العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أيام في سيبيريا

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ١٧ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

أتيحت‭ ‬لي‭ ‬الفرصة‭ ‬لزيارة‭ ‬منطقة‭ ‬سيبيريا‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬77%‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬والواقعة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬جبال‭ ‬الأورال‭ ‬ذات‭ ‬الأجواء‭ ‬المناخية‭ ‬المتناقضة‭ ‬فهي‭ ‬شديدة‭ ‬البرودة‭ ‬شتاء‭ ‬تصل‭ ‬فيها‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬درجة‭ ‬تحت‭ ‬الصفر‭ ‬وحارة‭ ‬صيفا‭ ‬تصل‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬درجة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭ ‬خلال‭ ‬زيارتي‭ ‬لسيبيريا،‭ ‬حيث‭ ‬وصلت‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬درجة،‭ ‬ويقطنها‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬مقارنة‭ ‬بمساحتها‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬أقل‭ ‬المناطق‭ ‬كثافة‭ ‬بالسكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

سيبيريا‭ ‬منطقة‭ ‬غنية‭ ‬بخيراتها‭ ‬الباطنية‭ ‬فهي‭ ‬غنية‭ ‬بالنفط‭ ‬والغاز،‭ ‬فأكبر‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسيين‭ ‬يتم‭ ‬استخرجهما‭ ‬من‭ ‬سيبيريا‭ ‬70%،‭ ‬وفي‭ ‬سيبيريا‭ ‬الذهب‭ ‬والاحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬بحيرة‭ ‬البايكال‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بمياهها‭ ‬العذبة‭ ‬وبأنهارها‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬330‭ ‬نهرا‭ ‬تتجمد‭ ‬شتاء‭ ‬وتصبح‭ ‬ملاذا‭ ‬للناس‭ ‬صيفا‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬السيبيرية‭.‬

وخلال‭ ‬زيارتي‭ ‬لسيبيريا‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬أسبوعا‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬سمعنا‭ ‬ونسمع‭ ‬عنها‭ ‬الكثير‭. ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والتي‭ ‬تتميز‭ ‬باحتضانها‭ ‬معالم‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬روسية‭ ‬مختلفة‭ ‬تذكرنا‭ ‬بروسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬روسيا‭ ‬السوفيتية‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬المعاصرة،‭ ‬ففي‭ ‬القرى‭ ‬والأرياف‭ ‬السيبيرية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬البسيطة‭ ‬هو‭ ‬السائد،‭ ‬حيث‭ ‬البيوت‭ ‬الخشبية‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬تتوارثها‭ ‬العائلة‭ ‬جيلا‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬تتزين‭ ‬بصور‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬والناس‭ ‬تتبادل‭ ‬منتجاتها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مقايضة‭ ‬البطاطا‭ ‬مقابل‭ ‬الحليب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬النقود‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ضوضاء‭ ‬المدن،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وفي‭ ‬سيبيريا‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المعالم‭ ‬السوفيتية‭ ‬موجودة‭ ‬فأسماء‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرق‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المناسبات‭ ‬السوفيتية‭ ‬المختلفة‭ ‬مثل‭ ‬ذكرى‭ ‬قيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬والأول‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬وغيرها‭ ‬وتماثيل‭ ‬قائد‭ ‬الثورة‭ ‬البلشفية‭ ‬فلاديمير‭ ‬لينين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬العامة‭ ‬تذكرنا‭ ‬بأيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬أما‭ ‬سيبيريا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تعج‭ ‬بالشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬خدماتها‭ ‬للموطنين‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬الغربي‭ ‬الجشع،‭ ‬وخصوصا‭ ‬البنوك‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬القروض‭ ‬للمواطنين‭ ‬السيبيرين‭ ‬بفوائد‭ ‬مرتفعة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يقبل‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الاقتراض‭ ‬لحاجتهم‭ ‬الماسة‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬مستوى‭ ‬ظروفهم‭ ‬المعيشية‭ ‬وخصوصا‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر،‭ ‬فامتلاك‭ ‬الشقة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مساحتها‭ ‬من‭ ‬أولوياتهم‭ ‬وهي‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬وتكوين‭ ‬عائلة‭.‬

ظروف‭ ‬الحياة‭ ‬الصعبة‭ ‬جعلت‭ ‬الناس‭ ‬يعملون‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬وبوظائف‭ ‬مختلفة‭ ‬تصل‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬وظائف‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لمواجهة‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬نلاحظ‭ ‬في‭ ‬سيبيريا‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الانجاب‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬مشاهدة‭ ‬عائلة‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬وثلاثة‭ ‬أو‭ ‬أربعة‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬الأسرة‭ ‬الروسية‭ ‬أربعة‭ ‬أفراد‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى‭.‬

المدن‭ ‬والشوارع‭ ‬السيبيرية‭ ‬تتميز‭ ‬بالهدوء‭ ‬وربما‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬وانعكس‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والمناخ‭. ‬فمناخ‭ ‬سيبيريا‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬المناخات،‭ ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬المصحات‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬سيبيريا‭ ‬منذ‭ ‬الحقبة‭ ‬السوفيتية‭ ‬يأتي‭ ‬إليها‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬عموم‭ ‬روسيا‭ ‬وخارجها‭ ‬للاستجمام‭ ‬وخصوصا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الربيع‭ ‬والصيف،‭ ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المصحات‭ ‬كانت‭ ‬تابعة‭ ‬للدولة‭ ‬السوفيتية‭ ‬وللنقابات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬خدماتها‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬مجاني،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فتقدم‭ ‬خدماتها‭ ‬للمقتدرين‭ ‬فقط‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬زيارتي‭ ‬لسيبيريا‭ ‬فرصة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬وعلى‭ ‬أجوائها‭ ‬اللطيفة‭ ‬والصحية‭ ‬ومناطقها‭ ‬وأهلها‭ ‬الطيبين‭ ‬الذين‭ ‬يحترمون‭ ‬ضيوفهم‭ ‬الأجانب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا