العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل بدأت مؤشرات قرب انتهاء الحرب في أوكرانيا؟

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ١١ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

كل‭ ‬محاولة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تُقابل‭ ‬باستياء‭ ‬أمريكي‭. ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬في‭ ‬الإمكان‭ ‬استبعاد‭ ‬الحاجة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬وليست‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬إخفاء‭ ‬حماستها‭ ‬لاستمرارها‭. ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬لأوروبا‭ ‬هامشا‭ ‬للمناورة‭ ‬إن‭ ‬رغبت‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬أيضا‭ ‬تنظر‭ ‬بعينين‭ ‬حذرتين‭ ‬متوعدتين‭ ‬إلى‭ ‬رغبة‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬إطفاء‭ ‬نار‭ ‬حرب،‭ ‬ويعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تفاديها‭ ‬لولا‭ ‬إصرار‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬السياسات‭ ‬المتهورة‭ ‬للرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‭.‬

تخشى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تنبعث‭ ‬المفاجأة‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬كالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬متغير،‭ ‬لن‭ ‬تتمكن‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬قطبا‭ ‬وحيدا‭ ‬يدير‭ ‬أحوال‭ ‬العالم‭ ‬حسب‭ ‬مصالحه‭ ‬التي‭ ‬يتصور‭ ‬الكثيرون‭ ‬أنها‭ ‬تتسم‭ ‬بالإثارة‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الأفلام،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬وقعها‭ ‬تشكل‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬استنفار‭ ‬العقائد‭ ‬الشريرة‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬الأمريكان‭ ‬سببا‭ ‬لبقائهم‭ ‬في‭ ‬الواجهة‭ ‬ممسكين‭ ‬بهراواتهم‭.‬

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬تتلقاه‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنهاك‭ ‬الدب‭ ‬الروسي،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬يقع‭ ‬خارج‭ ‬طاقتها‭ ‬على‭ ‬التحمل‭. ‬تعبت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتعب‭ ‬شعبها‭. ‬ألا‭ ‬يشعر‭ ‬رئيسها‭ ‬الذي‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬عدائه‭ ‬لروسيا‭ ‬خدمة‭ ‬للسياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالتعب؟‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬زيلينسكي‭ ‬انتصارا‭ ‬روسيا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬يقوده‭ ‬الشعب‭ ‬إلى‭ ‬مساءلة‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬سالما‭. ‬فالثمن‭ ‬الباهظ‭ ‬الذي‭ ‬دفعه‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬لن‭ ‬يسقط‭ ‬من‭ ‬حساباته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فقدت‭ ‬ثقة‭ ‬جارها‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬تربطها‭ ‬به‭ ‬أواصر‭ ‬لغة‭ ‬تاريخية‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬عنوانا‭ ‬باذخا‭ ‬لثقافة‭ ‬مشتركة‭.‬

زيلينسكي‭ ‬لا‭ ‬يخادع‭ ‬نفسه‭ ‬حين‭ ‬يقبل‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬اجتماعات،‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬للمأزق‭ ‬الذي‭ ‬ورط‭ ‬بلاده‭ ‬فيه‭. ‬صانع‭ ‬السم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يذوقه‭. ‬وهو‭ ‬إذ‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬تبعد‭ ‬عنه‭ ‬ذلك‭ ‬الخيار‭ ‬فإنه‭ ‬يفضل‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬متماسكاً‭ ‬إلى‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭. ‬لقد‭ ‬أدرك‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬خياره‭ ‬كان‭ ‬انتحاريا‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قُدّر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬العالم‭ ‬بضرورة‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬باعتبارها‭ ‬شأنا‭ ‬دوليا‭.‬

والحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هي‭ ‬شأن‭ ‬أمريكي‭. ‬حتى‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الماكينة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الخطأ‭ ‬يجب‭ ‬ألاّ‭ ‬يستمر‭. ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬زيلينسكي‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الخطأ‭ ‬فتلك‭ ‬مشكلة‭ ‬تتعلق‭ ‬بإرادة‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬زيلينسكي‭ ‬رئيسا‭ ‬بطريقة‭ ‬ديمقراطية‭. ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُلام‭. ‬

هل‭ ‬لجأ‭ ‬زيلينسكي‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يستشير‭ ‬ممثلي‭ ‬الشعب؟‭ ‬سيُقال‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬الحرب‭. ‬ذلك‭ ‬صحيح‭ ‬مظهريا،‭ ‬ولكن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬يضرب‭ ‬أبوابها‭.‬

ليس‭ ‬صحيحا‭ ‬أن‭ ‬زيلينسكي‭ ‬يرفض‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬مفاوضات‭ ‬غير‭ ‬مشروطة‭. ‬فشلت‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيطا‭ ‬وهي‭ ‬لن‭ ‬تصلح‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك‭ ‬بعدما‭ ‬أنهكت‭ ‬شعبها‭ ‬بالضرائب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالسلاح‭. ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتحدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬وسيط‭ ‬فاعل‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬الاتفاق‭ ‬السعودي‭ ‬‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تراقب‭ ‬تنفيذ‭ ‬تفاصيله‭ ‬في‭ ‬دولتين‭ ‬تملك‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬وفاقهما‭. ‬لمَ‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬مؤهلة‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬الراعي‭ ‬لحل‭ ‬سلمي‭ ‬يُخرج‭ ‬الطرفين‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬طرف‭ ‬غالب‭ ‬وآخر‭ ‬مغلوب؟

حين‭ ‬حضر‭ ‬زيلينسكي‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬للاحتفاء‭ ‬به‭ ‬بل‭ ‬ليتعرف‭ ‬على‭ ‬رعاة‭ ‬مستقبله‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬صنعوا‭ ‬منه‭ ‬بطلا‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬بلاده‭ ‬تتمزق‭ ‬وشعبه‭ ‬يحترق‭. ‬أدار‭ ‬زيلينسكي‭ ‬ظهره‭ ‬للغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجول‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية‭ ‬فلم‭ ‬ير‭ ‬إلا‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬تحرّض‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أن‭ ‬استمرارها‭ ‬لن‭ ‬ينهي‭ ‬سلطته‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يتزعمها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬بهلاكه‭ ‬شخصيا‭.‬

لقد‭ ‬جرّب‭ ‬الرجل‭ ‬الحلول‭ ‬الأوروبية‭ ‬فلم‭ ‬تنفع‭. ‬الأوروبيون‭ ‬يدعمونه‭ ‬لكي‭ ‬يقاتل‭ ‬وتظل‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭. ‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬متى؟‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوده‭ ‬إلى‭ ‬طريقة‭ ‬مختلفة‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬يسمع‭ ‬صوتها‭. ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬يثق‭ ‬بالسعوديين‭. ‬يثق‭ ‬بهم‭ ‬لأنهم‭ ‬الطرف‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬أذلت‭ ‬أوروبا‭. ‬سيتغير‭ ‬العالم‭ ‬لو‭ ‬نجح‭ ‬السعوديون‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬خطتهم‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا