العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العَلْمانية.. والسقوط في الخطيئة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٦ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بعد‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬واجهت‭ ‬البشرية‭ ‬تغول‭ ‬الكنيسة‭ ‬ورجالها،‭ ‬مما‭ ‬احتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬القيامة‭ ‬بثورة‭ ‬تصحيح‭ ‬مما‭ ‬عانت‭ ‬منه‭ ‬البشرية‭ ‬الويلات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيطرة‭ ‬الكنيسة‭ ‬ورجالها،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضة‭ ‬التي‭ ‬كفّت‭ ‬أيدي‭ ‬رجال‭ ‬الكنيسة‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الناس،‭ ‬وهذه‭ ‬الثورة‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬أيدي‭ ‬رجال‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وتحجيم‭ ‬دورهم‭ ‬وقصره‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬شأن‭ ‬لهم‭ ‬بالحكم‭ ‬وشؤونه،‭ ‬وكانت‭ ‬العَلْمانية‭ ‬هي‭ ‬الصرخة‭ ‬المدوية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرون‭ ‬والسياسيون‭ ‬ليخلصوا‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬استبداد‭ ‬رجال‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وملوك‭ ‬أوروبا‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يستمدون‭ ‬شرعيتهم‭ ‬من‭ ‬الكنيسة‭ ‬ورجالها،‭ ‬ولأن‭ ‬العَلْمانية‭ ‬ليست‭ ‬نظرية‭ ‬شاملة‭ ‬للسلطة‭ ‬وشؤون‭ ‬الحكم،‭ ‬وإنما‭ ‬اقتصر‭ ‬دورها‭ ‬على‭ ‬تخليص‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وتقديم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬مغايرة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬سائد‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وهي‭ ‬حكم‭ ‬الشعب‭ ‬للشعب‭ ‬وبالشعب،‭ ‬ولأنها‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬‭ ‬ليست‭ ‬نظرية‭ ‬شاملة‭ ‬للحياة‭ ‬وشؤونها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأنها‭ ‬قد‭ ‬شابها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصور‭ ‬ولَم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة‭ ‬لمعالجة‭ ‬شتى‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬الإسلام،‭ ‬الدين‭ ‬الكامل،‭ ‬والنعمة‭ ‬التامة،‭ ‬وكان‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬عند‭ ‬المثقفين‭ ‬والسياسيين‭ ‬لعظمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬وشموليته‭ ‬في‭ ‬الآيات‭ ‬المحكمات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬الاجتهاد‭ ‬فيها،‭ ‬وتجاوز‭ ‬أحكامها‭ ‬القطعية‭ ‬الدلالة‭ ‬والثبوت،‭ ‬أما‭ ‬الآيات‭ ‬المتشابهات،‭ ‬فلعلماء‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬يجتهدوا‭ ‬فيها،‭ ‬ويرفدوا‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬العقل‭ ‬الإسلامي‭ ‬الراشد‭. ‬ويروى‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬مسائل‭ ‬كثيرة،‭ ‬ثم‭ ‬يعمل‭ ‬عقله‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والسنة‭ ‬المطهرة،‭ ‬ونستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تستوعب‭ ‬جميع‭ ‬شؤون‭ ‬الحياة‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفقه‭ ‬الواقع،‭ ‬أو‭ ‬الفقه‭ ‬المتوقع‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭). ‬لقد‭ ‬وقعت‭ ‬العَلْمانية‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬كبير،‭ ‬بل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنها‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬خطيئة‭ ‬عظمى‭ ‬حين‭ ‬ظنت‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬شافية‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يواجهه‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬العصر،‭ ‬وأن‭ ‬المسلمين‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يستغنوا‭ ‬بالعَلْمانية‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬وهم‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬والسياسيين‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يفيقوا‭ ‬منه‭ ‬إذا‭ ‬أرادوا‭ ‬اللحاق‭ ‬بركب‭ ‬الحضارة،‭ ‬وجني‭ ‬قطوفها‭ ‬الدانية،‭ ‬وثمارها‭ ‬اليانعة،‭ ‬فالإسلام‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العقيدة‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬حقيقة‭ ‬العقيدة‭ ‬الصافية‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قل‭ ‬هو‭ ‬الله‭ ‬أحد‭ (‬1‭) ‬الله‭ ‬الصمد‭ (‬2‭) ‬لم‭ ‬يلد‭ ‬ولَم‭ ‬يولد‭ (‬3‭) ‬ولَم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬كفوًا‭ ‬أحد‭ (‬4‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الإخلاص‭.‬

وفي‭ ‬الإسلام‭ ‬العقوبة‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بمضي‭ ‬المدة،‭ ‬بل‭ ‬تلاحق‭ ‬صاحبها‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬البعث،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حقوق‭ ‬العباد‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬أبدًا‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬العَلْمانية‭ ‬قد‭ ‬ينجو‭ ‬بها‭ ‬الطغاة‭ ‬والمستبدون‭ ‬لأن‭ ‬النظم‭ ‬الوضعية‭ ‬تحميهم‭.‬

في‭ ‬الإسلام‭ ‬نعم‭ ‬المال‭ ‬الصالح‭ ‬للعبد‭ ‬الصالح،‭ ‬وفيه‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬طيب‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬إلا‭ ‬طيبا،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬العَلْمانية‭ ‬فليس‭ ‬مهمًّا‭ ‬مصدر‭ ‬المال‭ ‬أحلال‭ ‬أم‭ ‬حرام،‭ ‬المهم‭ ‬أنك‭ ‬إذا‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬تنجو‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬الأرض،‭ ‬فلك‭ ‬ما‭ ‬اكتسبته‭ ‬من‭ ‬مال،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مصدره‭ ‬حراما‭.‬

في‭ ‬الإسلام‭ ‬الزنا‭ ‬حرام،‭ ‬والعلاقات‭ ‬المشبوهة‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬حرام،‭ ‬فتكون‭ ‬بذلك‭ ‬الأنساب‭ ‬مصونة،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬العّلْمانية‭ ‬فيعتبر‭ ‬الزنا‭ ‬حرية‭ ‬شخصية،‭ ‬والشذوذ‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والرجال‭ ‬وبين‭ ‬النساء‭ ‬والنساء‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬فيهما،‭ ‬بل‭ ‬تعقد‭ ‬الزيجات‭ ‬بين‭ ‬الشواذ‭ ‬في‭ ‬الكنائس،‭ ‬ويباركها‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تحرم‭ ‬المسيحية‭ ‬زواج‭ ‬القساوسة‭.‬

لقد‭ ‬حسم‭ ‬الإسلام‭ ‬الخلاف‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الحكم‭ ‬ولم‭ ‬يفرض‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬لكنه‭ ‬وضع‭ ‬قواعد‭ ‬عامة‭ ‬منها‭: ‬العدل‭ ‬والشورى،‭ ‬فقال‭ ‬تعالى‭ ‬عن‭ ‬العدل‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬يأمركم‭ ‬أن‭ ‬تؤدوا‭ ‬الأمانات‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬وإذا‭ ‬حكمتم‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬تحكموا‭ ‬بالعدل‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬نعما‭ ‬يعظكم‭ ‬به‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬سميعًا‭ ‬بصيرًا‮»‬‭. (‬النساء‭/‬58‭). ‬

وأشار‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬موضعين‭ ‬مباركين‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬والذين‭ ‬استجابوا‭ ‬لربهم‭ ‬وأقاموا‭ ‬الصلاة‭ ‬وأمرهم‭ ‬شورى‭ ‬بينهم‭ ‬ومما‭ ‬رزقناهم‭ ‬ينفقون‮»‬‭ (‬الشورى‭/‬38‭). ‬ولقد‭ ‬أكد‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬فبما‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬لنت‭ ‬لهم‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬فظًا‭ ‬غليظ‭ ‬القلب‭ ‬لانفضوا‭ ‬من‭ ‬حولك‭ ‬فاعف‭ ‬عنهم‭ ‬واستغفر‭ ‬لهم‭ ‬وشاورهم‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬فإذا‭ ‬عزمت‭ ‬فتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬المتوكلين‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬159‭). ‬

وبعد،‭ ‬فهذا‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬والعَلْمانية‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬المسلمين‭ ‬وتقض‭ ‬مضاجعهم،‭ ‬وعليك‭ ‬أيها‭ ‬الإنسان‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬فقط‭ ‬أيها‭ ‬المسلم،‭ ‬أن‭ ‬تختار،‭ ‬وما‭ ‬ترجح‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬قصيرة‭ ‬مفعمة‭ ‬بالبلاءات،‭ ‬والمصير‭ ‬فيها‭ ‬مؤكد‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬جنة‭ ‬عرضها‭ ‬كعرض‭ ‬السموات‭ ‬والأرض،‭ ‬وإما‭ ‬إلى‭ ‬نار‭ ‬لهيبها‭ ‬مؤكد‭ ‬أيضا،‭ ‬فأيهما‭ ‬تختار‭.!!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا