العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

جوامع الكلم وحشد المعاني

الجمعة ١١ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

الكلمة‭ ‬الجامعة‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬محملة‭ ‬بمعانٍ‭ ‬كثيرة،‮ ‬معانٍ‭ ‬تتكامل‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬وتتعاضد‭ ‬لإنتاج‭ ‬الدلالة‭ ‬الكليّة‭ ‬للكلمة،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬أستاذنا‭ ‬الفاضل‭ ‬فاضل‭ ‬السامرائي‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬واصب‮»‬‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬‮«‬وله‭ ‬الدين‭ ‬واصباً‮»‬‭ ‬52‭ ‬النحل،‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬خالص‭ ‬ولازم‭ ‬وواجب‭ ‬ودائم،‭ ‬فلا‭ ‬تفي‭ ‬أي‭ ‬كلمة‭ ‬بمفردها‭ ‬بالمعنى‭ ‬الكامل‭ ‬لكلمة‭ ‬‮«‬واصب‮»‬،‭ ‬إنما‭ ‬كلها‭ ‬مجتمعة‭ ‬تتضافر‭ ‬لإعطاء‭ ‬الدلالة‭ ‬الكاملة‭ ‬لكلمة‭ ‬‮«‬واصب‮»‬،‭ ‬فهذا‭ ‬النموذج‭ ‬الأول‭ ‬لمفردات‭ ‬قرآنية‭ ‬جامعة‭ ‬لعدة‭ ‬معانٍ‭.‬

وكلمة‭ (‬مؤمِن‭)‬،‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬وَمَا‭ ‬أَنْتَ‭ ‬بِمُؤْمِنٍ‭ ‬لَنَا‭ ‬وَلَوْ‭ ‬كُنَّا‭ ‬صَادِقِينَ‮»‬17‭ ‬يوسف،‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬حمولتها‭ ‬المعنوية‭ ‬نظائرها‭ ‬مثل‭: ‬موقِن‭ ‬ومصدِّق‭ ‬ونحوهما،‮ ‬حيث‭ ‬تفيد‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفيده‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تقاربها‭ ‬في‭ ‬المعنى،‭ ‬فامتازت‭ ‬بشمولية‭ ‬معنوية‭ ‬دلالية،‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬معناها‭ ‬الجامع‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬السابقة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬بِمُؤْمِنٍ‭ ‬لَنَا‮»‬،‭ ‬أي‭: ‬لستً‭ ‬بمصدق‭ ‬لنا‭ ‬تصديق‭ ‬يقين‭ ‬واطمئنان‭ ‬وركون‭ ‬لما‭ ‬نقول،‮ ‬وذلك‮ ‬حيث‭ ‬أنّ‮ ‬التصديق‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬الإيمان،‭ ‬والعكس‭ ‬ليس‭ ‬صحيحاً‭.‬

وكما‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬هنداوي‭: ‬أنّ‭ ‬المعنى‭ ‬هنا‭ ‬يتركّب‭ ‬من‭ ‬عدّة‭ ‬أجزاء‭ ‬هي‭ ‬مفردات‭ ‬الدلالة‭ ‬الكليّة‭ ‬لهذه‭ ‬الكلمة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬دلالة‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬‮«‬مؤمِن‮»‬‭ ‬تتركّب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭: ‬‮«‬مصدِّق‭ ‬‭ ‬موقِن‭ ‬‭ ‬مُطْمَئِنّ‭ ‬‭ ‬راكِن‮»‬،‭ ‬إِذْ‭ ‬إن‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬لا‭ ‬يَصدُق‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المفردات،‮ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مجموعها،‭ ‬أي‭: ‬يصدق‭ ‬عليها‭ ‬مجتمعة‭ ‬لا‭ ‬منفردة؛‭ ‬ولذلك‭ ‬سُمّي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬بجوامع‭ ‬الكَلِم‭ ‬لدلالته‭ ‬على‭ ‬معانٍ‭ ‬مركّبة‭ ‬للمعنى‭ ‬الواحد،‭ ‬وهي‭ ‬معانٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬مجتمعة‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد،‮ ‬لا‭ ‬بالمناوبة‭ ‬بينها،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأنواع‭ ‬التي‭ ‬يظهر‭ ‬فيها‭ ‬تتسع‭ ‬الحمولة‭ ‬الدلالية‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬القرآنية‭.‬

ومن‭ ‬الشواهد‭ ‬على‭ ‬الألفاظ‭ ‬المعبأة‭ ‬بدلالات‭ ‬عدة‭ ‬لفظة‭ ‬‮«‬يَفرَقون‮»‬‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬56‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬التوبة‭: ‬‮«‬وَيَحْلِفُونَ‭ ‬بِاللَّهِ‭ ‬إِنَّهُمْ‭ ‬لَمِنْكُمْ‭ ‬وَمَا‭ ‬هُمْ‭ ‬مِنْكُمْ‭ ‬وَلَكِنَّهُمْ‭ ‬قَوْمٌ‭ ‬يَفْرَقُونَ‮»‬‭. ‬فهذه‭ ‬اللفظة‭ ‬تحوي‭ ‬بين‭ ‬جنباتها‭ ‬معاني‭ ‬عدة،‭ ‬متقاربة،‭ ‬ولكنها‭ ‬متمايزة،‭ ‬فكل‭ ‬منها‭ ‬يمتاز‭ ‬بهويته‭ ‬الدلالية‭ ‬الخاصة،‭ ‬فهي‭ ‬تعني‭ ‬الخوف‭ ‬والهرب‭ ‬والمفارقة؛‭ ‬لكن‭ ‬مفردة‭ ‬الخوف‭ ‬ليس‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تغطي‭ ‬دلالة‭ ‬‮«‬يفرقون‮»‬‭ ‬فالفرق‭ ‬أعم‭ ‬وأشمل‭ ‬من‭ ‬الخوف،‭ ‬وما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الخوف‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الهرب‭ ‬والمفارقة‭ ‬كذلك‭.‬

ودائماً‭ ‬يقف‭ ‬الحيز‭ ‬المتاح‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الزاوية،‭ ‬عقبة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬الاسترسال‭ ‬في‭ ‬استحضار‭ ‬الشواهد‭ ‬القرآنية‭ ‬على‭ ‬ألفاظ‭ ‬تمتاز‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬جوامع‭ ‬الكلم،‭ ‬لكن‭ ‬الأبحاث‭ ‬والكتب‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬كثيرة،‭ ‬وفي‭ ‬متناول‭ ‬اليد‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬الاستزادة،‭ ‬فهذا‭ ‬المقال‭ ‬فقط‭ ‬للإشارة‭ ‬لخاصية‭ ‬احتكرها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬حصراً،‭ ‬هي‭ ‬خاصية‭ ‬جوامع‭ ‬الكلم،‭ ‬ومنَّ‭ ‬الله‭ ‬بهذه‭ ‬الخاصية‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ ‬الكريم‭ ‬فأجراها‭ ‬على‭ ‬لسانه،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: ‬‮«‬نُصرت‭ ‬بالرعب‭ ‬على‭ ‬العدو،‭ ‬وأوتيت‭ ‬جوامع‭ ‬الكلم‭...‬‮»‬‭ ‬أورده‭ ‬البخاري‭ ‬برقم‭ ‬2977،‭ ‬ومسلم‭ ‬523‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا