العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

اصطفاء الله لبعض عباده وإكرامه لهم

بقلم: د. غريب جمعة

الجمعة ١١ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

الحلقة‭ ‬الثانية

وتأمل‭ ‬تاريخ‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬وصفها‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬القانتين‭ ‬العابدين‭ ‬يقول‭ ‬الله‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬‭ ‬ومريم‭ ‬ابنت‭ ‬عمران‭ ‬التي‭ ‬أحصنت‭ ‬فرجها‭ ‬فنفخنا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬روحنا‭ ‬وصدقت‭ ‬بكلمات‭ ‬ربها‭ ‬وكتبه‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬القانتين‮»‬‭ (‬التحريم‭:‬12‭)‬

ثم‭ ‬يصفها‭ ‬تعالى‭ ‬بأنها‭ ‬صديقه‭ ‬وليست‭ ‬نبية‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬مَّا‭ ‬المَسِيحُ‭ ‬ابنُ‭ ‬مَريَمَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬رَسُول‭ ‬قَد‭ ‬خَلَت‭ ‬مِن‭ ‬قَبلِهِ‭ ‬الرُّسُلُ‭ ‬وَأُمه‭ ‬صِدِّيقَة‭??‬‭ ‬كَانَا‭ ‬يَأ‭?‬كُلَانِ‭ ‬الطَّعَامَ‭ ‬انظُر‭ ‬كَيفَ‭ ‬نُبَيِّنُ‭ ‬لَهُمُ‭ ‬الآيات‭ ‬ثُمَّ‭ ‬انظُر‭ ‬أَنَّى‭ ‬يُؤفَكُونَ‭ )‬75‭)‬‮»‬‭ (‬المائدة‭:‬75‭)‬

ولما‭ ‬كانت‭ ‬صديقة‭ ‬قانتة‭ ‬أكرمها‭ ‬الله‭ ‬بكرامات‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬خارقة‭ ‬للعادة‭ ‬ولكنها‭ ‬ليست‭ ‬معجزات‭ ‬لأن‭ ‬المعجزة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬مصدقة‭ ‬لدعوى‭ ‬النبوة‭ ‬والرسالة‭ ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تدع‭ ‬ذلك‭.‬

ولما‭ ‬شاهد‭ ‬سيدنا‭ ‬زكريا‭ ‬ما‭ ‬أغدق‭ ‬الله‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬كرامات‭ ‬ونعم‭ ‬كبرى‭ ‬امتلكه‭ ‬الولع‭ ‬والشوق‭ ‬والحب‭ ‬لله‭ ‬ورفع‭ ‬يديه‭ ‬إليه‭ ‬سبحانه‭ ‬عالمًا‭ ‬بأن‭ ‬مما‭ ‬أعطاها‭ ‬هذه‭ ‬الخوارق‭ ‬وأكرمها‭ ‬بها‭ ‬هو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬الذرية‭ ‬على‭ ‬كبر‭ ‬سنه‭ ‬وعقم‭ ‬امرأته‭ ‬وقد‭ ‬أجاب‭ ‬الله‭ ‬دعواته‭ ‬وحقق‭ ‬رغبته‭ ‬تفضلاً‭ ‬منه‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭.‬

يقول‭ ‬عز‭ ‬من‭ ‬قائل‭: ‬‮«‬‭ ‬هُنَالِكَ‭ ‬دَعَا‭ ‬زَكَرِيَّا‭ ‬رَبَّهُ‭ ‬قَالَ‭ ‬رَبِّ‭ ‬هَبْ‭ ‬لِي‭ ‬مِنْ‭ ‬لَدُنْكَ‭ ‬ذُرِّيَّةً‭ ‬طَيِّبَةً‭ ‬إِنَّكَ‭ ‬سَمِيعُ‭ ‬الدُّعَاءِ‭ (‬38‭) ‬فَنَادَتْهُ‭ ‬الْمَلَائِكَةُ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬قَائِمٌ‭ ‬يُصَلِّي‭ ‬فِي‭ ‬الْمِحْرَابِ‭ ‬أَنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬يُبَشِّرُكَ‭ ‬بِيَحْيَى‭ ‬مُصَدِّقًا‭ ‬بِكَلِمَةٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَسَيِّدًا‭ ‬وَحَصُورًا‭ ‬وَنَبِيًّا‭ ‬مِنَ‭ ‬الصَّالِحِينَ‭ (‬39‭) ‬قَالَ‭ ‬رَبِّ‭ ‬أَنَّى‭ ‬يَكُونُ‭ ‬لِي‭ ‬غُلَامٌ‭ ‬وَقَدْ‭ ‬بَلَغَنِيَ‭ ‬الْكِبَرُ‭ ‬وَامْرَأَتِي‭ ‬عَاقِرٌ‭  ‬قَالَ‭ ‬كَذَ‭?‬لِكَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬يَفْعَلُ‭ ‬مَا‭ ‬يَشَاءُ‭ (‬40‭) ‬قَالَ‭ ‬رَبِّ‭ ‬اجْعَلْ‭ ‬لِي‭ ‬آيَةً‭ ‬قَالَ‭ ‬آيَتُكَ‭ ‬أَلَّا‭ ‬تُكَلِّمَ‭ ‬النَّاسَ‭ ‬ثَلَاثَةَ‭ ‬أَيَّامٍ‭ ‬إِلَّا‭ ‬رَمْزًا‭ ‬وَاذْكُرْ‭ ‬رَبَّكَ‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬وَسَبِّحْ‭ ‬بِالْعَشِيِّ‭ ‬وَالْإِبْكَارِ‭ (‬41‭)‬‮»‬‭. (‬آل‭ ‬عمران‭:‬38‭/‬39‭/‬40‭/‬41‭)‬

والمعنى‭ (‬بإيجاز‭):‬

دعا‭ ‬زكريا‭ ‬ربه‭ ‬أن‭ ‬يرزقه‭ ‬ولدًا‭ ‬صالحًا‭ ‬مثل‭ ‬مريم‭ ‬من‭ ‬ولد‭ ‬يعقوب‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬قائلاً‭ ‬يا‭ ‬رب‭ ‬اعطني‭ ‬من‭ ‬عندك‭ ‬أولادًا طيبين‭ ‬لأنهم‭ ‬فرحة‭ ‬العين‭ ‬ومجلى‭ ‬القلب،‮ ‬إنك‭ ‬سميع‭ ‬لقول‭ ‬كل قائل‭ ‬مجيب‭ ‬دعوة‭ ‬كل‭ ‬دعاء‭ ‬صالح‭. ‬فخاطبته‭ ‬الملائكة‭ ‬شفاها‭ ‬والمخاطب‭: ‬هو‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وذلك‭ ‬أثناء‭ ‬قيامه‭ ‬للصلاة‭ ‬يدعو‭ ‬الله‭ ‬ويصلي‭ ‬في‭ ‬المحراب‭.‬

وقالت‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يبشرك‭ ‬بغلام‭ ‬اسمه‭ ‬يحيى،‭ ‬مصدقًا‭ ‬بعيسى‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬ونشأ‭ ‬بكلمة‭ ‬الله‭ (‬كن‭) ‬لا‭ ‬بالطريقة‭ ‬المعتادة‭ ‬من‭ ‬الولادة‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬ويكون‭ ‬سيد‭ ‬قومه‭ ‬وزاهدًا‭ ‬يمنع‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الشهوات‭ ‬ونبيًا‭ ‬يوحي‭ ‬إليه‭.‬‮ ‬

تعجب‭ ‬زكريا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البشارة‭ ‬فقال‭: ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬غلام‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬كبير‭ ‬السن‭ ‬وامرأتي‭ ‬عقيم‭ ‬لا‭ ‬تلد،‭ ‬فأجابته‭ ‬الملائكة‭ ‬كذلك‭ ‬الله‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء،‭ ‬أي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخلق‭ ‬غير‭ ‬المعتاد‭ ‬الحاصل‭ ‬مع‭ ‬امرأة‭ ‬عمران‭ ‬يفعل‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬فطلب‭ ‬زكريا‭ ‬من‭ ‬ربه‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬له‭ ‬علامة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الحمل‭ ‬ووجود‭ ‬الولد‭ ‬منه‭ ‬استعجالاً‭ ‬للسرور‭ ‬أو‭ ‬ليشكر‭ ‬تلك‭ ‬النعمة،‭ ‬فجعل‭ ‬الله‭ ‬علامة‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬كلام‭ ‬الناسُ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬المتوالية‭ ‬إلا‭ ‬بالإشارة‭ ‬والرمز‭ ‬بيد‭ ‬أو‭ ‬رأس‭ ‬‮ ‬أو‭ ‬نحوها‭ ‬و‭ ‬أمره‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يذكر‭ ‬ربه‭ ‬ويكبره‭ ‬كثيرًا‭ ‬ويسبحه‭ ‬وينزهه‭ ‬‮ ‬عما‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬ولاسيما‭ ‬عند‭ ‬الصباح‭ ‬والمساء،‮ ‬والذي‭ ‬يدلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المصطفين‭ ‬المختارين‭ ‬قد‭ ‬امتلأت‭ ‬نفوسهم‭ ‬بحب‭ ‬الله‭ ‬والتعلق‭ ‬به‭ ‬والعلم‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يأتيهم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬وخير‭ ‬ورزق‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬عنده‭ ‬وحده‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬لذلك‭ ‬أجابت‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬حينما‭ ‬سألها‭ ‬زكريا‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الرزق‭ ‬الذي‭ ‬وجده‭ ‬عندها‭- ‬هو‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭.!! ‬‮ ‬‭ ‬ويتوالى‭ ‬إكرام‭ ‬الله‭ ‬للسيدة‭ ‬مريم‭ ‬فتأتيها‭ ‬البشرى‭ ‬السارة‭ ‬التي‭ ‬ترجوها‭ ‬كل‭ ‬أنثى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الملائكة‭ ‬الكرام‭ ‬وتامل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إذ‭ ‬قالت‭ ‬الملآئكة‭ ‬يا‭ ‬مريم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يبشرك‭ ‬بكلمة‭ ‬منه‭ ‬اسمه‭ ‬المسيح‭ ‬عيسى‭ ‬ابن‭ ‬مريم‭ ‬وجيها‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭ ‬ومن‭ ‬المقربين‭ (‬45‭) ‬ويكلم‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬وكهلا‭ ‬ومن‭ ‬الصالحي‭ (‬46‭)‬‮»‬‭. (‬آل‭ ‬عمران‭:‬45‭/‬46‭)‬

والمعنى‭: (‬بإيجاز‭)‬

اذكر‭ ‬أيها‭ ‬النبي‭ ‬حين‭ ‬قالت‭ ‬الملائكة‭ ‬يا‭ ‬مريم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يبشرك‭ ‬بمولود‭ ‬منك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أب‭ ‬هو‭ ‬الكلمة‭ ‬أي‭ ‬وجد‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬كن‭ ‬فيكون‮»‬‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬واسطة‭ ‬بشر‭ ‬اسمه‭ ‬المسيح‭ ‬عيسى‭ ‬ابن‭ ‬مريم،‭ ‬فهو‭ ‬منسوب‭ ‬إليك‭ ‬ولقب‭ ‬المسيح‭ ‬لمسحه‭ ‬بالبركة‭ ‬او‭ ‬بالدهن‭ ‬الذي‭ ‬يمسح‭ ‬به‭ ‬الأنبياء‭ ‬وهو‭ ‬ذو‭ ‬جاه‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬بالنبوة‭ ‬وفي‭ ‬الآخرة‭ ‬بالشفاعة‭ ‬وعلو‭ ‬الدرجة‭ ‬ومن‭ ‬المقربين‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭.‬

ويكلم‭ ‬الناس‭ ‬وهو‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬المهد،‭ (‬مضجع‭ ‬الطفل‭ ‬حين‭ ‬الرضاع‭) ‬وفي‭ ‬الكهولة‭: ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثلاثين‭ ‬أو‭ ‬الأربعين‭ ‬إلى‭ ‬الشيخوخة‭ ‬أي‭ ‬يكلم‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الحالين‭ ‬بالوحي‭ ‬والرسالة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬العباد‭ ‬الصالحين‭.‬

ثم‭ ‬يحكي‭ ‬القرآن‭ ‬قولها‭ ‬متعجبة‭: ‬‮«‬قالت‭ ‬رب‭ ‬أنى‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬ولد‭ ‬ولم‭ ‬يمسسني‭ ‬بشر‭ ‬قال‭ ‬كذلك‭ ‬الله‭ ‬يخلق‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬إذا‭ ‬قضى‭ ‬أمرا‭ ‬فإنما‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬كن‭ ‬فيكون‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭:‬47‭)‬

والمعنى‭: ‬قالت‭ ‬مريم‭ ‬مستبعدة‭ ‬وذلك‭ ‬بحكم‭ ‬العادة‭: ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬ولد‭ ‬ولم‭ ‬يقربني‭ ‬رجل؟‭ ‬فأجابها‭ ‬الوحي‭ ‬بالإلهام‭: ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬يخلق‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬العدم‭ ‬بمقتضى‭ ‬قدرته‭ ‬وحكمته‭ ‬وإذا‭ ‬أراد‭ ‬أمرًا‭ ‬أو‭ ‬شيئًا‭ ‬أوجده‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬كن‮»‬‭ ‬فيكون‭ ‬كما‭ ‬أراد،‭ ‬وقد‭ ‬حقق‭ ‬الله‭ ‬البشرى‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بك‭ ‬وهي‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَمَرْيَمَ‭ ‬ابْنَتَ‭ ‬عِمْرَانَ‭ ‬الَّتِي‭ ‬أَحْصَنَتْ‭ ‬فَرْجَهَا‭ ‬فَنَفَخْنَا‭ ‬فِيهِ‭ ‬مِن‭ ‬رُّوحِنَا‭ ‬وَصَدَّقَتْ‭ ‬بِكَلِمَاتِ‭ ‬رَبِّهَا‭ ‬وَكُتُبِهِ‭ ‬وَكَانَتْ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْقَانِتِينَ‭ (‬12‭)‬‮»‬‭. (‬التحريم‭:‬12‭)‬

أي‭ ‬و‭ ‬يضرب‭ ‬الله‭ ‬المثل‭ ‬بحال‭ ‬مريم‭ ‬ابنة‭ ‬عمران‭ ‬أم‭ ‬عيسى‭ ‬عليهما‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬صانت‭ ‬فرجها‭ ‬عن‭ ‬الفاحشة‭ ‬فكانت‭ ‬مثال‭ ‬العفة‭ ‬و‭ ‬الطهر‭ ‬فأمر‭ ‬الله‭ ‬جبريل‭ ‬أن‭ ‬ينفخ‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬فرجها‭ ‬أوفى‭ ‬جيب‭ ‬قميصها‭ ‬‮ ‬فحملت‭ ‬بعيسى‭ ‬وصدقت‭ ‬بشرائع‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬شرعها‭ ‬لعباده‭ ‬و‭ ‬بصحفه‭ ‬المنزلة‭ ‬على‭ ‬إدريس‭ ‬‮ ‬وعلى‭ ‬غيره‭ ‬وبكتبه‭ ‬المنزلة‭ ‬عن‭ ‬الأنبياء‭ ‬وهي‭ ‬التوراة‭ ‬والإنجيل‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬القوم‭ ‬المطيعين‭ ‬لربهم‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أهلها‭ ‬أهل‭ ‬بيت‭ ‬صلاح‭ ‬وطاعه‭ ‬ومن‭ ‬عداد‭ ‬الناسكين‭ ‬العابدين‭ ‬المخبتين‭ ‬لربهم‭ ‬أي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬القوم‭ ‬القانتين‭ ‬في‭ ‬عبادتها‭ ‬وحال‭ ‬دينها‭ ‬وقوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬من‭ ‬روحنا‮»‬‭ ‬إضافة‭ ‬مخلوقة‭ ‬إلى‭ ‬خالق‭ ‬ومملوك‭ ‬إلى‭ ‬مالك‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬وناقة‭ ‬الله‭ ‬كذلك‭ ‬الروح‭ ‬والجنس‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬روح‭ ‬الله‭.‬

وهنا‭ ‬لفته‭ ‬بلاغية‭ ‬تدله‭ ‬على‭ ‬بلاغة‭ ‬القرآن‭ ‬وأنه‭ ‬تنزيل‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬زكريا‭ ‬‮«‬كذلك‭ ‬يفعل‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬يشاء‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬مريم‭ ‬‮«‬كذلك‭ ‬يخلق‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬يشاء‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬شيخين‭ ‬عجوزين‭ ‬ليس‭ ‬كإيجاد‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬أم‭ ‬فقط‭ ‬بلا‭ ‬أب‭ ‬فكان‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع‭ ‬أنسب‭ ‬بعيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭.‬

‮ ‬وبعد‭..‬

‮ ‬فهذا‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬عن‭ ‬اصطفاء‭ ‬الله‭ ‬لبعض‭ ‬عباده‭ ‬وإكرامه‭ ‬لهم‭ .‬

نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يوفقنا‭ ‬للسير‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬هؤلاء‭ ‬المصطفين‭ ‬الأخيار‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا