العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

متى تتحقق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت؟

بقلم: د. جيمس زغبي {

الثلاثاء ١٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬يوم‭ ‬4‭ ‬أغسطس‭ ‬2020،‭ ‬كنت‭ ‬أستعد‭ ‬للاحتفال‭ ‬بحلول‭ ‬الذكرى‭ ‬الثالثة‭ ‬والخمسين‭ ‬لزواجي‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أحتفل‭ ‬فيها‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجتي‭ ‬إيلين‭ ‬‭ ‬عندما‭ ‬انتشرت‭ ‬الأخبار‭ ‬عن‭ ‬انفجار‭ ‬هائل‭ ‬هز‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭.‬

انفجرت‭ ‬آلاف‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬نترات‭ ‬الأمونيوم‭ ‬المخزنة‭ ‬في‭ ‬صوامع‭ ‬الحبوب‭ ‬بالميناء،‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬انفجار‭ ‬غير‭ ‬نووي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬240‭ ‬قتيلا‭ ‬وخلف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬7000‭ ‬جريح‭ ‬فيما‭ ‬وجد‭ ‬300000‭ ‬شخص‭ ‬بلا‭ ‬مأوى‭.‬

انشغلت‭ ‬عن‭ ‬حزني‭ ‬الشخصي‭ ‬بالمشاهد‭ ‬المروعة‭ ‬للانفجار‭ ‬وآلام‭ ‬اللبنانيين‭ ‬المثخنين‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬الهائلة،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬أصابتهم،‭ ‬حيث‭ ‬إنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬أحبائهم‭ ‬وسط‭ ‬أنقاض‭ ‬منازلهم‭ ‬وأحيائهم‭ ‬المدمرة‭.‬

تأثرت‭ ‬ببطولة‭ ‬الشباب‭ ‬اللبناني‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬لتلك‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭. ‬قبل‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬قد‭ ‬ملأوا‭ ‬شوارع‭ ‬بيروت‭ ‬مطالبين‭ ‬بإنهاء‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬الفاسد‭ ‬الذي‭ ‬حوّل‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬نكتة‭ ‬سيئة،‭ ‬وها‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬يساعدون‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬الإغاثة‭ ‬ويقدمون‭ ‬الدعم‭ ‬والمأوى‭ ‬لمواطنيهم‭.‬

عندما‭ ‬زار‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الانفجار‭ ‬‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬رئيس‭ ‬لبنان‭ ‬واللبنانيين‭ ‬أو‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائهم‭ ‬‭ ‬حي‭ ‬الميناء‭ ‬المدمر‭ ‬تلاشت‭ ‬الصدمة‭ ‬والحزن‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬أصوات‭ ‬الغضب‭ ‬العارم‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬برز‭ ‬‮«‬قادتهم‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬يتولون‭ ‬مواقع‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬بغيابهم‭ ‬اللافت‭ ‬والجهود‭ ‬المثيرة‭ ‬للشفقة‭ ‬التي‭ ‬راحوا‭ ‬يبذلونها‭ ‬للتنصل‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬الظروف‭ ‬والأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الانفجار‭. ‬واحتجاجا‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬استجابة‭ ‬الحكومة،‭ ‬استقال‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان،‭ ‬واعترافا‭ ‬بفقدان‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬استقال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬أيضا‭.‬

تعهد‭ ‬الرئيس‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬للبنانيين‭ ‬الذين‭ ‬التفوا‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬الميناء‭ ‬المدمر‭ ‬بأنه‭ ‬سيتولى‭ ‬حشد‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لتأمين‭ ‬مساعدات‭ ‬الإغاثة‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬اللبنانيون‭ ‬بإجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬لضمان‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬للفساد‭.‬

عندما‭ ‬رأى‭ ‬اللبنانيون‭ ‬نفس‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬فشلاً‭ ‬ذريعًا‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬الدولة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬ماكرون‭ ‬للإصلاحات،‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬يضحكون‭ ‬أو‭ ‬يبكون‭ ‬أو‭ ‬يغضبون‭. ‬كانوا‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬سيتغير،‭ ‬وفعلا‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

وبينما‭ ‬كانت‭ ‬جهود‭ ‬الإنقاذ‭ ‬والإغاثة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬جارية،‭ ‬التمس‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬اللبناني‭ ‬المستقلين‭ ‬وقادة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فتح‭ ‬تحقيق‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬الانفجار‭ ‬الذي‭ ‬دمر‭ ‬ميناء‭ ‬بيروت‭ ‬وأحدث‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الدمار‭ ‬وخلف‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الخسائر‭ ‬الهائلة‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬حظيت‭ ‬تلك‭ ‬الدعوة‭ ‬بتأييد‭ ‬شعبي‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬فقد‭ ‬أظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬أجريناه‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الانفجار‭ ‬المأساوي‭ ‬المدمر‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬10‭ ‬لبنانيين‭ ‬يدعمون‭ ‬تحقيقًا‭ ‬مستقلًا‭ ‬لتحديد‭ ‬كيف‭ ‬ولماذا‭ ‬حدث‭ ‬الانفجار‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنه‭.‬

الآن‭ ‬وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬انفجار‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت،‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬مساءلة‭ ‬أو‭ ‬تتحقق‭ ‬أي‭ ‬عدالة‭ ‬‭ ‬ولم‭ ‬تحدث‭ ‬أي‭ ‬استجابة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لنداء‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬اللبناني‭. ‬فقد‭ ‬تمت‭ ‬عرقلة‭ ‬التحقيق‭ ‬الذي‭ ‬أجراه‭ ‬القضاء‭ ‬اللبناني‭ ‬المستقل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بسبب‭ ‬التدخل‭ ‬السياسي‭ ‬والمماطلة‭.‬

رفض‭ ‬الوزراء‭ ‬والمسؤولون‭ ‬الآخرون‭ ‬الإدلاء‭ ‬بشهاداتهم‭ ‬في‭ ‬حادثة‭ ‬انفجار‭ ‬ميناء‭ ‬بيروت‭ ‬وتم‭ ‬عزل‭ ‬القضاة‭ ‬الذين‭ ‬أصروا‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬التحقيق،‭ ‬وصدرت‭ ‬أوامر‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأفراد‭ ‬المحتجزين‭ ‬للاشتباه‭ ‬في‭ ‬مسؤوليتهم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬قد‭ ‬أمكنه‭ ‬مغادرة‭ ‬البلاد‭.‬

أجرت‭ ‬منظمة‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬دراسة‭ ‬شاملة‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬مقابلات‭ ‬ومراجعة‭ ‬للوثائق،‭ ‬حيث‭ ‬خلص‭ ‬تحقيقها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬وفشلوا‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬تحذيرهم‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬يشكلها‭ ‬تخزين‭ ‬نترات‭ ‬الأمونيوم‭ ‬في‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭.‬

كشف‭ ‬تقرير‭ ‬منظمة‭ ‬هيومان‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الإهمال‭ ‬قبل‭ ‬الانفجار‭ ‬وبعده،‭ ‬حيث‭ ‬سعى‭ ‬الرئيس‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ومسؤولون‭ ‬آخرون‭ ‬إلى‭ ‬تأجيل‭ ‬العمل‭ ‬وتحويل‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬المرؤوسين‭ ‬و«اختيار‭ ‬طريق‭ ‬التملص‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬والعدالة‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬خلص‭ ‬تقرير‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يأذن‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬بإجراء‭ ‬تحقيق،‭ ‬وعلى‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬محددة‭ ‬تستهدف‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬الانتهاكات‭ ‬المستمرة‭ ‬والجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬لعرقلة‭ ‬العدالة‮»‬‭. ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬ذلك‭ ‬التقرير‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الانفجار‭ ‬ومطالبة‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬بالإصلاح،‭ ‬أصبح‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬لم‭ ‬يتسن‭ ‬للبرلمان‭ ‬عقد‭ ‬جلساته‭ ‬لأن‭ ‬أعضاءه‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬رئيس‭. ‬أما‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭ ‬والمالي‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انهيار،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬الأفراد‭ ‬بعمليات‭ ‬اقتحام‭ ‬مسلحة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لسحب‭ ‬أموالهم‭ ‬لدفع‭ ‬الفواتير‭ ‬الطبية‭.‬

هناك‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬والكهرباء‭ ‬والأدوية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬السكان‭ ‬باتوا‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر،‭ ‬فيما‭ ‬تستمر‭ ‬نفس‭ ‬النخب‭ ‬الطائفية‭ ‬الفاسدة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬البلاد‭ ‬بالشلل‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬ألعابها‭ ‬المميتة،‭ ‬وفيما‭ ‬تظل‭ ‬عائلات‭ ‬ضحايا‭ ‬الانفجار‭ ‬والناجين‭ ‬منه‭ ‬تصرخ‭ ‬حزنًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إجابات‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭.‬

 

{‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬

العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا