حسن علي البنفلاح
وبمرور السنين تهدم البيت العتيق وهجره الناس ونسوا مكانه إلى أن شاءت إرادة الله تعالى أن يعاد بناؤه على يد النبي إبراهيم وابنه إسماعيل – عليهما السلام – بعد أن أمره الله بوضع زوجته السيدة هاجر ورضيعها إسماعيل عند قواعد البيت ليرفع فيه البناء وينشأ من جديد ليكون مقصد الأمة الإسلامية الحنيفية من شتى أقطار العالم.
وكما يذكر البحث فقد ثبت علميا أن أرض مكة هي أقدم بقاع الأرض، فقد تم التوصل في منتصف الستينات من القرن الماضي إلى أن الأرض في مرحلة من مراحل خلقها كانت مغمورة بالماء بشكل كامل، وشاءت إرادة الله أن يفجر قاع المحيط الضامر بثورة بركانية عنيفة ظلت تلقى بحممها التي تراكمت فوق بعضها البعض مكونة سلسلة جبلية وسط هذا المحيط، واستمرت هذه السلسلة في النمو والارتفاع حتى ظهرت قمتها فوق سطح الماء مكونة أول جزء من اليابسة على هيئة جزيرة بركانية، وباستمرار النشاط البركاني، نمت هذه الجزيرة الأولية بالتدرج بواسطة الثورات البركانية المتلاحقة التي أضافت إليها مساحات جديدة من اليابسة محولة إياها إلى قارة كبيرة عرفت باسم القارة الأم.
وهناك حقيقة علمية ذكرها البحث تؤكد أن مكة المكرمة تتوسط الأرض، وأن اليابسة تحت الكعبة تعتبر أقدم جزء من الغلاف الصخري للأرض على الإطلاق، وأن اليابسة كلها نشأت منها. كما يتطرق البحث إلى أن الكعبة المشرفة تتميز بأنها مبنية بأضلاعها الأربعة في الاتجاهات الأربعة الأصلية تماما، فضلعها المطل على حجر اسماعيل والذي يضم الركنين العراقي والشامي في اتجاه الشمال الحقيقي، ويقابله في اتجاه الجنوب الضلع الذي يضم الحجر الأسود والركن اليماني، وضلعها الذي فيه الباب والملتزم والذي ضم الحجر الأسود والركن العراقي يواجه الشرق تماما، وبالمقابل فالضلع الغربي هو الذي يضم الركنين الشامي واليماني.
ومن هنا نرى أن البحوث العلمية المعتبرة والقيّمة أثبتت أن مكة المكرمة تتمركز في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات التي تتكون منها اليابسة. ومن المعروف أن الأرض هي مركز السماوات والأرض بنص الآية القرآنية «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)» الرحمن، وحيث من المعروف كذلك أن القُطْر هو الشكل الهندسي الذي يمثل الخط الواصل بين طرفين مرورا بالمركز، وعلى الرغم من أن أقطار السماوات على ضخامتها تنطبق على أقطار الأرض على ضآلتها النسبية فلابد أن تكون الأرض في مركز الكون، وبما ان مكة هي مركز الأرض، فتكون مكة هي مركز الكون كله.
ومن هنا يأتي الإعجاز القرآني في كلمتي (ومن حولها) أي من حول مكة بأنها تبعد بالمسافة نفسها عن جميع أطراف اليابسة في الكرة الأرضية ليتمكن الناس من الوصول إليها في الحج والعمرة، إضافة إلى أن جميع المسلمين في بقاع العالم يتجهون إليها في جميع صلواتهم فرضها ونفلها.
والأعجب من هذا وذاك يتكلم البحث عن تأكيد علماء الفلك بأن الطواف حول الكعبة يتسق مع سنة الله في خلقه، حيث تطوف كل المخلوقات باتجاه طواف المسلمين حول الكعبة نفسها لتحافظ على توازنها في الحياة، وبالتالي فإن سلوك المسلمين في الطواف يتوافق مع حركة الكون والمخلوقات. حيث تم ملاحظة أن هذا الطواف هو عكس اتجاه عقارب الساعة وهو نفس اتجاه الدوران الذي تتم فيه حركة الكون من أدق كائناته إلى أكبر وحداته، فالإلكترون يدور حول نفسه، ثم يدور في مدار حول نواة الذرّة في اتجاه الطواف نفسه عكس عقارب الساعة وفي الاتجاه نفسه فإن الأرض تدور حول الشمس، والقمر يدور حول الأرض، والمجموعة الشمسية تدور حول مركز المجرّة، والمجرّة تدور حول مركز تجمع مجرّي، والتجمع المجرّي يدور حول مركز الكون لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وكل هذه الحركات لها اتجاه الطواف حول الكعبة نفسها.
والمعروف كما يقول البحث أن كل دقيق في الكون يدور حول ما هو أكبر منه، فالمطاف واحد يتعدد حوله الطائفون، وهذا رمز لوحدانية الله سبحانه وتعالى، ورمز لعبودية الخلق لهذا الخالق العظيم، الذي يبقى منفردا بهذه الصفة التي وصف ذاته بها أنه لا إله إلا هو، على عكس كل ما في الكون من ازدواجية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك