العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

أمة الوسط (2-5)

الجمعة ١١ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬حسن‭ ‬علي‭ ‬البنفلاح

نتابع‭ ‬ما‭ ‬بدأناه‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ (‬أمة‭ ‬الوسط‭):‬

خامسا‭: ‬تعني‭ ‬كلمة‭ ‬أمة‭: ‬الجماعة‭ ‬المتفقة‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬شريعة‭ ‬واحدة،‭ ‬والآيات‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬‮«‬ولو‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬لجعلكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‮»‬‭ ‬‮«‬ولكل‭ ‬أمة‭ ‬أجل‮»‬‭ ‬‮«‬كذلك‭ ‬زينا‭ ‬لكل‭ ‬أمة‭ ‬عملهم‮»‬‭ ‬‮«‬ولكل‭ ‬أمة‭ ‬جعلنا‭ ‬منسكا‭ ‬ليذكروا‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬مارزقهم‮»‬‭.‬

ويعتقد‭ ‬الطبري‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المعنى‭ ‬الأصلي‭ ‬لكلمة‭ ‬أمة،‭ ‬وسوف‭ ‬نعتمد‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬بحثنا‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭.‬

سادسا‭: ‬تعني‭ ‬كلمة‭ ‬أمة‭: ‬جماعة‭ ‬جزئية‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬دين‭ ‬معين،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬‮«‬وَلْتَكُنْ‭ ‬مِنْكُمْ‭ ‬أُمَّةٌ‭ ‬يَدْعُونَ‭ ‬إِلَى‭ ‬الْخَيْرِ‭ ‬وَيَأْمُرُونَ‭ ‬بِالْمَعْرُوفِ‭ ‬وَيَنْهَوْنَ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْمُنْكَرِ‭ ‬وَأُولَئِكَ‭ ‬هُمُ‭ ‬الْمُفْلِحُونَ‭ (‬104‭)‬‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬‮«‬‭.. ‬كُلَّمَا‭ ‬دَخَلَتْ‭ ‬أُمَّةٌ‭ ‬لَعَنَتْ‭ ‬أُخْتَهَا‭ ... (‬38‭)‬‮»‬‭ ‬الأعراف‭.‬

أن‭ ‬كلمة‭ ‬الأمة‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬عربية‭ ‬تعني‭ ‬المجتمع،‭ ‬وإنها‭ ‬ذات‭ ‬أصل‭ ‬مشترك‭ ‬أو‭ ‬جغرافيا‭ ‬مشتركة‭. ‬فالأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والتي‭ ‬تسمى‭ ‬كذلك‭ ‬بـ‭ ‬أمة‭ ‬محمد،‭ ‬وأمة‭ ‬سيد‭ ‬ولد‭ ‬آدم،‭ ‬وأمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأمة‭ ‬التوحيد،‭ ‬وأمة‭ ‬الإيمان،‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬وتنوعه‭ ‬وجغرافيته‭ ‬وأن‭ ‬المسلمين‭ ‬وحدة‭ ‬واحدة‭.‬

ومن‭ ‬التعريفات‭ ‬للأمة‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬محمد‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬حيث‭ ‬عرف‭ ‬الأمة‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬الذين‭ ‬تربطهم‭ ‬رابطة‭ ‬اجتماع‭ ‬يعتبرون‭ ‬بها‭ ‬واحدا،‭ ‬وتسوغ‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬أسم‭ ‬واحد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬تعني‭ ‬الجماعة‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬لهم‭ ‬رابطة‭ ‬تضمهم،‭ ‬ووحدة‭ ‬يكونون‭ ‬بها‭ ‬كالأعضاء‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الشخص،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬صغيرة،‭ ‬فأمة‭ ‬الإسلام‭ ‬مثلا‭ ‬تربطها‭ ‬عقيدة‭ ‬الإسلام‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬الأية‭ (‬92‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الأنبياء،‭ ‬يصف‭ ‬القرآن‭ ‬المسلمين‭ ‬بأنهم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تجتمع‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له‭ ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬أُمَّتُكُمْ‭ ‬أُمَّةً‭ ‬وَاحِدَةً‭ ‬وَأَنَا‭ ‬رَبُّكُمْ‭ ‬فَاعْبُدُونِ‭ (‬92‭)‬‮»‬‭ ‬الانبياء،‭ ‬وأنها‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬لما‭ ‬ميزها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بالأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬والإيمان‭ ‬به‭ ‬وملائكته‭ ‬وكتبه‭ ‬ورسله‭ ‬‮«‬كُنْتُمْ‭ ‬خَيْرَ‭ ‬أُمَّةٍ‭ ‬أُخْرِجَتْ‭ ‬لِلنَّاسِ‭ ‬تَأْمُرُونَ‭ ‬بِالْمَعْرُوفِ‭ ‬وَتَنْهَوْنَ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْمُنْكَرِ‭ ‬وَتُؤْمِنُونَ‭ ‬بِاللَّهِ‭ ‬وَلَوْ‭ ‬آَمَنَ‭ ‬أَهْلُ‭ ‬الْكِتَابِ‭ ‬لَكَانَ‭ ‬خَيْرًا‭ ‬لَهُمْ‭ ‬مِنْهُمُ‭ ‬الْمُؤْمِنُونَ‭ ‬وَأَكْثَرُهُمُ‭ ‬الْفَاسِقُونَ‭ (‬110‭)‬‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران‭.‬

ونأتي‭ ‬إلى‭ ‬كلمة‭ (‬الوسط‭) ‬لنبين‭ ‬مفهومها‭ ‬ودلالتها،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬دلالتها‭ ‬وفقا‭ ‬للسياق‭ ‬اللغوي‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬فيه،‭ ‬كما‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬المشارب‭ ‬والأهواء‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭. ‬والوسطية‭ ‬عادة‭ ‬تعتبر‭ ‬سلوك‭ ‬محمود‭ ‬بطرفيه‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوي‭ ‬يعصم‭ ‬صاحبه‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬طرفين‭ ‬متقابلين‭ ‬أو‭ ‬متفاوتين‭ ‬تتجاذبهما‭ ‬رذيلتا‭ ‬الإفراط‭ ‬والتفريط‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬دنيوي‭. ‬والوسطية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الاعتدال‭ ‬وتجنب‭ ‬الغلو‭ ‬والتقصير،‭ ‬قال‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭: ‬‮«‬ما‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬‭ ‬عزوجل‭ ‬‭ ‬بأمر‭ ‬إلا‭ ‬وللشيطان‭ ‬فيه‭ ‬نزغتان‭: ‬إما‭ ‬تقصير‭ ‬وتفريط،‭ ‬وإما‭ ‬إفراط‭ ‬وغلو،‭ ‬فلا‭ ‬يبالي‭ ‬بما‭ ‬ظفر‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬الخطأين‮»‬‭. ‬وخلاصة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الوسطية‭ ‬هي‭ ‬الدين‭ ‬كله،‭ ‬بحيث‭ ‬يسوغ‭ ‬ان‭ ‬يقال‭: ‬‮«‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬الوسطية‮»‬،‭ ‬مادامت‭ ‬الوسطية‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬العدل،‭ ‬والخيارات‭ ‬الصحيحة‭ ‬المنطقية،‭ ‬والاستقامة،‭ ‬والاتزان،‭ ‬والقصد‭ ‬الطيب،‭ ‬وكلها‭ ‬مبادئ‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬الإسلام‭ ‬الحنيف‭ ‬وحارب‭ ‬الآخرين‭ ‬المبتعدين‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬أجلها‭. ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا‭: ‬ماهي‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬المقصودة‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَكَذَلِكَ‭ ‬جَعَلْنَاكُمْ‭ ‬أُمَّةً‭ ‬وَسَطًا‭ ... (‬143‮»‬‭ ‬البقرة‭.‬

يقول‭ ‬بحث‭ ‬أعدته‭ ‬صحيفة‭ ‬الخليج‭ ‬الإماراتية‭ ‬وجاء‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ملحق‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬الدين‭ ‬للحياة‭ ‬صدر‭ ‬سنة‭ ‬2008،‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬يبدأ‭ ‬بموقع‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والذي‭ ‬يأخذ‭ ‬مكانه‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الكون،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬موقع‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬التي‭ ‬يتجه‭ ‬إليها‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬صلاتهم‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا،‭ ‬شمالا‭ ‬وجنوبا،‭ ‬حدد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَإِذْ‭ ‬بَوَّأْنَا‭ ‬لِإِبْرَاهِيمَ‭ ‬مَكَانَ‭ ‬الْبَيْتِ‭ ‬أَنْ‭ ‬لَا‭ ‬تُشْرِكْ‭ ‬بِي‭ ‬شَيْئًا‭ ‬وَطَهِّرْ‭ ‬بَيْتِيَ‭ ‬لِلطَّائِفِينَ‭ ‬وَالْقَائِمِينَ‭ ‬وَالرُّكَّعِ‭ ‬السُّجُودِ‭ (‬26‭)‬‮»‬،‭ ‬ويقول‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬وَكَذَلِكَ‭ ‬أَوْحَيْنَا‭ ‬إِلَيْكَ‭ ‬قُرْآَنًا‭ ‬عَرَبِيًّا‭ ‬لِتُنْذِرَ‭ ‬أُمَّ‭ ‬الْقُرَى‭ ‬وَمَنْ‭ ‬حَوْلَهَا‭ ‬وَتُنْذِرَ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬الْجَمْعِ‭ ‬لَا‭ ‬رَيْبَ‭ ‬فِيهِ‭ ‬فَرِيقٌ‭ ‬فِي‭ ‬الْجَنَّةِ‭ ‬وَفَرِيقٌ‭ ‬فِي‭ ‬السَّعِيرِ‭ (‬7‭)‬‮»‬‭ ‬الشورى‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمات‭ ‬لهي‭ ‬حقائق‭ ‬علمية‭ ‬اذهلت‭ ‬العلماء‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أنها‭ ‬حقائق‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الدقة‭ ‬والإحكام‭. ‬كما‭ ‬يوضح‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬بيت‭ ‬وضعته‭ ‬الملائكة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬المباركة‭ ‬التي‭ ‬حرّمها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يوم‭ ‬خلق‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬استعدادا‭ ‬لمقدم‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬أُهْبِط‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬الحرام،‭ ‬والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وصف‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬بوصف‭ ‬البيت‭ ‬العتيق‭ ‬‮«‬ثُمَّ‭ ‬لْيَقْضُوا‭ ‬تَفَثَهُمْ‭ ‬وَلْيُوفُوا‭ ‬نُذُورَهُمْ‭ ‬وَلْيَطَّوَّفُوا‭ ‬بِالْبَيْتِ‭ ‬الْعَتِيقِ‭ (‬29‭)‬‮»‬‭ ‬الحج‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا