرته‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتعلم‭ ‬فيها‭ ‬لكي‭ ‬ينتج‭ ‬أول‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭ ‬عرفها‭ ‬الإنسان‭. ‬وفي‭ ‬السادس‭ ‬والتاسع‭ ‬من‭ ‬اغسطس‭ ‬عام‭ ‬1945‭ ‬جرى‭ ‬إلقاؤها‭ ‬على‭ ‬هيروشيما‭ ‬وناجازاكي‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬الأولى‭ ‬140‭ ‬ألفًا،‭ ‬وفي‭ ‬الثانية‭ ‬80‭ ‬ألفًا،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الأرقام‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬القصف،‭ ‬أما‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬فقد‭ ‬استمرت‭ ‬عقودًا‭ ‬أُضيفت‭ ‬فيها‭ ‬عشرات‭ ‬الألوف‭ ‬ممن‭ ‬تعرضوا‭ ‬للإشعاع‭ ‬ونتائج‭ ‬الحريق‭.‬

لاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬عند‭ ‬إلقاء‭ ‬هذه‭ ‬القنابل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬أمريكا‭ ‬إلا‭ ‬قنبلتان‭ ‬فقط،‭ ‬ظن‭ ‬اليابانيون‭ ‬معها‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬المزيد،‭ ‬فقرروا‭ ‬الاستسلام؛‭ ‬وأن‭ ‬الأميركيين‭ ‬اختاروا‭ ‬مدينتين‭ ‬صغيرتين‭ ‬لكي‭ ‬تكونا‭ ‬ميدانًا‭ ‬للتجربة،‭ ‬ولو‭ ‬جرى‭ ‬الإلقاء‭ ‬على‭ ‬طوكيو‭ ‬العاصمة‭ ‬لكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬ولكن‭ ‬عصر‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للجنس‭ ‬البشري‭ ‬بدأ‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭.‬

أوبنهايمر‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬ترومان‭ ‬قائلًا‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬يده‭ ‬دماء‭ ‬قتلى‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬أخرجه‭ ‬إلى‭ ‬الوجود؛‭ ‬وفي‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬استخدام‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية‭ ‬قد‭ ‬صار‭ ‬‮«‬ملاك‭ ‬الموت‮»‬‭ - ‬من‭ ‬الداعين‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬الحد‭ ‬من‭ ‬التسلح‮»‬،‭ ‬واعترض‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الأسلحة‭ ‬‮«‬الهيدروجينية‮»‬‭ ‬الأكثر‭ ‬تدميرًا‭. ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬نجح‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬أول‭ ‬اختبار‭ ‬للسلاح‭ ‬النووي‭ ‬عام‭ ‬1949،‭ ‬بدأ‭ ‬السباق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ولم‭ ‬ينتهِ‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬وما‭ ‬نعرفه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القنبلة‭ ‬الأولى‭ ‬باتت‭ ‬موصوفة‭ ‬بأنها‭ ‬قنابل‭ ‬الطفولة‭. ‬أوبنهايمر‭ ‬نفسه‭ ‬بات‭ ‬عليه‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬قاسية‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬اليمينية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬‮«‬المكارثية‮»‬‭ ‬طالت‭ ‬الرجل،‭ ‬متهمة‭ ‬إياه‭ ‬بتسريب‭ ‬أسرار‭ ‬القنبلة‭ ‬إلى‭ ‬السوفييت،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1954‭ ‬تعرض‭ ‬لتحقيقات‭ ‬مُهينة‭. ‬ولكن‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬جرى‭ ‬للرجل،‭ ‬فإن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬استمر‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬خمس‭ ‬دول‭ ‬نووية‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬بالقوى‭ ‬الدائمة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬وهي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ (‬روسيا‭ ‬الآن‭) ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والصين،‭ ‬فإن‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬وإسرائيل‭ ‬انضمت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النادي‭ ‬سرًّا‭ ‬وعلنًا‭. ‬أصبحت‭ ‬معاهدة‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬أمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬‮«‬القادرة‭ ‬نوويًّا‮»‬‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬السلاح،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬على‭ ‬مرمى‭ ‬حجر‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬السياسي،‭ ‬تصير‭ ‬بعده‭ ‬الدولة‭ ‬‮«‬نووية‮»‬‭.‬

خلال‭ ‬العقد‭ ‬الحالي،‭ ‬بات‭ ‬الجنس‭ ‬البشرى‭ ‬مهددًا‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬لمخلوقات‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬الأوبئة‭ ‬التي‭ ‬شاهد‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬موت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬من‭ ‬وباء‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬المصابون‭ ‬فقد‭ ‬تعدوا‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين،‭ ‬والآن‭ ‬فإن‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬يبدو‭ ‬ضاغطًا‭ ‬دون‭ ‬قدرة‭ ‬إنسانية‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الخلف؛‭ ‬ولأول‭ ‬مرة،‭ ‬منذ‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الكوبية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عقد‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬يبدأ‭ ‬العالم‭ ‬مواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬مباشرة‭ ‬باستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬تكتيكية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬التهديد‭ ‬الماثل‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لأخطار‭ ‬بالغة‭. ‬ظهور‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬أوبنهايمر‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سبقه‭ ‬فيلم‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مصادفة،‭ ‬وإنما‭ ‬تذكرة‭ ‬للإنسانية‭ ‬بالأخطار‭ ‬البالغة‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭.‬

ماذا‭ ‬تستطيع‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬التشاؤم‭ ‬الشديد‭ ‬والمدعم‭ ‬بموجات‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الفعلية؟‭ ‬الإجابة‭ ‬مصيرية،‭ ‬والحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬إجابة‭ ‬الدول‭ ‬البازغة،‭ ‬هي‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأخطار‭ ‬ليست‭ ‬قائمة،‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬ليست‭ ‬جارية‭. ‬ما‭ ‬ثبت‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬الكوني‭ ‬منها‭ ‬والمحلي‭. ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬التشاؤم‭ ‬بعيدًا‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فإن‭ ‬المشروعات‭ ‬المصرية‭ ‬المختلفة‭ ‬يجري‭ ‬الاستمرار‭ ‬فيها؛‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬أُضيفت‭ ‬إليها‭ ‬استثمارات‭ ‬جديدة‭ ‬خاصة‭ ‬محلية‭ ‬وخارجية،‭ ‬ودرجات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي،‭ ‬لأمكن‭ ‬التحصين‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر‭. ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬مطلوب،‭ ‬ومفتاحه‭ ‬تعاون‭ ‬أمريكي‭ ‬صيني‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬أو‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الخطر‭ ‬النووي‭. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬{‭ ‬كاتب‭ ‬ومفكر‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا