العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مفارقات المواقف الروسية والغربية

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٠٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تجرى‭ ‬المقارنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬والمواقف‭ ‬السياسية‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬حول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والخلافات‭ ‬والأزمات‭ ‬تتضمن‭ ‬مفارقات‭ ‬غريبة‭ ‬عجيبة‭ ‬لا‭ ‬يتقبلها‭ ‬العقل،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬المفارقات‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬التي‭ ‬صورها‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬غزو‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬صورتها‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬عملية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسي‭ ‬وحماية‭ ‬السكان‭ ‬الناطقين‭ ‬بالروسية‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬كعرب‭ ‬فيمكننا‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والموقف‭ ‬الروسي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

إن‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬احتلال‭ ‬كامل‭ ‬الأركان‭ ‬لما‭ ‬يعنيه‭ ‬الاحتلال‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والعسكري،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمساندة‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬غطاء‭ ‬من‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬التابع‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬همجية‭ ‬وحشية‭ ‬عصفت‭ ‬بهذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬بوابة‭ ‬مهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأمن‭ ‬العربي‭ ‬عامة‭ ‬وأمن‭ ‬الخليج‭ ‬خاصة،‭ ‬وتم‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬اجتثاث‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته‭ ‬وتدمير‭ ‬البنية‭ ‬العسكرية‭ ‬العراقية‭ ‬بالكامل‭ ‬وحل‭ ‬وتفكيك‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬والأمن‭ ‬والمخابرات‭ ‬العراقية‭ ‬وإحلال‭ ‬المليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬محلها،‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬بالكامل‭ ‬يحكمها‭ ‬السيد‭ ‬بول‭ ‬بريمر‭ ‬باعتباره‭ ‬مقيما‭ ‬عاما‭ ‬أدار‭ ‬العراق‭ ‬وهندس‭ ‬نظامها‭ ‬السياسي‭ ‬الطائفي‭ ‬الجديد‭ ‬كما‭ ‬تريده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مدة‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬سلم‭ ‬بعدها‭ ‬سلطة‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬المليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭ ‬وإقامة‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬للعراق‭ ‬ولشعبه،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬القطر‭ ‬العراقي‭ ‬الشقيق‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والأمني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭. ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬كانت‭ ‬نتيجته‭ ‬النهائية‭ ‬ليس‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬وتهجير‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬عراقي‭ ‬يعيشون‭ ‬اليوم‭ ‬لاجئين‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬لسلسلة‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬تذكرنا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بحرب‭ ‬الفلوجة‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬تدمير‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬يقاوم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬والحكام‭ ‬الجدد‭ ‬التابعين‭ ‬له‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬يختلف‭ ‬تماما‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬رسمي‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬استنجدت‭ ‬بالحليف‭ ‬الروسي‭ ‬لمساعدتها‭ ‬عسكريا‭ ‬وأمنيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التدخل‭ ‬الغربي‭ ‬واستعادة‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬عليها‭ ‬المليشيات‭ ‬المختلفة‭ ‬والقوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬الغازية‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬والشرق‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬الدعم‭ ‬الروسي‭ ‬قد‭ ‬أوقف‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مشروع‭ ‬تدمير‭ ‬سوريا،‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الشقيق‭ ‬ووضع‭ ‬حدا‭ ‬لتلك‭ ‬الأوضاع‭ ‬غير‭ ‬المستقرة،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬سوريا‭ ‬تدريجيا‭ ‬تستعيد‭ ‬عافيتها‭ ‬وبدأت‭ ‬عجلة‭ ‬الإنتاج‭ ‬تدور‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وتحسن‭ ‬الحالة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬استقرارا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬وعادت‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي‭ ‬واستعادت‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العرب‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بمباركة‭ ‬عربية‭. ‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬فإن‭ ‬المثل‭ ‬الفنزولي‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬المفارقات‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الغربية‭ ‬والمواقف‭ ‬الروسية،‭ ‬فقد‭ ‬سعت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬الفنزولي‭ ‬الشرعي‭ ‬نيكولاس‭ ‬مادورو‭ ‬وتعيين‭ ‬رئيس‭ ‬آخر‭ ‬اعترفت‭ ‬به‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬ساند‭ ‬الشرعية‭ ‬الفنزويلية‭ ‬وبفضل‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬فشل‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬الشرعي‭ ‬للبلاد‭.  ‬هذه‭ ‬مجرد‭ ‬أمثلة‭ ‬تؤكد‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الروسية‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬يمكننا‭ ‬وبسهولة‭ ‬الكشف‭ ‬بسهولة‭ ‬عن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬المواقف‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمواقف‭ ‬الروسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬والأوضاع‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬فالمواقف‭ ‬الروسية‭ ‬دائما‭ ‬مع‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬المواقف‭ ‬الغربية‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬مصالحها‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬مصالح‭ ‬الشعوب‭. ‬وعليه،‭ ‬فإنه‭ ‬آن‭ ‬الأون‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬شؤون‭ ‬الكون‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬ملامحها‭ ‬تتشكل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬كيانات‭ ‬وتحالفات‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التبعية‭ ‬الغربية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا