بقلم: عاطف الصبيحي
الكلمة الجامعة هي كلمة محملة بمعانٍ كثيرة، معانٍ تتكامل فيما بينها وتتعاضد لإنتاج الدلالة الكليّة للكلمة، كما يقول أستاذنا الفاضل فاضل السامرائي في كلمة «واصب» الواردة في السياق «وله الدين واصباً» 52 النحل، التي تعني أن الدين خالص ولازم وواجب ودائم، فلا تفي أي كلمة بمفردها بالمعنى الكامل لكلمة «واصب»، إنما كلها مجتمعة تتضافر لإعطاء الدلالة الكاملة لكلمة «واصب»، فهذا النموذج الأول لمفردات قرآنية جامعة لعدة معانٍ.
وكلمة (مؤمِن)، الواردة في قوله تعالى «وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ»17 يوسف، التي تفوق في حمولتها المعنوية نظائرها مثل: موقِن ومصدِّق ونحوهما، حيث تفيد من المعنى ما لا يفيده أي من الكلمات التي تقاربها في المعنى، فامتازت بشمولية معنوية دلالية، لا يؤدي معناها الجامع أي من المفردات السابقة، وذلك لأن قوله: «بِمُؤْمِنٍ لَنَا»، أي: لستً بمصدق لنا تصديق يقين واطمئنان وركون لما نقول، وذلك حيث أنّ التصديق يدخل ضمن الإيمان، والعكس ليس صحيحاً.
وكما يقول الأستاذ الدكتور عبد الحميد هنداوي: أنّ المعنى هنا يتركّب من عدّة أجزاء هي مفردات الدلالة الكليّة لهذه الكلمة، ومن ثم فإن دلالة هذه الكلمة «مؤمِن» تتركّب من هذه المفردات: «مصدِّق – موقِن – مُطْمَئِنّ – راكِن»، إِذْ إن معنى الكلمة لا يَصدُق على كلّ واحد من هذه المفردات، بل لا يصدق إلا على مجموعها، أي: يصدق عليها مجتمعة لا منفردة؛ ولذلك سُمّي مثل هذا النوع بجوامع الكَلِم لدلالته على معانٍ مركّبة للمعنى الواحد، وهي معانٍ كثيرة مجتمعة في آنٍ واحد، لا بالمناوبة بينها، وهو من أكثر الأنواع التي يظهر فيها تتسع الحمولة الدلالية في الكلمة القرآنية.
ومن الشواهد على الألفاظ المعبأة بدلالات عدة لفظة «يَفرَقون» الواردة في قوله تعالى في الآية 56 من سورة التوبة: «وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ». فهذه اللفظة تحوي بين جنباتها معاني عدة، متقاربة، ولكنها متمايزة، فكل منها يمتاز بهويته الدلالية الخاصة، فهي تعني الخوف والهرب والمفارقة؛ لكن مفردة الخوف ليس بمقدورها أن تغطي دلالة «يفرقون» فالفرق أعم وأشمل من الخوف، وما ينطبق على الخوف ينطبق على الهرب والمفارقة كذلك.
ودائماً يقف الحيز المتاح لنا في الزاوية، عقبة تحول دون الاسترسال في استحضار الشواهد القرآنية على ألفاظ تمتاز بأنها من جوامع الكلم، لكن الأبحاث والكتب التي تناولت هذه المسألة كثيرة، وفي متناول اليد لمن أراد الاستزادة، فهذا المقال فقط للإشارة لخاصية احتكرها القرآن الكريم حصراً، هي خاصية جوامع الكلم، ومنَّ الله بهذه الخاصية على رسوله الكريم فأجراها على لسانه، وهو القائل عليه السلام: «نُصرت بالرعب على العدو، وأوتيت جوامع الكلم...» أورده البخاري برقم 2977، ومسلم 523.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك