بقلم: حسن علي البنفلاح
نتابع ما بدأناه حول موضوع (أمة الوسط):
خامسا: تعني كلمة أمة: الجماعة المتفقة على دين واحد أو شريعة واحدة، والآيات التي تثبت ذلك كثيرة، منها «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» «ولكل أمة أجل» «كذلك زينا لكل أمة عملهم» «ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على مارزقهم».
ويعتقد الطبري أن هذا هو المعنى الأصلي لكلمة أمة، وسوف نعتمد هذا المعنى في تقديم بحثنا هذا عن أمة الوسط.
سادسا: تعني كلمة أمة: جماعة جزئية من أصل دين معين، كما جاء ذكره في الآية الكريمة «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)» آل عمران، وكذلك في الآية الكريمة «.. كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ... (38)» الأعراف.
أن كلمة الأمة هي كلمة عربية تعني المجتمع، وإنها ذات أصل مشترك أو جغرافيا مشتركة. فالأمة الإسلامية والتي تسمى كذلك بـ أمة محمد، وأمة سيد ولد آدم، وأمة الإسلام، وأمة التوحيد، وأمة الإيمان، فكل هذه المعاني تدل على المجتمع الإسلامي بكل أطيافه وتنوعه وجغرافيته وأن المسلمين وحدة واحدة.
ومن التعريفات للأمة ما جاء به محمد رشيد رضا حيث عرف الأمة بأنها «تلك الجماعة الذين تربطهم رابطة اجتماع يعتبرون بها واحدا، وتسوغ أن يطلق عليهم أسم واحد، كما أن الأمة تعني الجماعة المؤلفة من أفراد لهم رابطة تضمهم، ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنية الشخص، سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، فأمة الإسلام مثلا تربطها عقيدة الإسلام». وفي الأية (92) من سورة الأنبياء، يصف القرآن المسلمين بأنهم أمة واحدة يجب أن تجتمع على أمر واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)» الانبياء، وأنها خير أمة بين الأمم لما ميزها الله سبحانه وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان به وملائكته وكتبه ورسله «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)» آل عمران.
ونأتي إلى كلمة (الوسط) لنبين مفهومها ودلالتها، ذلك أن هذه الكلمة قد تختلف دلالتها وفقا للسياق اللغوي التي وضعت فيه، كما تختلف باختلاف المشارب والأهواء في أحيان أخرى. والوسطية عادة تعتبر سلوك محمود بطرفيه المادي والمعنوي يعصم صاحبه من الانزلاق إلى طرفين متقابلين أو متفاوتين تتجاذبهما رذيلتا الإفراط والتفريط سواء في ميدان ديني أو دنيوي. والوسطية تعبر عن الاعتدال وتجنب الغلو والتقصير، قال ابن القيم: «ما أمر الله – عزوجل – بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر العبد من الخطأين». وخلاصة الأمر أن الوسطية هي الدين كله، بحيث يسوغ ان يقال: «الإسلام هو دين الوسطية»، مادامت الوسطية لا تخرج عن العدل، والخيارات الصحيحة المنطقية، والاستقامة، والاتزان، والقصد الطيب، وكلها مبادئ نادى بها الإسلام الحنيف وحارب الآخرين المبتعدين عن الدين من أجلها. بعد كل هذا، نسأل أنفسنا: ماهي أمة الوسط المقصودة في قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ... (143» البقرة.
يقول بحث أعدته صحيفة الخليج الإماراتية وجاء على شكل ملحق ضمن سلسلة الدين للحياة صدر سنة 2008، أن مفهوم أمة الوسط يبدأ بموقع مكة المكرمة والذي يأخذ مكانه في مركز الكون، حيث أن موقع الكعبة المشرفة التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، حدد الله سبحانه وتعالى مكانها في قوله تعالى: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)»، ويقول تبارك وتعالى: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)» الشورى. ولا شك أن ما جاء في هذه الآيات الكريمات لهي حقائق علمية اذهلت العلماء وخاصة بعد أن اكتشفوا أنها حقائق قائمة على الدقة والإحكام. كما يوضح القرآن الكريم أن أول بيت وضعته الملائكة في هذه البقعة المباركة التي حرّمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض استعدادا لمقدم آدم عليه السلام الذي أُهْبِط عند هذا البيت الحرام، والقرآن الكريم وصف الكعبة المشرفة بوصف البيت العتيق «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)» الحج.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك