البنوك تصادر مئات المنازل في بريطانيا.. وتراجع أعمال البناء 47% في ألمانيا
يعتبر اقتصاديون أن العالم لم يمر عبر التاريخ بأزمات متسلسلة كما مر به خلال السنوات الأربع الماضية، بدءا من جائحة كورونا، مرورا بالأزمات الاقتصادية، ثم التوترات السياسية والحروب، واستمرار تداعيات التضخم ورفع أسعار الفائدة، ويفاقم ذلك أزمة تغير المناخ وغيرها.
كل ذلك جعل الاقتصاد العالمي بشكل عام والامريكي بشكل خاص يمر بواحدة من أشد موجات التضخم. الأمر الذي انعكس سلبا على القطاع الاقتصادي والمالي عالميا.
ولمواجهة تداعيات التضخم، عمد مجلس الاحتياط الفيدرالي «البنك المركزي الأمريكي» الى رفع معدلات الفائدة بداية العام الماضي، واستمر في ذلك حتى الأيام الأخيرة كخطوة تعتبر تشديدا لمكافحة ارتفاعات الأسعار، مما إثر على مختلف القطاعات والافراد في أرجاء العالم. حيث يجبر رفع الفائدة الأساسية الأميركية البنوك الرابطة عملاتها مع الدولار على مواكبتها ورفع فائدتها الأساسية بالنسبة نفسها. ما يؤثر سلبا في النشاط الاقتصادي العالمي، وتنتقل التأثيرات السلبية إلى أسواق المنتجات والخدمات فينخفض نمو الطلب الذي ينتقل بدوره إلى أسواق السلع الأولية.
والسؤال هنا: إلى أي مدى تتأثر القطاعات العقارية في العالم برفع أسعار الفائدة؟
بشكل عام، تتأثر القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على التمويل المصرفي بشكل سلبي من تقلبات أسعار الفائدة. ولأن قطاع العقارات يعتمد بشكل كبير على التمويل المصرفي فإن ذلك يجعله من أكثر القطاعات حساسية بهذا الشأن. بل أن القطاع العقاري من أكثر القطاعات التي تتأثر سلباً برفع سعر الفائدة نظراً لزيادة تكلفة الإقراض ونسبة الفوائد، فمن كان يدفع نسبة لا تتجاوز 2% مثلا فائدة على قرض عقاري، سيجد نفسه مضطرا الى دفع نسب تتجاوز ثلاثة اضعاف. وهذا بالطبع ما يكبح جماح الرغبة في الاستثمار بالعقارات لدى الكثيرين. كما تتأثر صناديق الاستثمار العقاري سلبا برفع الفائدة. فهذه الزيادة رفعت معدلات الرهن العقاري، وواجه المقترضون السابقون زيادات كبيرة في أقساط الرهن العقاري، ما يرفع مخاطر تخلف بعضهم عن السداد. حيث تقود زيادة الفائدة، إلى رفع تكاليف القروض العقارية الجديدة والقديمة المرنة. وهذا ما يؤثر على حركة الأسواق.
لذلك لم يكن مستغربا ان تشهد أسواق المساكن العالمية تراجعا بعد سنوات من المكاسب المستمرة.
ففي الولايات المتحدة مثلا انخفضت بنسبة شراء العقارات 20% من شهر يناير 2022 وحتى يناير 2023.
وكشفت بيانات مصرف «هاليفاكس»، أحد أكبر البنوك البريطانية المتعاملة في سوق الرهن العقاري، عن تباطؤ النمو في أسعار العقارات في بريطانيا، حيث ان نمو أسعار المنازل في أبريل الماضي سجل أبطأ وتيرة لها منذ أكثر من عقد، وذلك بسبب التأثير السلبي لارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تكاليف المعيشة، التي أثرت بدورها على الطلب في سوق العقارات.
وكشف تقرير نشرته جريدة «ديلي تليغراف» البريطانية، ونشرته العربية نت، أن المئات من مالكي المنازل في بريطانيا فقدوا بيوتهم بسبب تعثرهم عن سداد الأقساط الشهرية المترتبة عليهم، وذلك في أعقاب الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة والذي أدى إلى زيادة في الأقساط الشهرية المترتبة عليهم بما جعلهم غير قادرين على الوفاء بها.
وأظهرت الأرقام الصادرة عن هيئة التجارة المصرفية (UK Finance) أن عدد القروض العقارية المتعثرة التي كان أصحابها اشتروها من أجل تأجيرها قفز 28% في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو، و59% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفي المجموع، تخلف 8980 مالكاً عن سداد أقساط الرهن العقاري خلال هذه الفترة، وتبين من الأرقام أن حوالي 2300 مالك تخلفوا عما بين 5% و10% من رصيد الرهن العقاري، كما تخلف نحو ألفي مالك عن سداد ما قيمته أكثر من 10% من الرصيد المترتب عليهم، وبزيادة قدرها 4% عن الربع الثاني من العام الماضي.
وقال الخبراء إن معدلات الرهن العقاري المرتفعة هذا العام بدأت تؤثر بشكل ملموس على السوق وبدأت آثارها تظهر بالفعل، بحسب ما نقلت «ديلي تلغراف».
وقال لويس شو، من شركة «شو فايننشال سيرفسيز» للوساطة العقارية إن «هذه علامة على دخول مرحلة جديدة، وسوف يستمر السوق في التدهور خلال عام 2024 حيث ستواجه أكثر من 1.4 مليون أسرة إعادة رهن بمعدلات أعلى بكثير مما اعتاد عليه أي شخص».
وفي المانيا، شهد سوق التمويل العقاري تراجعا كبيرا ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2011. وتراجع حجم القروض العقارية الجديدة التي تقدمها البنوك الألمانية للأسر الخاصة والعاملين لحسابهم الخاص بنسبة 43% المئة. فيما ارتفعت الإيجارات 5.2%، وبلغ الارتفاع خلال جائحة كورونا 3.1%.
فيما تراجعت أعمال البناء الجديدة في ألمانيا خلال النصف الأول من العام، بنسبة 47% مقارنة بمتوسط العامين الماضيين، وانخفضت تصاريح البناء الجديدة بنسبة 27% خلال الأشهر الخمسة الأولى.
انخفضت أسعار المساكن أيضًا في الربع الأول بأكبر قدر منذ أن بدأ مكتب الإحصاء الألماني في الاحتفاظ بالبيانات، بانخفاض 6.8% عن العام السابق.
وتعتبر الزيادة المستمرة في أسعار البناء نتيجة لارتفاع أسعار المدخلات والمنتجات الأولية احدى الأسباب التي تفاقم المشكلة. وكل ذلك يدفع البعض الى الاعتقاد بان تأثيرات أسعار الفائدة والتضخم وتحديات سلاسل التوريد، على سوق العقارات العالمي قد يمثل «إشارة الى نهاية عصر الطفرة العقارية في بعض الدول».
في دول الخليج، يتوقع عقاريون انخفاضا او على الأقل ثباتا في حجم التداولات العقارية إذا ما استمرت المشكلة. خاصة وأن نسبة كبيرة من هذه التداولات تكون عبر التسهيلات البنكية والمصارف. فيما يؤكد عقاريون ان ارقام التداولات مازالت تنبئ بصمود ملفت للقطاع العقاري في البحرين ودول المنطقة، الامر الذي يزيد من ثقة المستثمرين بهذا القطاع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك